رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد خسارتها في العالمين العربي والإسلامي.. خريطة مناطق النفوذ الجديدة للإخوان

جماعة الاخوان
جماعة الاخوان

قالت صحيفة "العرب" اللندنية، إن التنظيم الدولي للإخوان يبحث الآن عن مناطق نفوذ جديدة وجبهة تمدد صامتة في شرق أوروبا وإفريقيا بعد الضربة التي تعرضت لها حركة النهضة الإخوانية في تونس، آخر معاقل الجماعة في العالم العربي، على خلفية القرارات الاستثنائية التى أصدرها الرئيس قيس سعيد، وأفضت إلى تجميد البرلمان الذى تسيطر عليه الجماعة، وإقالة حكومة المشيشى التى تماهت مع زعيم الحركة راشد الغنوشى للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد.

سقوط "النهضة" يبعثر أوراق الإخوان ويكشف شعبيتها الواهية

وتحت عنوان "تنظيم الإخوان يعوض خيباته بالتمدد بصمت في إفريقيا وشرق أوروبا"، كشفت الصحيفة نقلا عن خبراء ومحللين، أن الارتباك الذي تعاني منه حركة النهضة في تونس قد ضاعف من الصعوبات التي يواجهها التنظيم الدولي للإخوان بعد أن تعرض أحد أضلاعه المؤثرة إلى ضربة قوية، بفعل إجراءات "سعيد" والحراك الشعبي المؤيد لها، مشيرة إلى أن الجماعة تبحث الآن عن بدائل لكي تعوض خسارتها، وذلك من خلال التمدد بصمت في إفريقيا وشرق أوروبا. 

وتابعت: "قادت الضربة التي تلقتها حركة النهضة في تونس وعدم قدرتها على الحشد إلى بعثرة أوراق الإخوان من جديد، حيث يحاول التنظيم التدارك والاستفادة من هذه الدروس التي تعرض لها في الدول العربية ببحثه عن مناطق نفوذ جديدة".

ونوهت الصحيفة إلى أن هذه المناطق لا تشكل بالضرورة، أهمية استراتيجية للجماعة، ولكن يريد التنظيم من خلالها صرف الأنظار عنه كمحاولة للإفلات من إجراءات المراقبة والملاحقة، وحتى يتيح له الفرصة في إعادة التفكير في خطواته القادمة لاستعادة نفوذه مرة أخرى، فهي بمثابة "هروب مؤقت" إلى حين إيجاد استراتيجية جديدة تعيد نفوذه ومشروعه الأيديولوجي إلى الواجهة. 

انتكاسات وضربات متتالية في العالم العربي والأوروبي بعد الضربة القوية للجماعة في مصر

ولفتت الصحيفة إلى أن جماعة الاخوان تعرضت انتكاسات متتالية في المنطقة العربية خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن الهزة التي تعرضت لها حركة النهضة التونسية ذو المرجعية الإخوانية، ضيقت الخناق على مناوراته ومساعيه للاستحواذ على السلطة وبسط مشروعه الأيديولوجي، وبات مهتما بالبحث عن بدائل في مواجهة ما تعرض له من خيبات وضربات، تضاف إلى جملة من الانتكاسات التي تعرض لها منذ الضربة القوية التي تلقاها في مصر قبل ثمانية أعوام وما تبعها من أزمات قادت إلى الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير في السودان.

وبينت أن ذلك جاء بالتزامن مع تضييق دول أوروبية عديدة الخناق على أنشطة الجماعة في أراضيها، قائلة أنه في الوقت الذي تآكل فيه حضور الإخوان في دول المنطقة، لم تعد أوروبا بدورها بيئة مناسبة لأنشطة الحركة، مع تشديدها الرقابة على تحركاتها.

وتابعت أن التنظيم يواجه حصارًا موازيًا في معاقله الرئيسية في أوروبا، حيث أصدرت ألمانيا الشهر الماضي قرارا يقضي بحظر استخدام شعارات جماعة الإخوان في أي فعالية أو الدعوة لهم، وجرى فرض عقوبات بين الغرامة والسجن على المخالفين، و وضيقت فرنسا الخناق على التنظيمات المتطرفة المرتبطة بالجماعة عبر إقرار اتفاق المبادئ الذي وافق عليه المجلس الأعلى للديانة الإسلامية هناك ويستهدف تطويق ما يصفها بالنزعة "الانفصالية" وتوظيف شؤون الدين والهوية من قبل جماعات محسوبة على الإخوان.

أما في النمسا، فتتيح التشريعات الجديدة لمكافحة الإرهاب والتطرف المضي قدما لحظر تنظيم الإخوان بعدما أضيف شعار التنظيم في عام 2019 إلى شعارات المنظمات المحظورة في البلاد، ثم اقترح برلمانيون وقف التعاون مع التنظيمات التابعة للإخوان.

روسيا وأوكرانيا ودول وسط آسيا وبلاد القوقاز والصومال وأفغانستان.. أبرز مناطق النفوذ الجديدة 

وأضافت الصحيفة اللندنية أنه بحسب خبراء، يسعى تنظيم الإخوان الدولي- كمحاولة لتدارك خسارته السياسية وانهيار شعبيته في الوطن العربي- لبناء مرتكزات في دول شرق أوروبا مثل روسيا وأوكرانيا، فضلًا عن توظيف حالة السيولة الأمنية في دول القرن الإفريقي التي تتمدد فيها بكثرة التنظيمات الإرهابية، مثل الصومال وأفغانستان، مع البقاء في إنجلترا كمركز رئيسي لإدارة عملياته.

من جهته، أكد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد سلطان، أن الأزمة التي يواجهها التنظيم الدولي للجماعة "مركبة وذات أبعاد متعددة، لأنه يعاني من وجود قياداته المؤثرين داخل السجون المصرية، ومن تبقوا في الخارج تعرضوا لانتكاسات عدة جراء القرارات التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية بشأن التعامل مع جماعات الإسلام السياسي، في حين أن التنظيم لم يحظ بعد بدعم الرئيس الأمريكي جو بادين.

وأضاف، في تصريحات لـ"العرب" اللندنية، أن "الجماعة ترى أنه عليها إعادة تحسين صورتها أولاً قبل أن تكون هناك حوارات وتفاهمات جديدة، في وقت يتعرض فيه التنظيم لانتكاسات تجعله غير قادر على الحركة، ما يدفعه إلى البحث عن حضور في مناطق لا تشكل أهمية جيوسياسية له، مثلما هو الحال بالنسبة إلى الوضع في منطقة الشرق الأوسط، لكنها بالأساس مرحلة مؤقتة إلى حين تحسن أوضاعه".

ولفت إلى أن التنظيم ينتشر في إطار استراتيجيات التمدد الصامت ولا يريد لفت الأنظار إلى تحركاته كي يتمكن من الإفلات من إجراءات المراقبة والملاحقة، ويمضي في تحريك قطاعاته المختلفة التي يعتمد عليها في كل قارة للبحث عن مناطق رخوة بدلًا من تلك التي تعرض فيها لضربات شعبية وقانونية وسياسية مؤخراً.

واعتبر "سلطان" أنه من المتوقع أن يكون حضور التنظيم مستقبلا، بجانب شرق وغرب إفريقيا، في بعض دول شرق أوروبا وترسيخ وجوده في دول وسط آسيا وبلاد القوقاز في ظل التضييق الذي تتعرض له قياداته وكوادره في كل من إندونيسيا وماليزيا والفلبين.

من جانبه، أوضح الخبير في شؤون جماعات الإسلام السياسي صبرة القاسمي إلى أن التحركات الدبلوماسية التي قامت بها مصر والسعودية والإمارات أسهمت في تضييق الخناق على تحركات التنظيم في بعض الدول الأوروبية، وهو ما عانى منه التنظيم قبل الهزة الأخيرة في تونس.

وأشار القاسمي في تصريح لـ"العرب أن وجود التنظيم الدولي في العديد من الدول الأوروبية والآسيوية يختلف عن الحضور الفاعل في الدول العربية بعد أن وصلت هيمنته إلى مستوى سلطة اتخاذ القرار، بالتالي فتحركاته مهما كان اتساع مداها الجغرافي فإنها لن تكون بالتأثير الذي كان يحظى به التنظيم مع وجود الجماعة على رأس السلطة التشريعية والتنفيذية في تونس ومن قبلها على رأس النظام الحاكم في مصر والسودان.

واعتبر أن سقوط رؤوس الجماعة في الدول العربية ينعكس مباشرة على أوضاعها في الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقية لأن الغطاء الدبلوماسي الذي يضغط لترك مساحات حركة أمامها في هذه الدولة تقلص بشكل كبير، في حين أن بعض الأنظمة العربية تنسق مع أطراف دولية لاستعادة العناصر المتورطة في أعمال عنف وتشكل ضغطا موازيا في اتجاه آخر يدعم طرد عناصر الجماعة وتضييق الخناق عليهم.

فيما قال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب، أن ما حدث في تونس مؤخرا له علاقة بسقوط رأس التنظيم في القاهرة قبل سنوات، وما ستؤول إليه الأوضاع في تونس سوف يؤثر على طبيعة التنظيم في شمال إفريقيا وأوروبا، مشيرًا إلى أنه من متوقع أن يتساقط الإخوان في أغلب دول العالم مثل قطع الشطرنج بفعل توالي الهزات.

ونوه في تصريح للصحيفة اللندنية إلى أن سقوط التنظيم في مصر وتونس لا يعد سياسيًا، لكنه سقوط له علاقة بالشعارات والأفكار التي رفعها التنظيم منذ نشأته واستهدفت دعم مشروعه التوسعي، وهو ما يؤدي إلى تهاوي الأفكار الآن، وقد تكون لذلك تأثيرات واسعة على مستقبل تنظيم الإخوان الذي يتعرض لأفول تدريجي.

وتابع أن الفكرة المؤسسية التي تُغري الآخرين للانضمام إليه أو تأييد قياداته وعناصره لم تعد ملهمة حاليا بسبب الانتكاسات المتكررة، وأن قطاعات واسعة ممن انخدعوا في التنظيم تيقنوا من أن الفكرة فاسدة ومتكلسة ولا تناسب الحاضر، ما يجعل كافة التحركات التي يقوم بها التنظيم الدولي بمثابة بحث عن أماكن بديلة للحياة.

واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول أن البعض من المراقبين رجحوا أن يقلل التنظيم من جرعاته السياسية ويحد من استخدام ألفاظ تدعو إلى العنف مثلما كان الحال في سنوات ماضية، وربما تتوخى قياداته الحذر لتبدأ في إعادة بناء التنظيم على أسس تختلف في شكلها، لكنها تعبر عن الجوهر ذاته.