رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تونس وخطورة الحلول الوسط مع الإخوان

لا تزال تداعيات ومآلات القرارات والإجراءات الجريئة التى اتخذها الرئيس التونسى «قيس سعيد» فى الـ٢٥ من يوليو ٢٠٢١ مستمرة معنا، والتى كان أبرزها إقالة حكومة المشيشى، وتجميد عمل مجلس النواب، ورفع الحصانة عن أعضائه، وإقالة أكثر من ٢٥ مسئولًا ومستشارًا محسوبًا على حركة النهضة الإخوانية من الدواوين والجهاز الحكومى للدولة، بجانب- وهو الأهم- إعلان الرئيس «قيس» فتح ملفات فساد تخص ٤٦٠ شخصية تونسية متهمة بسرقة ٤.٦ مليار دولار، مع فتح القضاء التونسى تحقيقات بشأن تلقى مجموعات تونسية تمويلات أجنبية من الخارج فى الانتخابات الماضية، وعلى رأسها حزب حركة النهضة وحزب قلب تونس وحزب عيش تونسى.

تونس بالفعل على صفيح ساخن، ومستقبل الدولة التونسية مرهون بقدرة الرئيس، والمكون المدنى، وبدعم الشارع التونسى، على صياغة استراتيجية متوسطة وطويلة المدى ينتج عنها فى النهاية إبعاد تيار الإسلام السياسى عن المشهدين السياسى والاجتماعى فى تونس، وتفادى الحلول الوسطى المقدمة من الخارج «الغرب» وبعض داعمى هذا التيار ممن يدفعون فى اتجاه استمرار جعل حركة النهضة الإخوانية فاعلًا رئيسًا فى معادلة السياسة التونسية، وهو ما من شأنه أن يجعل تونس على حافة الانفجار الاجتماعى مستقبلًا، وبالتالى استحالة تحقيق أى استقرار سياسى أو إنجاز خطوات ملموسة على الأرض لإنقاذ الاقتصاد التونسى الذى يعانى بالفعل على مدى ١٠ سنوات؛ جراء عوار النظام السياسى، وبفعل استمرار وجود الغنوشى وحركته فى المجال العام هناك.

تنظيم الإخوان المسلمين فى تونس لا يحتاج إلى فرص أخرى لإثبات فشله وعجزه فى حكم تونس وإيصالها إلى مرحلة الانحدار التى وصلنا إليها سابقًا.

١٠ سنوات كانت كافية ليخرج التونسيون مرة أخرى للشوارع بشكل واسع شبيه بخروجهم فى ٢٠١١ للمطالبة بالتغيير، لم يعد يصلح معهم الشعارات والتنظيرات البراقة التى يتم ترديدها خلال عقد كامل من أن تونس هى النموذج، من أن تونس هى مهد الديمقراطية والحرية فى العالم العربى، من أن تونس هى التجربة الناجحة التى يجب أن يحتذى بها! التونسيون فطنوا إلى أن كل تلك الشعارات لن تحسن وضعهم المعيشى وتوفر لهم وظائف وتحمى قيم المدنية والحداثة والانفتاح والمواطنة التى أرساها الرئيس التونسى «الحبيب بورقيبة» التى تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الماضية بعد دخول تنظيم الإخوان فى الحياة السياسية والاجتماعية.

الصراع الحقيقى فى تونس من الضرورى أن ينتقل من فكرة دستورية قرارات وإجراءات الرئيس قيس سعيد إلى صراع على مستقبل تونس نفسها كدولة، لأن اختصار المواجهة هناك بين الرئيس والأحزاب والتيارات المدنية من جانب والإخوان من جانب آخر فى خلاف قانونى ودستورى وفقًا للمادة ٨٠ أو مواد دستورية أخرى- لن يسفر فى النهاية سوى عن دفع الخيارات المستقبلية إلى سيناريو واحد فقط، وهو الحوار بين المكون المدنى والإسلامى، وبالتالى البدء من الصفر فى نفس مسار الفشل والتدهور العام الذى عاشته تونس فى ١٠ سنوات.

أمام الرئيس قيس سعيد والقوى العلمانية المساندة فرصة تاريخية لتطوير وتيرة الإجراءات والتحركات الأخيرة التى تم اتخاذها لخطوات أكبر وأكثر تأثيرًا تلبى تطلعات الشعب التونسى، يستطيعون من خلالها حماية تونس وجعلها نموذجًا حقيقيًا ضمن نماذج دول الإقليم الناجية من سرطان تيارات الإسلام السياسى الذين رهنوا مصالح واستقرار بلدانهم بمصالح قوى إقليمية ودولية.

الإسراع بتشكيل حكومة تكنوقراط جديدة وتسمية رئيس وزراء جديد كبديل لحكومة هشام المشيشى المقالة هى أهم خطوة ينبغى على الرئيس التونسى اتخاذها، ويكون منوطًا بها تقديم خطة عمل فعالة لانتشال الاقتصاد التونسى من عثرته، وتسريع خطة التلقيح التونسية لمجابهة انتشار فيروس كورونا.. يعقب هذه الخطوة التنسيق والترتيب مع القوى الصلبة «المؤسسات العسكرية والأمنية» فى الدولة التونسية، ومع المجتمع المدنى، لشرح طبيعة المخاطر التى تتعرض لها الدولة فى حالة استمرار الأوضاع كما هى، ثم الإعلان عن خريطة طريق جديدة لتونس تتجاوز النقاش والجدل الموجود حاليًا عن احتمالية رفع التجميد عن برلمان راشد الغنوشى، وتعتمد بشكل رئيس على هدف واحد وهو إعادة بناء النظام السياسى الحالى فى تونس دون أى تدخلات من حركة النهضة الإخوانية.

ولا أستبعد فى حالة الإعلان عن خارطة طريق جديدة أن يكون هناك «مشروع مارشال جديد» من الدول العربية والصديقة لتونس، لتقديم دعم مالى لها لتخفيف حدة التدهور الحالى فى كل القطاعات الاقتصادية، وعلى رأسها بالتأكيد قطاع السياحة، ولا أستبعد وقتها أن تتم المساعدة فى تسهيل حصول تونس على قرض جديد من صندوق النقد الدولى شرط الالتزام بخطة إصلاح حقيقية.

من المهم أن تشمل خريطة الطريق تأكيد حاجة تونس إلى دستور جديد وعقد اجتماعى آخر، يعيدها إلى هويتها الحقيقية، ويرسخ قواعد الحكم الرشيد وقيم الديمقراطية والشفافية، ويمنع إنشاء أى أحزاب على أساس دينى، على أن يرافق كل هذا استمرار الرئيس قيس سعيد فى فتح كل ملفات الفساد وتحويلها إلى القضاء، فهذا سلاحه الاستراتيجى لضمان استمرار دعم الشارع التونسى فى أى تحرك يقوم به.