رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار مع ذاتك المستقبلية «2»

 

فى كل مرحلة من حياتنا نتخذ قرارات ستؤثر بشكل عميق على حياتنا فى المستقبل، أو بمعنى أدق على حياة الشخص الذى سنكونه فى المستقبل، والسؤال المهم الذى علينا أن نواجه به أنفسنا أو نتحاور به معها: إلى أى مدى ستتوافق ذاتنا المستقبلية مع ذاتنا الحقيقية؟ هل ستظل اختياراتنا هى نفس الاختيارات؟ هل سيتغير ترتيب أولوياتنا واهتماماتنا؟ هل ما نحارب من أجله الآن ستظل له القيمة نفسها بعد ١٠ أو ٢٠ من السنوات؟

هل سيظل مشروبك الأول هو الشاى بلبن أو الموكا؟ هل ستظل أغنية «حرمت أحبك» هى المفضلة؟ 

الإجابة بصراحة: لا.. بالنسبة للشاب لن تظل محتفظًا بالبندانة التى تعصب بها رأسك، أو الوشم الذى تشاجرت مع والدتك من أجله، وبالنسبة للأربعينى قد يتغير فيلمك المفضل ليصبح «أوديسا الفضاء» بدلًا من «brave heart».

هناك دراسة علمية أجريت لدراسة مقدار التغيير فى قيم الإنسان الشخصية عبر الوقت، وكيف تختلف معايير الناس مع التقدم فى العمر.. سأل العلماء الآلاف من الناس، وطلبوا من نصف هؤلاء الناس أن يتنبأوا بمقدار ما يمكن أن يتغير من قيمهم خلال العشر سنوات المقبلة، وطلبوا من النصف الآخر أن يقول مقدار تغير قيمهم الفعلى خلال العشر سنوات الأخيرة.

وقد وجد الباحثون، بعد مقارنة تنبؤات الناس، أن التغيير يحدث بشكل بطىء ولكنه لا يتباطأ بقدر ما نعتقد.. فعادة ما يقلل، بشكل كبير، الناس من تقدير حجم التغيير الذى سيختبرونه خلال الـ١٠ سنوات المقبلة، وهذا ما يسمى وهم «نهاية تاريخ».

سألوا الناس عما يحبون وما لا يحبون، مفضلاتهم الأساسية، مثل: اذكر اسم صديقك المفضل، أفضل طريقة لقضاء إجازتك، ما هوايتك المفضلة؟ ما أفضل نوع موسيقى بالنسبة لك؟ طلبوا من نصفهم أن يقولوا لنا: «هل تعتقد أن هذا سوف يتغير خلال الـ١٠ سنوات المقبلة؟»، وسألوا النصف الآخر: «هل تغير هذا خلال آخر ١٠ سنوات؟».

الناس تتنبأ بأن صديقهم اليوم هو نفس الصديق الذى يكون فى حياتهم فى الـ١٠ سنوات المقبلة.. الإجازة التى يستمتعون بها الآن هى نفسها التى سيستمتعون بها بعد ١٠ سنوات، على الرغم من أن الأشخاص الأكبر بـ١٠ أعوام كلهم يقولون: «تعلمون، هذا الواقع تغير بالفعل».

إننا ندفع المزيد من أجل الفرصة لكى نشبع رغبتنا فى الأفضليات الحالية لأننا نبالغ فى تقدير دوامها.. لماذا يحدث ذلك؟ ربما يرجع ذلك لسهولة التذكر مقابل صعوبة التخيل.. كثيرون منا يتذكرون كيف كانوا منذ ١٠ سنوات، ولكن يصعب عليهم تخيل كيف سيكونون فى المستقبل.

كلنا مخدوعون بوهم أن التاريخ، تاريخنا الشخصى بالتحديد، قد وصل إلى النهاية، وأننا أصبحنا مؤخرًا الأشخاص الذين كنا دائمًا نطمح لأن نكونهم، وسوف نكون كذلك لآخر عمرنا.. والحقيقة أن الشخص الذى نحن عليه الآن مجرد عابر، كلحظة سريعة ومؤقتة مثلما كنت فى أى وقت مضى.. الشىء الوحيد الثابت فى حياتنا هو التغيير. 

إن مشكلتنا الحقيقية تكمن فى عدم قدرتنا على التخيل أو التنبؤ وتقدير الاحتمالات. 

يقول عالم النفس وخبير السعادة، دان جيلبرت: «إن أدمغتنا نشأت لعالم مختلف جدًا عن العالم الذى نعيش فيه حاليًا.. لقد تطورت لعالم يعيش فيه الناس فى مجموعات صغيرة جدًا، نادرًا ما يتعاملون مع أشخاص مختلفين عنهم، لديهم حياة قصيرة فيها القليل من الخيارات، والأولوية القصوى كانت أن تأكل وتصاحب لليوم.. نحن المخلوقات الوحيدة على هذا الكوكب التى تحمل قدرها بين أيديها.. ليس لدينا أى حيوانات مفترسة ضخمة، نحن أسياد بيئتنا الفيزيائية.. الأشياء التى تتسبب فى انقراض المخلوقات لم تعد تشكل أى تهديد لنا.. الشىء الوحيد- الشىء الوحيد- الذى يقدر على تدميرنا وتعذيبنا هو قراراتنا الخاصة.. والمبالغة فى تقدير القيمة لسعادتنا الحالية.