رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يجوز توجيه أموال الزكاة لـ«حياة كريمة»؟

وائل لطفى
وائل لطفى

 

هل يجوز أن نتوجه بأموال الزكاة لدعم مشروع «حياة كريمة»؟.. هذا سؤال أتوجه به لفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر، ولفضيلة مفتى الجمهورية د. شوقى علام، ولسائر علمائنا الكبار.. إننى أتوجه بهذا السؤال كمسلم يبحث عن الحقيقة وعن روح الشريعة الإسلامية.. إننى لا أدعى أننى فقيه.. ولا عالم دين.. ولكننى مجرد مسلم يبحث عن جوهر الدين.. إن هذا المشروع، كما تعلمون جميعًا، يهدف إلى تحسين حياة ٥٥ مليون مصرى يعيشون فى دلتا مصر وصعيدها.. وهم والحمد لله مستورون.. ذوو كبرياء.. منهم المستور، ومنهم الفقير، ومنهم المسكين، ومنهم من تحسبهم أغنياء من التعفف.

لقد تكفلت الدولة المصرية بتوفير ٧٠٠ مليار جنيه مصرى لتمويل المشروع على مدى سنوات ثلاث، واجتمع الرئيس مشكورًا مع مجموعة من كبار رجال الأعمال صباح يوم إطلاق المبادرة وتم الإعلان عن تبرعات معقولة للغاية للمشروع.. وكأن الرئيس يأخذ حق الضعيف من القوى وحق الفقير من الغنى بالرضا والتراضى والإقناع ووفق مبدأ المسئولية الاجتماعية لرأس المال.

كل هذا رائعٌ جدًا، لكن ما أسأل عنه هو أموال زكاة هذا الشعب المتدين.. وهل نحن ننفقها فى مصارفها الصحيحة؟ أم أننا فى حاجة إلى مزيد من الجرأة والاجتهاد فى فهم مقاصد الشريعة والهدف منها.. إننى بالفعل لا أعرف حكم الشرع فى هذه القضية، لكننى أحفظ جيدًا قوله تعالى «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم».. إن فى هذه الآية مصرفين اثنين من مصارف الزكاة، أرى كمسلم عادى أنهما ينطبقان على بعض أهلنا فى الريف المصرى، ذلك أن منهم الفقراء، والفقير فى اللغة هو الذى لا مال له ولا كسب له.. وهو بلغة هذه الأيام المعدم الذى لا دخل له على الإطلاق، ومنهم المساكين، والمسكين هو الذى لديه دخل مادى، لكن دخله لا يكفيه.. كأن يكون دخله مئة واحتياجه مئتين.. وهكذا.. لقد أجريت بحثًا سريعًا على شبكة الإنترنت فوجدت فتاوى لبعض العلماء تقول إنه لا يجوز استخدام أموال الزكاة فى بناء المدارس والمستشفيات!! لأنها من وجهة نظر هؤلاء العلماء ليست من مصارف الزكاة الشرعية التى ورد ذكرها فى الآية الكريمة.

إننى كمسلم عادى أعتبر هؤلاء العلماء من المتشددين.. الذين لا يفهمون روح الشريعة ولا مقاصدها.. بل إن بعض مصارف الزكاة التى وردت فى الآية الكريمة قد تجاوزه الزمن.. فالآية الكريمة تنص على توجيه الزكاة لـ«المؤلفة قلوبهم» وهم نفر من زعماء العرب كان الرسول يتألف قلوبهم بالأموال، وألغى سيدنا عمر بن الخطاب نصيبهم من الزكاة بعد أن قوى الإسلام واشتد عوده، ومن مصارف الزكاة فى الآية أن توجه لتحرير العبيد «وفى الرقاب» والحمد لله لم يعد لدينا عبيد وتم تحرير الرقيق منذ قرنين أو ثلاثة فى العالم ثم فى مصر، ومن مصارف الزكاة فى الآية أيضًا أن تنفق على «ابن السبيل» وهم أناس كانوا يتوهون فى رحلات السفر حين كانت الجمال والخيول هى وسيلة السفر بين البلاد، ونحن والحمد لله نسافر بالطائرات ولا أحد أصبح ينطبق عليه هذا الوصف «ابن السبيل» سوى حالات بسيطة ونادرة.. نفس الأمر ينطبق على المصرف الخامس «فى سبيل الله» والمعنى هو توجيه الزكاة لتجهيز وتمويل الجيش ونحن جيشنا والحمد لله يمول نفسه بنفسه من مشاريعه بل ويفيض من ميزانيته لخدمة المجتمع والدولة المصرية.. وما أقصد أن أقوله إن كل هذه المصارف التى ألغيت يجب أن تقابلها مصارف جديدة يجتهد العلماء فى تحديدها وفق احتياجات المجتمع، ولا شك أن تأسيس مشروعات اقتصادية تنتشل أهلنا من وهدة الفقر وتضمن لهم حياة كريمة وتنمية مستدامة هو هدف نبيل راق لا جدال فيه ولا خلاف عليه، ولعل أحد زملائى من المصريين الأقباط يوجه سؤالًا مشابهًا لرجال الدين المسيحى حول حكم توجيه العشور لهذا المشروع العملاق الذى يستهدف المصريين جميعًا، أيًا كانت ديانتهم أو ثقافتهم المحلية.

إننى أنتظر من علمائنا الأجلاء إجابة عن هذا السؤال المهم.. فإن كانت إجابتهم بنعم فليصدروا بيانًا يشجعون فيه المصريين على توجيه أموال زكاتهم لهذا المشروع الكبير.. وإن لم تكن بنعم فعليهم أن يقولوا لنا لماذا؟ وما هى أدلتهم؟ وليسمحوا لنا وقتها أن نجادلهم بالتى هى أحسن وإن غدًا لناظره قريب.