رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صدور المجموعة القصصية «نصف كيلو عدس أصفر» للكاتب محمد داود

غلاف المجموعة القصصية
غلاف المجموعة القصصية

صدرت حديثا عن دار ميريت للنشر والتوزيع٬ أحدث إبداعات الكات محمد داود٬ المجموعة القصصية "نصف كيلو عدس أصفر". 

وفي كلمة الغلاف الخلفي للمجموعة٬ يقول الناقد الدكتور عبد الله يسري: بعد ست روايات تضرب في فضاءات متعددة للكاتب محمد داود، تأتي مجموعته القصصية الأولى ( نصف كيلو عدس أصفر)، فتنتخب لحظات هامشية من عمر الزمن، تصحبنا إلى عوالم يتجادل فيها الصخب مع السكون، وتتنوع صيغها السردية عبر أشكال مختلفة للقص، كما تتقاطع بنياتها الأساسية لتشكل جدارية عن أولئك العابرين الذين تلتقطهم عين السارد المتأمل بوعي، ومحبة، وشغف، ومساءلة واصلة بين الذات والعالم في قصص تشف وتقول في آن.

والكاتب محمد داود سبق وصدر له العديد من الأعمال الأدبية نذكر من بينها: "قف على قبري شويّا" رواية، إبداعات، هيئة قصور الثقافة، القاهرة، يونيو 2002. "السما والعمى" رواية، هيئة الكتاب، القاهرة، مكتبة الأسرة 2004. "فؤاد فؤاد" رواية، دار هفن للترجمة والنشر، القاهرة، أغسطس 2008.

"أمنا الغولة"، رواية، دار ميريت للنشر، القاهرة، فبراير 2010. "بار أم الخير"، رواية، دار ميريت للنشر، القاهرة، فبراير 2015. "صخرة بيتهوفن"، رواية، دار ميريت للنشر، القاهرة، فبراير 2017.

ومن إحدى قصص "نصف كيلو عدس أصفر"٬ للكاتب محمد داود والمعنونة بــ"عصفوران وقفص واحد" نقرأ: الرجل الذي يهوى عصافير الزينة يُحِب إدخال يده في القفص، يمتعه تحسس عصفوريه الأثيرين، يعشق الإحساس باختلاط نعومة الريش وارتعاشات الجسد الصغير الدافئ. يستمتع كل صباح بزقزقات العصفورين المنتظمة، يفتح باب القفص ويضع الطعام والماء، تكتمل نشوته حين يترك الباب مفتوحًا وينشغل بشيء آخر في الشرفة، تزيد النشوة كلما طالت مدة تركه الباب مفتوحًا دون فرار أي من العصفورين. وذات صباح فوجئ بالعصفورين يفران خارج القفص.

لم ير سوى هالتين بيضاء وسوداء، انتهت الهالة البيضاء بالعصفور الأبيض على سور الشرفة، وأحاطت الهالة السوداء بالعصفور الأسود طائرًا من جدار إلى سور، ثم إلى حبل غسيل بشرفة في غير متناول اليد.

هالة من صهد كثيف أحاطت بالرجل. توقفت اهتزازات أرجوحة صغيرة في القفص. العصفور الأبيض ظل واقفًا على سور الشرفة، ما عليه سوى أن يحرك جناحيه حتى يطير بعيدًا كالعصفور الآخر.

لم يمتد سكون الرجل من المفاجأة لأكثر من برهة، بدأ في حركة بطيئة، مستمرة، كعقرب دقائق، تجنب أي حركة مفاجأة، همَّ العصفور الأبيض بالطيران، تلفت في كل اتجاه، سكن الرجل تمامًا، وفجأة، انقضت يده كفم أفعى، أطبقت على العصفور.

في البدء لم يصدر عن العصفور المقبوض عليه سوى أنَّة وحيدة انفلتت قصيرة ضعيفة من صدره المضغوط، فعصه الرجل في كفه، انطلقت زقزقاته لتختلط بزقزقات زاعقة من العصفور الأسود.
انفلت جناح العصفور الأبيض من بين أصابع الرجل الذي ترك الريش يرف على ظاهر اليد، تبدى واضحًا بياض الريش جوار سُمرتها، انفلتت ريشة تهادت من الشرفة العالية لأسفل، غلَّف الرجل يده القابضة على العصفور الأبيض بالأخرى، مرَّغه في وجهه، ملأ أنفه برائحة العصفور، تشبع جلده بنعومة الريش والأزيز الساخن الحي للجسد الصغير، تسرب إلى فمه مذاق شعيرات الريش النظيفة.

اقترب العصفور الأسود حتى أحس الرجل بالهواء الذي حركه الجناحان، انقطع استمتاعه بالعصفور الذي في يده، ابتعد العصفور الأسود من جديد، يطير في مسارات غير منتظمة، يزقزق بحدة عكَّرت فرحة الرجل باستعادته للعصفور الآخر، حط على بروز في جدار مواجه، وواصل نثر صيحاته، فيما صيحات العصفور الأبيض تنفلت من بين أصابع اليد السمراء.

أدخل الرجل يده القابضة على العصفور الأبيض في القفص، ود لو يستطيع إغلاق الباب ويده في الداخل حتى يضمن ألا ينفلت العصفور مرة أخرى، تأكد أن رأس العصفور مندفنة في كفِّه، بحذر وبسرعة شديدة بسط يده وسحبها وصك الباب كأنما في وقت واحد، اهتزت الأرجوحة الصغيرة، والعصفور الأبيض ترنح قليلًا بزقزقات متحشرجة، اندفع فاصطدم بالأسلاك.