رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلام الرياضى.. بين العقل والجنون

لا يمكن أن ينسى متابع للشأن الكروي معلقين رياضيين بقامة محمد لطيف وعلي زيوار وحسين مدكور وأحمد عفت وميمي الشربيني وحمادة إمام ومحمود بكر وإبراهيم الجويني، بما نحته كل منهم من مصطلحات كروية وما صكه بعضهم من عبارات عفوية صارت محفورة باسم هذا المعلق أو ذاك، فمن ينسى عبارة محمود بكر: "عدالة السماء نزلت على استاد باليرمو"، أو جملة الكابتن لطيف: "الكورة أجوال" أو عبارة علي زيوار الشهيرة: "إيه الحلاوة دي؟"، وهل يمكن لأحد أن ينكر دور معلق كروي مثل الكابتن ميمي الشربيني في جعل اللغة العربية تنساب على ألسنة من لا يجيدون القراءة ولا الكتابة حين يصيحون بعباراته التي صكها بالفصحى مثل: "كرة لا تصد ولا ترد"، " مواليد شهر العظماء يسحب البساط من تحت أقدام الجميع"، "صاحب الرئات الثلاث مواليد منطقة الجزاء"، وتلك عبارة الثعلب حمادة إمام: "هوبااا، خش التاريخ يا راجل" لا تزال عالقة في أذهان عشاق الكرة الحقيقيين.
وسرعبقرية هؤلاء المعلقين- فيما أرى- ليس فقط بحكم ريادتهم لفن التعليق الرياضي، ولكن لأنهم رغم معرفتنا كجماهير بانتماءاتهم الرياضية إلا أن أيًا منهم لم يُضبط متلبسًا بامتهان الفريق المنافس أو التحقير من شأنه أو محاولة تبرير سلوك غير رياضي أتى به أحد لاعبي فريقه، والأهم هو أن أيًا منهم لم يُضبط يومًا متلبسًا بحالة تربص بالفريق المنافس أو بمجرد شبهة تحريض على هذا الفريق أو ذاك، بل إن حيادهم كان يجعلنا نحسب أن خلافًا ما قد وقع بين هذا الرياضي وبين إدارة ناديه، لكن الواقع أن هذا المعلق أو الإعلامي الرياضي كان يسعى للحياد لدرجة الجور في بعض الأحيان على حقوق ناديه.
لقد عشنا أيامًا تابعنا فيها من رواد الإعلام الرياضي أولئك الذين يملكون القدرة على التمييز بين انتماءاتهم ومهنيتهم، أما في أيامنا هذه فمن الصعب جدًا- لدرجة تقترب من الاستحالة- أن تجد إعلاميًا رياضيًا لم يرسب في اختبار الحيادية عندما تختبر الوقائع انتماءه الرياضي، ومع اتساع رقعة الإعلام الرياضي واحتلاله مساحة كبيرة على خريطة الإعلام عمومًا ومع تضخم أعداد العاملين في هذا القطاع من الرياضيين أصحاب الانتماءات المعروفة، فقد أصبح من الصعب أن نتحدث عن معلق كروي أو مقدم برامج رياضي نجح في اختبار الحياد الكروي عند تقييم الأداء المهني للمعلقين الرياضيين.

وقديمًا ضربت مدرسة ماسبيرو الرياضية أروع الأمثلة في مهنية الأداء بالنسبة للمعلقين والبرامجيين، رغم تشجيع معظمهم لهذا الفريق أو ذاك، فمن منا لا يعرف انتماء الأساتدة فهمي عمر، كامل البيطار، جلال معوض، عمر بطيشة، فايز الزمر للزمالك؟ ومن منا يجهل شديد انتماء الأساتذة حمدي الكنيسي، محمود سلطان، عادل ماهر، للنادي الأهلي؟
لكنني أكاد أجزم أن أيًا من هؤلاء لم يضبط متلبسًا بخطأ مهني واحد يكشف عن سوء استغلال موقعه في الترويج لناديه أو امتهان منافسه، وهكذا كانت القواعد المهنية أو بالأحرى قل الأصول المرعية في الأداء المهني الذي تجاوزته الأيام وعفا عليه الزمن- للأسف الشديد- فقد أصبح من المعتاد أن ترى إعلاميًا ينبري متعمدًا للإعلان عن تشجيعه لهذا الفريق أو ذاك من باب أكل العيش وزيادة الشعبية وسرعة اختراق قلوب جماهير هذا الفريق الذي أعلن الانتماء لقميصه الأبيض أو الأحمر.
كنا في الماضي نستمتع بالتعليق الكروي من المعلق أيًا كان اسمه دون تمييز لانتمائه الرياضي، لأننا كنا ندرك أنهم وعن حق يشجعون اللعبة الحلوة، ومع زيادة الاحتقان الذي صنعه الإعلام الرياضي ذاته بين جماهير الكرة أصبح نهج المسئولين عن توزيع المباريات على المعلقين هو اختيار معلق محايد لمباريات القمة تجنبًا للمشاكل، وهي خطوة كانت كفيلة بحد ذاتها في زيادة الاحتقان والتسليم بأن الروح الرياضية بل والقواعد المهنية صارا في خبر كان.
ومؤخرًا تراجع الأداء المهني لمن يطلق عليهم إعلاميين رياضيين- مع شديد التحفظ على هذا اللقب- لدرجة أن جاء اليوم الذي أصبحت تشاهد فيه على شاشة قناة وطنية من يقول: "أنا هكون أسعد واحد في العالم لما أشوف الأهلي مهزوم في نهائي إفريقيا"، المدهش أن (مذيع البرنامج) بما يفرضه هذا اللقب من حيادية وموضوعية وروح رياضية كان يبتسم مشجعًا ضيفه على التمادي في امتهان فريق كروي في مهمة وطنية على المستوى القاري.
وهنا أجد لزامًا عليّ، من باب الاستفهام وليس لأي غرض آخر، أن أسأل: هل لا تزال لجنة تقييم الأداء الإعلامي الرياضي التابعة للمجلس الأعلى للإعلام تمارس عملها؟ وإن كانت لا تزال قائمة فأين قراراتها العقابية تجاه المتجاوزين؟ ويبقى السؤال الأهم: متى ينبري لمهنة الإعلام وتقديم البرامج الرياضية مهنيين أكفاء مؤهلين وليس مجرد لاعبين حصدوا الأموال خلال ممارسة اللعبة ثم اعتزلوا لعب الكرة لينتقلوا لممارسة لعبة أخرى في غاية الخطورة هي زيادة الاحتقان الرياضي وإزكاء روح التعصب بين الجماهير؟ وإذا كانت كرة القدم لعبة مجنونة فأليس من حق متابعيها أن يكون المعلقون عليها والمروجون لها من العقلاء؟