رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حدود وعلاقات

عفوا إعرف حدودك: عبارة قصيرة تصدر منا أو عنا وكأن قائلها يسئ إلى سامعها، ولو تأنينا قليلا لأدركنا انها نصيحة واجبة، فالعقل يرددها والواقع يؤيدها والسامع يقبلها واقعا لا جدال حوله ولا عناد لأحد، فلكل إنسان مهما بلغت قوته وفاض علمه واختبر واقعه لأدرك بكل وضوح أن لكل منا حدود إدراك وحدود قوة وبعضا من معرفة.
ومن يعرف حدوده يدرك أنه يحمل كنزا لا يفنى، بل يمتلك مفتاح واقعه، والمعرفة وحدها لا تكفي، فالخطوة التالية هي كيف تمتلك ناصية الفكر والعقل والضمير والمشاعر وإدراك خطوات السلوك في القول والفعل والشراكة مع الاخر، ومعا يكمل الواحد نقص الآخر فتتضاعف حدود الإدراك وحكمة السلوك، وإدراك متي وكيف يتخذ القرار المفيد الذي يحسب له وليس عليه، وهذه خطوة مهمة جدا في حياتنا.
أما الخطوة التالية فهي الاقتناع بقيمة الآخر، سواء أكان معلما أو مرشدا أو قائدا له، فمن التجارب ما يضيف إلى محدوديتنا، ومن المعرفة ما يضيف إلى ما عرفناه أو تعلمناه، وهنا كان من الضروري حسن اختيار الصديق أو رفيق الطريق، فاختيار الصديق يخفف معاناة الطريق، فقد تكون الطرق صعبة وغير ممهدة أو بها بعض الاخطار التي لا نراها او نسمع عنها، فمع الصديق يهون الطريق. وقيل من الامثال قل لي من صديقك لأعرف من أنت؟
أما مخاطر من لا صديق له، أو لم يحسن اختيار صديقه، فكثيرة جدا، حتى قال العارف لأولاده: كونوا جميعاً يا بنيّ إذا اعترى   ..  خطبٌ ولا تتفرقوا آحاداً

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً     ...    وإذا افترقن تكسرت أفراداً.
ومن الوصايا العالية التي يوصي بها المعلم لتلاميذه اهتموا بعضكم لبعض في محبة بلا رياء كارهين الشر، عاملين الخير، فرحين مع اخوتكم في افراحهم، باكين في بكائهم، ولا تجازوا عن شر بشر بل باعد رجلك عن مسايرة الشرير، ولو في الامكان فتقبل الاخر مدركا ظروفه واحواله.
أما الحكمة الغالية، والتي يسعي اليها كل عاقل وحكيم فتقول: "لا تكن حكيما في عيني نفسك، بل دع الاخرين يقدروا حكمتك وعقلانيتك وصبرك وطول أناتك، وليكن اهتمامك بالضعيف والفقير والمحتاج من أولويات حياتك، ولا تنسي الحكمة العلوية التي تقول:

" إن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فاسقه، لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه".
وقديما كانت الوصية على هذا النحو: لا تقبل خبرا كاذبا ولا تضع يدك في يد منافق، ولا تكن شاهد ظلم ولا تتبع الكثرة إذا كانت للشر، ولا تحابي ضد مسكين لتقف في صف القوي الشرير، ولا تحابي مع كاذب في دعواه. لا تضطهد غريبا ولا تضايقه فربما كنت يوما غريب أو هكذا ستكون يوما ما، ورئيس بلدك لا تقل فيه سوءا، ولا تحرف حق فقير في شكواه، وابتعد عن الكذب.. بل وتمتد نصائح الانسان السوي بالقول " إن صادفت ثور عدوك أو حماره شاردا، ترده اليه ولا تحرف حق فقير في دعواه وابتعد عن كلام الكذب، لا تأخذ رشوة لأن الرشوة تعمي المبصرين وتعوج الحق، لا تضايق غريبا فقد تكون يوما غريبا مثله.
أما الوصايا الربانية لكل شعوب الرب فهي على هذا النحو: "لا تسرقوا ولا تكذبوا ولا تغدروا احدكم بصاحبه ولا تحلفوا باسم الله كذبا ولا تغصب أحدا، ولا تبيت أجرة أجير عندك إلى الغد، لا تشتم الاصم وقدام الأعمى لا تجعل معثرة، بل اتقي إلهك، لا ترتكبوا جورا في القضاء، لا تبغض أخاك في قلبك، وإذا نزل عندك غريب فلا تظلمه، ولا تعوجوا القضاء بل احكموا بالعدل، وتستمر التعاليم والوصايا الربانية.. فإلى مقال آخر.

  • الرئيس الشرفي للطائفة الإنجيلية بمصر