رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأصوليون وعقدة الفستان!

التطرف الفكري غير مرتبط بوجود لحية أو جلباب, فهناك متطرفون وبحسب الظاهر ليس لديهم لحى, ولا يرتدون جلاليب ولكنهم يمتلكون عقولاً متطرفة محكومة بالأصولية الدينية, وهذا التطرف الفكري يظهر على السطح بين الحين والآخر, والتطرف الفكري موجود بين الدينيين والإعلاميين والتربويين وغيرهم, وقد
كشفت  حبيبة طارق، الطالبة بكلية الآداب  جامعة طنطا، في اتصال تليفوني بأحد البرامج التلفزيونية تفاصيل الواقعة التي تعرضت لها بسبب فستانها الذي كانت ترتديه في الجامعة، موضحة أنها بعد أداء الامتحان وتوجهها لاستلام البطاقة، سألها المراقب: "هو أنتي مسلمة ولا مسيحية"، فسألته عن سبب سؤاله فلم يرد.
وبعد خروجها من اللجنة وجدت مراقبتين، قالت إحداهما لها: "إنتي نسيتي تلبسي بنطلونك؟" وسألتها المراقبة الثانية نفس سؤال المراقب: هو إنتي مسلمة ولا مسيحية؟!"
ومراقبة منهن قالت لها "أنا شفت بطاقتك وكنتي محجبة وقلعتي الحجاب.. هو أنتي قررتي تبقي قليلة الأدب؟"، وقالت: "لما عرفوا أني من إسكندرية. قالت لها مراقبة منهن : أنا قلت بردو إنك من إسكندرية عشان لبسك، هما الإسكندرانية كده".
وتابعت: "المراقبة قالتلي وأنتي ماشية الهوا هيطير فستانك، ربنا يهديكي وترجعي لحجابك"، مستطردة: "خلوني فرجة للكلية"، منوهة بأنها سبق وأن قال لها أحد الأشخاص في الكلية: "إيه يا قطة رايحة فين"، وكانت حينها ترتدي بنطالًا فضفاضًا.
ومما يؤكد أن لدى الأصوليين عقدة من ارتداء الفساتين ماحدث 
منذ عدة سنوات عندما
أظهر بعض الإعلاميين تطرفهم الفكري بسبب فستان الوزيرة نبيلة مكرم عبد الشهيد فلقد أثار الفستان الذي ارتدته الوزيرة عندما أدت اليمين الدستورية، أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، كوزيرة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، حالة من الجدل والكثير من التلمحيات، لا سيما من بعض الإعلاميين على شاشات الفضائيات, بزعم أن "ده مش الفستان الرسمي اللي تؤدي بيه الوزيرة مراسم حلف اليمين أمام السيسي", وأن الوزيرة سيدة دبلوماسية ومحترمة، وعملت في معظم الدول العربية والأوروبية، ولكن هذا الزي غير رسمي ولا يصلح لتأدية القسم أمام رئيس الجمهورية, وأن فستان النص كم، مكانه مش في رئاسة الجمهورية". وإعلامي آخر قال إن الفستان الذي ارتدته الوزيرة، وحلفت به اليمين، أثار دهشة الكثيرين.
 وفي حقيقة الأمر إن حالة الجدل الكبيرة التي حدثت بسبب فستان الوزيرة،  وفستان حبيبة يدل على أننا وصلنا إلى الحضيض في التفاهة وسطحية الفكر، فالعقول التي تناقش مثل هذه التفاهات والسفاسف هي عقول "نص كم", فكلما أفرطت الشعوب في الاهتمام بالشكل كلما انحدرت وهوت إلى التخلف".
إن المشكلة الرئيسة تكمن في نظرة المجتمع ككل – والرجل على وجه الخصوص – إلى المرأة كمصدر للجنس, فالرجل ينظر ليشتهي, وكأن المرأة سلعة معروضة, وتركيز الأسر على ملابس بناتهم من نشأتهن, أعطاهن الانطباع بأن جسدهن عيباً وعورة, مما جعل الفتيات يشببن ولديهن إحساس بالنقص, فالتركيز لايكون على عقولهن بل على أجسادهن, فتحس الفتاة بأنها سلعة معروضة, سواء كانت مغطاة أو مكشوفة, والفتاة المغطاة تماماً من هامة رأسها إلى أخمص قدميها لا تحس بكيانها ووجودها إلا في ممارسة الجنس, لأن نظرة المجتمع إليها كعورة يجعلها تحتقر ذاتها, ولا تجد كبرياءها إلا عندما يشتريها إنسان ما ويطلبها.
المشكلة الحقيقية ليست في المرأة مهما تزينت أو تحلت، أو ارتدت فستان نص كم, بل تكمن المشكلة في مدى تحضر المجتمع والرجل في نظرته إلى المرأة, فهل ينظر إلى المرأة كإنسان يجب أن يحترم فكره, أم ينظر إليها كوعاء للجنس أهم ما يميزه هو الجسد فقط؟!, إن وسائل الإعلام من صحافة وسينما وتليفزيون, ساهمت في جعل الفكر المسيطر على مجتمعنا يتجه بشدة إلى اعتبار المرأة مجرد جسد بلا فكر, فإذا تعرت إمرأة, فالعيب الوحيد إنها تثير الرجل, وكأن الرجل حيوان ينظر بلا عقل وبلا فهم ويشتهي أي جسد أمامه, وبهذا أصبح جسد المرأة كله عورة لا يجب كشفها, والسؤال هنا هل المرأة مجرد أداة فقط لممارسة الجنس؟!  
إنه من الظلم أن تحرم المرأة من حقوقها الإنسانية, وأن يُغلق عليها, وأن تحرم من ممارستها الحقيقية لحياة عامة, لكي لا يشاهدها الرجل, فيشتهيها, فالرجل مطالب بغض البصر وضبط النفس.  
 إن المشكلة ليست فقط في نظرة الرجل للمرأة, ولكن أيضاً في نظرة المرأة لنفسها, وهذا هو الأصعب والأقسى, فلكي نعالج التمييز ضد المرأة لابد وأن ينظر كلاً من الرجل والمرأة إلى المرأة باعتبارها شخصاً عاقلاً ذو قيمة وفكر, وليست مجرد شئ أو جسد أو وعاء لممارسة الجنس, وإذا تعاملنا مع حواء كشخص وليس كشئ, ستختفي من مجتمعنا العقول النص كم وسيتحرر الأصوليون من عقدة الفستان!!