رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبرزها الرحمة والأمانة والعدل.. المفتي السابق يحدد سمات الفرسان النبلاء

الدكتور على جمعة
الدكتور على جمعة

قال الدكتور على جمعة ، مفتي الجمهورية السابق وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن الفرسان النبلاء لهم سمات شخصية وهوية، والسمات الشخصية ثلاث، هي الرحمة والابتعاد عن القسوة، وعدم التعلق بالدنيا، والتوبة إلى الله تعالى، أما الهوية فهي صفات أخرى تعكس نتاج الصفات الثلاث الأولى، مما يبين أن عملية بناء شخصية وهوية الفارس النبيل -التي هي جزء من بناء إنسان الحضارة- ليست بالعملية البسيطة، لكنها أمر يحتاج إلى كثير من الوقت والجهد معاً، وهوية الفارس النبيل تتكون من أربع صفات، إحسان الظن بالله،. 

- على المسلم أن يحسن الظن بربه دائما

 وأضاف المفتي السابق ، يقول النبي ﷺ فيما يرويه عن رب العزة: «أنا عند ظن عبدي بي» (البخاري ومسلم)، وإن كان ينبغي لكل مسلم أن يحسن الظن بربه، فالفارس القائم بحماية أمن أوطان المسلمين واستقرارها أولى الناس بذلك، حيث إنه كما يقولون «يحمل روحه على كفه» أي أنه متوقع الاستشهاد في سبيل الله في أي وقت، ومن في هذه الحالة في حاجة دائمة لإحسان الظن بالله سبحانه وتعالى، فينبغي عليه أن يحسن الظن بالله في أنه سيحقق له هدفه النبيل المشروع في تحقيق النصر والأمن والاستقرار، وفى الوقت ذاته يحسن الظن بالله أيضا أنه إن قتل فسيكون شهيداً في سبيل الله مثواه الجنة.

وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أن  ضد إحسان الظن بالله القنوط من ثواب الله وموعوده، وقد قيل: «قتل القنوط صاحبه»، ففي حسن الظن بالله راحة القلوب. قال ابن حجر المكي: «وإنما كان اليأس من رحمة الله من الكبائر لأنه يستلزم تكذيب النصوص القطعية. ثم هذا اليأس قد ينضم إليه حالة هي أشد منه، وهي التصميم على عدم وقوع الرحمة له، وهذا هو القنوط». (الزواجر).

وأضاف أن ثاني سمة هي الصدق والصدق هو مطابقة الكلام للواقع، وهو لا يكون إلا في الإخبار، أما الإنشاء فلا يحكم عليه بصدق ولا بكذب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:١١٩] وقال تعالى: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ) [محمد:٢١] والمؤمن لا يكون كذابًا أبدا، فالصدق أساس كل فضيلة، والصدق فضيلة عظيمة، وضده الكذب وهو قبيح والمؤمن لا يتصف به أبدًا، فلا ينبغي للمسلم أن يتعمد أن يحكي كلامًا مخالفًا للواقع حتى وإن كان مازحًا، والفارس النبيل صادق مع ربه في الوفاء بعهوده، وفى الالتزام بشرعه، وصادق مع نفسه في مصارحتها ومراقبتها وعلاجها، وصادق مع إخوانه في النصح لهم، وصادق مع الكون في التعامل معه، فالصدق خير، والكذب شر لا ينبغي للمؤمن فضلا عن الفارس النبيل.

- العدل خُلُق يؤمر به المسلم على كل حال

وتابع ورابع سمة هو العدل وهو في اللغة: القصد في الأمور، وهو عبارة عن الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وهو مفهوم من قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:٩٠] وعكس العدل الظلم، وهو وضع الشيء في غير موضعه، ومجاوزة الحد والميل عن العدل، والظلم في الشرع عبارة عن: التعدي عن الحق إلى الباطل، فالتصرف في ملك الغير ظلم، ومطالبة الإنسان بأكثر مما عليه من واجبات ظلم، وإنقاص حق الإنسان ظلم، والاعتداء على أمن الناس بالضرب أو التخويف أو اللعن ظلم، والاعتداء على أموال الناس بالسرقة والغصب ظلم. وأعظم ظلم في حق الإنسان هو القتل، قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا) [الإسراء:٣٣]،والمسلم قد يقع في الظلم في حق نفسه، وذلك إذا فعل المعاصي والذنوب فيعرضها لعذاب الله، وقد يقع في الظلم في حق والديه، أو أقاربه، أو أصدقائه، أو جيرانه، أو حتى أعدائه وذلك بأن يمنع أحدهم حقاً من حقوقه، أو يُحمّله فوق طاقته، فالعدل قيمة عظيمة، وخُلُق يؤمر به المسلم على كل حال، والظلم صفة خبيثة تؤدي بصاحبها إلى العذاب، والفارس النبيل ينبغي أن يتحلى بالعدل دائما، خاصة في الغضب.

- الأمانة صفة لازمة في أنبياء الله 

وأوضح أن الصفة الخامسة هي الأمانة وعدم الخيانة، حيث أن الأمانة ضد الخيانة، والأمانة تطلق على كل ما عُهِد به إلى الإنسان من التكاليف الشرعية وغيرها كالعبادة والوديعة، وهذه الصفة هي صفة لازمة في أنبياء الله، وقد أخبرتنا السيرة العطرة للنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن أعداءه قبل أصحابه كانوا يسمونه الصادق الأمين، والفارس النبيل يجب عليه أن يكون أمينًا، متخلياً عن الخيانة بكل أشكالها، ومن الخيانة ألا يفي الإنسان بما عُهد إليه من أشياء، ومن الخيانة ألا يحافظ على الودائع، ويهملها أو يسرقها، ومن الخيانة ألا يلتزم بما اتفق عليه من العقود. 
والخيانة تتعدد بتعدد الحالات، فقد يخون العامل صاحب العمل، وقد يخون الشريك شريكه، ويخون الإنسان جاره، وأعظم الخيانة أن يخون الإنسان وطنه، وسبب عظم خيانة الأوطان أن مفاسدها تتعدى إلى كثير من الناس، هذه جملة أساسية من الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الفرسان النبلاء فيحولوا شرع الله إلى برنامج عمل يومي في يقظتهم ومنامهم، في سكونهم وحركتهم، حتى تصل بهم التربية المحمدية إلى أن يصبح الإيمان عملاً وحضارة.