رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«حمقة» الأدباء الوهمية

تابعت نهاية الأسبوع الماضى حديث بعض الأدباء والمثقفين عن برنامج الإقامة الذهبية فى دبى، والسؤال عن الأسباب التى تجعلها لا تذهب إلى غير الفنانين أو نجوم التمثيل والغناء، لماذا لم تمنحها حكومة دبى حتى الآن لأى من الكُتّاب والأدباء العرب، ومنهم من يقيمون بها بالفعل منذ سنوات طويلة، شعراء وروائيون وكتّاب سيناريو؟

السؤال من حيث الشكل يبدو وجيهًا، ومنطقيًا، ويبدو أنه يعبّر عن رغبة قوية لدى عدد غير قليل من الكُتّاب والمثقفين، خصوصًا أن كثيرين يعتبرون مثل هذه الإقامة بمثابة التكريم الذى يسعى إليه الجميع ويسعد به، لكنه من حيث المضمون شىء آخر، مختلف تمامًا. 

والحقيقة أن أكثر ما استوقفنى فى الموضوع هو تلك «الحمقة»، والنبرة العدائية فى تعليقات البعض على التغريدة التى كتبها واحد من كبار الروائيين على موقع «تويتر»، وأعاد نشرها على «فيسبوك»، ويبدو أن ذلك أساءه أو ضايقه أيضًا، وكان السبب فى حذفه البوست والتغريدة بعد ساعات من نشرهما، ومع توالى التعليقات والردود «المحموقة»، وربما كان الحذف لأسباب أخرى لا علاقة لها بالردود والتعليقات.. وله بالطبع كل الحق فيما كتب، وفيما حذف، فقد ذهب كثيرون إلى الكلام عن عداء العرب للثقافة والأدب، وأعاد بعضهم سرد مزحة فيفى عبده ونجيب محفوظ، وغيرها من التعليقات والردود التى حاول البعض استخدامها كفرصة للإساءة إلى العرب والفنانين عمومًا.

على أننى أحب هنا أن أوضح عدة نقاط غابت عن صاحب التغريدة، وتغافل عنها بعض المعلقين والمتابعين من «المحموقات» و«المحموقين»، وأظن أنها مهمة، وينبغى توضيحها لإغلاق هذا الباب، ومنها مثلًا أن برنامج «الإقامة الذهبية»، حسب البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات، ليس تكريمًا، ولا هبة، ولا أى شىء.. «هى تأشيرة إقامة طويلة الأمد، يتم الحصول عليها وفق شروط محددة، ورسوم يدفعها طالبها، وتُمنح له لخمس أو عشر سنوات، تُجدد تلقائيًا، عند توافر نفس الشروط»، ومنها أيضًا أن تلك الإقامة لم تستثنِ أحدًا، ولم تتغافل عن فئة، ذلك أنها وفقًا لذات المصدر «تُمنح لفئات معينة تشمل المستثمرين، ورواد الأعمال، وأصحاب المواهب التخصصية، ويتيح هذا النظام الجديد للمقيمين فى دولة الإمارات، والوافدين الأجانب وعائلاتهم الراغبين للقدوم للعمل والعيش والدراسة فى الدولة، إمكانية التمتع بإقامة طويلة الأمد دون الحاجة لكفيل إماراتى، مع السماح له بنسبة تملك كاملة خلافًا للمتعارف عليه الذى يقضى بضرورة وجود شريك محلى بحصة لا تقل عن ٥١٪ فى مشاريع الأعمال والاستثمار».

وربما يفسر هذا الكلام مثلًا أن السيدة فيروز لم تحصل على الإقامة الذهبية فى دبى، أو أى إمارة أخرى، وهى من هى، ولا أظن أن مكانتها فى قلوب العرب أجمعين تحتمل التأويل أو الشك أو التقليل، فهى نجمة نجوم الفن والغناء بلا منازع فى كل بقاع العالم العربى، وهناك بالطبع الكثير من كبار النجمات والنجوم الذين لم يحصلوا على هذه الإقامة، لا لشىء إلا لأنهم لم يتقدموا للحصول عليها، وليست لديهم مشاريع أو نوايا للتملك والاستثمار فى الإمارات، فالحقيقة التى ربما لم يعرفها الأصدقاء من الكتّاب والأدباء أن دبى فى الأصل مدينة تجارية، بحكم الجغرافيا والتاريخ، ولا حيلة لأهلها فى ذلك، هكذا تشكلت جيناتهم، وعلاقاتهم، وهكذا ترسخت مكانتها مع تولى الشيخ محمد بن راشد الحكم فيها كقِبلة عالمية للاستثمار والتجارة والسياحة.. والمؤكد أن جميع من تقدموا للحصول على هذه الإقامة، بمن فيهم الفنانة الكبيرة نبيلة عبيد، لم تصلهم كمنحة، أو هدية، أو لوجه التكريم، بل لأنهم تقدموا للحصول عليها وفقًا لأهدافهم الخاصة التى لا تعنينا، ولا تعنى أحدًا غيرهم.

هامش: 

تقول مزحة فيفى عبده ونجيب محفوظ إنه قابلها ذات مرة، وكان يركب سيارة «فيات»، بينما كانت هى تركب «مرسيدس»، وقالت له على سبيل السخرية: «شوفت الأدب وصّلك فين؟»، فرد عليها بسرعة بديهته المعتادة: «طب شوفتى إنتى قلة الأدب وصّلتك فين؟».