رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غرباء الحديث النبوى

من أكثر الأحاديث النبوية التي يستغلها المتشددون في الدين، من بداية ظهورهم حتى الساعة، لإثبات أنهم أهل الفضل في أزمنتهم، حديث النبي الذي جاء عن أبي هريرة "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء"، وهو حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه. 
يقول هؤلاء السطحيون في كل زمن يتواجدون فيه منذ بزوغهم: صار الناس يستغربون أزياءنا التي تعود إلى عصر النبوة، ولحانا التي كلحيته (صلى الله عليه وسلم) ولحى أصحابه وتابعيه، يستغربون تعدد زوجاتنا، ويستغربون مساويكنا، وأدعيتنا، وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، يستغربون ميلنا إلى القديم المضمون وتشكيكنا في الجديد (البِدْعِيِّ) الذي لا يعلم ما وراءه إلا الله، يستغربون منا كل شيء، بينما نسير وفق فهمنا للقرآن والسنة.. إننا الغرباء المقصودون في الحديث النبوي لا محالة، وقد صار الإسلام الذي نمثله غريبًا لدى الآخرين، هكذا كما وُلِد، وكما وعدنا المعصوم أنه سيعود؛ فطوبى لنا.. (الطوبى: الحسنى، والغبطة والسعادة، والخير الدائم، وكل مستطاب في الجنة من بقاء بلا زوال وعز بلا فناء وغنى بلا فقر. الكلمة مؤنَّث أَطْيَب، وجمع طَّيِّبَة). 
يقولون ما ذكرتُ، ويستفيضون في القول، وإن كثيرًا من الناس، حتى لو كانوا من المتعلمين، يقعون في تصديقهم بلا شكوك؛ فالأغلبية، لا سيما بسطاء التفكير، يحبون الدين وأهله مطلقًا، ويتعاطفون تعاطفًا كبيرًا مع البشر الذين يزعمون أنهم مطاردون بسبب أفكارهم الدينية التي تريد إصلاح شأن الدنيا من خلال التشبه بالأسلاف!
بحصول تصديق واسع لما يردده هؤلاء المخابيل تزداد رقعة التشدد الديني طولًا وعرضًا، ويجري حدوث التدخل في شئون الآخرين، وقهرهم، وإجبارهم على السير باتجاه معين، وتسفيه مظاهر الحياة، والحط من قيمتي العلم والعقل، ورفض الفنون أو تحجيمها، وضبط الآداب على قواعد تقليدية صارمة، وإشعال الفتن بين المسيحيين والمسلمين، والحث على ممارسة التخريب والتدمير ضد المنشآت والمؤسسات التي لا تخضع لتصوراتهم، والتحريض على العقاب الرادع، بالسيف لا القانون، لمن يجرؤون على مخالفة منهجهم. فهل هؤلاء هم غرباء الحديث النبوي حقًا؟!
ليسوا غرباءه، ولا يفهمون قرآنًا ولا سنة، والدين ليس شكلًا بلا روح وليس تطبيقًا حرفيًا للنصوص بعيدًا عن وعي نبيه بالواقع المعاش، ولو عدنا إلى نص الحديث للاحظنا أن "السين المستقبلية" لا "سوف" هي الحاضرة فيه، والمعنى أن الغرباء المعنيين قد يكونون مروا بالفعل، بأزمنة متقدمة، فالسين، عند البصريين، مدة الاستقبال معها أضيق منها مع سوف، وإن تساويتا، السين وسوف، عند غيرهم. 
ليسوا غرباءه باليقين؛ لأن الناس لا ينتصرون بتمجيد ماضيهم وحسب، لكنهم ينتصرون بالبناء على ذلك الماضي، وبالتطور والتجدد ومواكبة العصور، والحرص على القوة والغنى وتوقير السلام والمودة، والأغلب أن المؤمنين المستنيرين هم غرباء الحديث لا هؤلاء المعاتيه الذين أضلتهم الأوهام!