رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تحقق في قانونية الاحتفاظ بالمقتنيات الأثرية بمصر

مقتنيات شقة الزمالك
مقتنيات شقة الزمالك

لعبت الصدفة دورًا كبيرًا في العثور على كنز أثري كبير داخل إحدى الشقق السكنية بمنطقة الزمالك، والمعروفة إعلاميا بـ"مغارة علي بابا"؛ والتي أثارت جدلا كبيرا خلال الفترة الماضية، لما تحويه من مقتنيات أثرية تعود لعهد الفراعنة وأخرى لأسرة محمد علي.

وعثرت إدارة تنفيذ الأحكام بمحكمة جنوب القاهرة على كمية من المجوهرات والأحجار الكريمة والتحف الأثرية، بإحدى الشقق في منطقة الزمالك تغطي مساحة الشقة تقريبًا، وهو أمر غير معتاد في مصر لاسيما أن أغلب تلك المقتنيات أثرية.

مقتنيات شقة الزمالك

القصة بدأت داخل محكمة جنوب القاهرة التي أصدرت حكمًا في شهر أغسطس الماضي بإلزام نجل مستشار سابق، بدفع مبلغ 10 ملايين جنيه بالفوائد لخاله في دعوى حساب بينهما بسبب شركة للمقاولات والإنشاءات، ونزاع آخر منذ 7 سنوات على الميراث بين خاله ووالدته وخالته.

وبناء على ذلك الحكم، صدر قرار من قاضى التنفيذ بمحكمة جنوب بالحجز على ممتلكاته، ونظرًا لأن العنوان المدون في بطاقة نجل المستشار هو ذاته عنوان شقة إيجار قديم يمتلكها والده، قامت مأمورية من تنفيذ الأحكام في محكمة جنوب القاهرة بالانتقال إلى العقار، ولكن تبين وجود كميات كبيرة من التحف واللوحات والمجوهرات والنياشين والعملات الذهبية.

محكمة جنوب القاهرة

وأصبح الجدل الدائر حاليًا حول قانونية اقتناء تلك التحف الأثرية، وما الذي ينص عليه القانون والدستور في تلك الحالة؟، فتحت "الدستور" تلك الأسئلة في الملف التالي لمعرفة موقف المحاكم المصرية والقانون والآثار من اقتناء القطع الأثرية.

المستشار أحمد عبد الفتاح مالك الشقة، أصدر بيان قال فيه إن جميع مقتنيات الشقة ملكً له وتقدر قيمة المقتنيات بحسب لجنة وزارة الآثار بمليارات الجنيهات؛ وشكل قضاة التنفيذ لجان خاصة من مصلحة الدمغة لفحص المقتنيات وإعداد تقرير عن قيمتها والاستعلام عن سندات الملكية الخاصة بها.

 

مستشار الأعلى للآثار: "مقتنيات الزمالك انطبق عليها القانون رقم 83"

الدكتور مختار الكسباني، أستاذ الآثار ومستشار الأمين العام للمجلس الأعلى للأثار؛ يوضح أنه في مثل هذه الحالات يكون هناك لجنة من كبار المتخصصين بوزارة الثقافة والآثار؛ لفرز وفحص المضبوطات وإعداد تقرير بتاريخ كل قطعة؛ وما إذا كانت آثار أم لا طبقاً للقانون.

يشير لـ"الدستور" إلى أن ما تم ضبطه من مقتنيات ليس لها فواتير بحيازتها، ولا ينطبق عليها قانون الحيازة لانقضاء المدة القانونية لتوفيق الأوضاع وإبلاغ الجهات المختصة بحيازة هذه الآثار، من أجل البت في موقفها ووضعها.

يقول: "قبل ١٩٥١ لم يكن هناك حماية للآثار، ولا تجريم للاتجار فيها، ولا تجريم لحيازتها ولا امتلاكها وكان الاتجار مشروعًا، والحيازات وامتلاك الأثر مباحًا ومسموحًا به، لكن قانون حماية الآثار ١٩٥١ سمح بتشجيع أكبر للاتجار والتهريب، بموافقته على تقاسم الآثار مع البعثات الأجنبية".

الدكتور مختار الكسباني

يضيف: "وتبادل الآثار المكررة مع المتاحف والأشخاص، ويعتبر قانون حماية الآثار 1983 هو أول قانون حماية وتجريم للاتجار في الآثار، والذي حاول تقنين عملية الاتجار أو تبادل المقتنيات الأثرية والاحتفاظ بها للمواطن العادي".

تنص المادة (٧) من القانون على "يحظر الاتجار في الآثار، ويمنح التجار الحاليون مهلة لترتيب أوضاعهم، وتصريف الآثار الموجودة لديهم، ويعتبرون بالنسبة لما تبقى لديهم من آثار بعد هذه المدة، بحكم الحائزين، ويسرى عليهم الأحكام المتعلقة بحيازة الآثار".

بينما تنص مادة (٨) من القانون على: "فيما عدا حالات التملك أو الحيازة القائمة وقت العمل بالقانون، أو التي تنشأ وفقا لأحكامه، يحظر اعتبارا من تاريخ العمل به، حيازة أي أثر وعلى التجار الحائزين للآثار، أن يخطروا الهيئة بما لديهم وأن يحافظوا عليها، حتى تقوم الهيئة بتسجيلها".

يقول الكسباني: "هذه المقتنيات ينطبق عليها القانون المصري رقم 83 لسنة 1983 والذي ينص على أن كل ما هو موجود على الأراضي المصرية ومر عليه نحو 100 عام يعتبر أثر، ويحق للحكومة المصرية والمجلس الأعلى للآثار الحصول عليه في حال عدم امتلاك مالكها حيازة قانونية لها".

ويحكي مستشار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار؛ أنه منذ سنوات كانت هناك حادثة مماثلة لشقة الزمالك، استطاعت السلطات المصرية من ضبط مجموعة من الآثار الهندية ذات القيمة التاريخية الكبيرة في إحدى حاويات ميناء الإسكندرية.

يستكمل: "وبفحصها تبين أنها أثرية وذات قيمة عالية لذا تم التحفظ عليها ومصادرتها بالرغم من تقديم المالك لها فواتير تثبت شراءه لها؛ ولكن القانون المصري واضح وصريح في هذه النقطة ويتعامل بحزم مع المضبوطات الأثرية على أرضه".

مقتنيات شقة الزمالك

ويسرد الكسباني أن وسيط سفارة الهند لدى مصر تدخل لحل الأزمة وتسليم المضبوطات للتاجر الهندي ولكن كان الرد المصري واضح وصريح وهو تطبيق القانون ومصادرة الآثار؛ ومع إصرار ممثل السفارة كان هناك خيارين وهما إما تقديم الفواتير الخاصة بهذه المقتنيات أنها صادرة عن جهات رسمية بالهند أو اتهام هذا التاجر بالسرقة وتقديمه للمحاكمة ولصعوبة الخيارين تراجع ممثل السفارة عن وساطته وتم مصادرة المقتنيات الأثرية.

كانت قائمة المضبوطات في شقة الزمالك 2907 قطع من الذهب سواء الأصفر أو الأبيض والبلاتين والماس عالي الجودة ومنخفض الجودة، والأحجار الكريمة وشبة الكريمة والتي تحلى بعض القطع من معدن النحاس وغيره من المعادن الأخرى، وعدد 800 قطعة إكسسوار عالي القيمة.

كما حصرت اللجنة وجود نحو 56 لوحة فنية ذات قيمة فنية ومادية عالية، ولا تصلح للعرض المتحفي، و47 لوحة فنية وتعد من الأعمال التجارية، وعدد 10 لوحات أوصت بعرضها على دار الكتب والوثائق، كما كان للجنة مصلحة الدمغة والموازين دور قوي.

بفحص عدد 3707 قطع بخلاف ما تم اعتباره أثريا، منها 2907 قطع من الذهب سواء الأصفر أو الأبيض والبلاتين والماس عالي الجوادة ومنخفض الجودة، والأحجار الكريمة وشبة الكريمة والتي تحلى بعض القطع من معدن النحاس وغيره من المعادن الأخرى، وعدد 800 قطعة إكسسوار عالي القيمة.

مقتنيات شقة الزمالك

أستاذ القانون: "أي مقتنيات أثرية مر عليها 30 عامًا في حيازة شخص فهي ملكه"

الدكتور أسامة عبيد، أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة؛ يقول إن القانون رقم 117 لسنة 1983 كان نقطة البداية لتعامل المشرع مع الآثار، حيث كان القانون المصري قبل ذلك يجيز تجارة الأثار؛ حيث جرم القانون بعد ذلك بيع او نقل الآثار خاصة التي تصنف أو مسجلة أو تعبر عن الهوية القومية؛ كما أتاح القانون من خلال قانون الحيازة امتلاك مقتنيات أثرية بعد توفيق أوضاع هذه المقتنيات بتقديم سندات الملكية مثل الفواتير خلال سنتين من الشراء.

ويكشف لـ"الدستور" عبيد أنه في حين ظلت هذه المنقولات في حيازة الشخص لمدة 30 عامًا حيازة هادئة فهي ملكه والدستور يحمي هذه الملكية؛ موضحًا أن القانون المصري الخاص بحماية الأثار به العديد من الثغرات آلتي يعبر منها تجار ومهربي الآثار.

ويشير إلى أن تهريب الآثار المصرية له العديد من الطرق التي برع فيها تجار ومهربي الآثار، وأضاعت الأف القطع الأثرية على الحكومة المصرية ومن أشهر هذه الطرق هي الحقيبة الدبلوماسية والتي تتمتع بحصانة ولا يجوز فتحها.

الدكتور أسامة عبيد

وفي واقعة شهيرة تمكنت السلطات الإيطالية عام 2017 من ضبط آثار مهربة، بينها نحو 118 قطعة مصرية، في حاوية دبلوماسية تابعة لشخص إيطالي؛ والمثير للجدل أنه لم يتم إبلاغ السلطات المصرية بهذه الجريمة إلا بعد مرور نحو 10 أشهر؛ ولم تكن هذه الواقعة هي الأولى أو الأخيرة من نوعها حيث تمكنت السلطات المصرية في واقعة مماثلة من ضبط تهريب تابوت أثري قبل تهريبه لدولة الكويت من خلال إخفاءه داخل "كنبة".

 

كبير الأثريين: "مقتنيات شقة الزمالك أمام مصيرين"

يجيب الدكتور مجدي شاكر كبير الأثريين بوزارة الآثار، عن التساؤل الذي يطرحه الجميع بعد الكشف عن مقتنيات أثرية في إحدى الشقق السكنية بمنطقة الزمالك، حيث يتبادر إلى الذهن سؤال عن مصير هذه القطع الأثرية والفنية النادرة بعد العثور عليها؟

يوضح شاكر لـ"الدستور" أن هناك مصيرين ينتظران هذه الآثار الأول يتعلق بملكية هذه الآثار، وأوراق الملكية الخاصة بها، فإذا امتلك صاحب الشقة هذه السندات التي تثبت ملكيته للآثار، أو أنها إرث عائلي، أو حصل عليها بطريقة شرعية، في هذه الحالة يكون المالك أمام خيارين إما أن يسلمها لوزارتي الثقافة والآثار أو يقرر الحفاظ عليها في مكانها.

ولأهمية هذه الآثار وقيمتها حتى مع اختيار المالك لبقاء ثروته الفنية والتراثية في حوزته لن يستطع التصرف فيها أو بيعها، بحسب شاكر، الذي يؤكد أنه سيكون مضطرًا لتسجيلها لدي إدارة الحيازة الأثرية بالوزارة، وستشكل لجني من وزارتي الآثار والثقافة للتفتيش الدوري على هذه المقتنيات والتأكد أنها بحالة جيدة، وذلك كل 6 أشهر، وسيكون لوزارة الآثار ولجنتها الخاصة دور كبير في الحفاظ على جزء من هذه المقتنيات حيث ثبت وجود بعض اللوحات الزيتية النادرة ضمن القطع المعثور عليها.

الدكتور مجدي شاكر

ويضيف: "ولهذا سيتوجب على لجنة الوزارة الحفاظ على هذه اللوحات والتأكد من عدم تعرضها للهدر أو الهلاك، في حال قرر مالك الشقة الحفاظ عليها في مكانها بعد إثبات ملكيته لها، وكذلك سيمنع المالك من السفر خارج مصر برفقة أي قطعة من هذه القطع الثمينة".

 ويتحدث كبير الأثريين، عن المصير الثاني الذي ينتظر مقتنيات شقة الزمالك وهو احتمالية أنها آلت إلى المالك بطريقة غير مشروعة، وأنه لا يمتلك أي أوراق أو سندات ملكية لكل قطعة من القطع التي تم العثور عليها، وفي هذه الحالة سيتم إجباره على تسليمها فورًا إلى الجهات المعنية بوزارتي الثقافة والآثار.

ويتمنى شاكر أن يتم الاهتمام بمن يسلم قطعة أثرية، وتشجيعه بعدة طرق سواء الدعم المعنوي أو المادي، من خلال رفع قيمة المكافأة التي يتسلمها الشخص، أو حتى تشجيعه بالتقاط صور تذكارية له مع كبار المسئولين.

أما من جهة التأثير الإيجابي أو السلبي للعثور على مقتنيات شقة الزمالك، يرى شاكر أن هناك تأثيرات إيجابية وأخرى سلبية، وتكمن الآثار الإيجابية في أن ما حدث قد يشجع بعض ملاك تلك القطع على تسليمها إلى الدولة، حتى لا يقعوا في مأزق مشابه لصاحب شقة الزمالك.

ومن ناحية الآثار السلبية المتوقعة، فإنه يتوقع أن يخفي عدد آخر من الملاك تلك القطع، ومحاولة تخبئتها بشكل أكبر لضمان عدم ظهورها إلى العلن. 

مقتنيات شقة الزمالك

خبير أثري: "قانون الآثار مطاطي ويحتاج إلى تعديل كل خمس سنوات"

تخضع عملية التعامل مع الآثار والقطع الفنية المعثور عليها إلى بعض القوانين التي تتعامل مع هذه الحالات، وتخضع القوانين للتعديل الدائم حتى تتواكب مع ظهور حالات جديدة، ولضمان الحفاظ على كل ما يتعلق بالآثار والتراث المصري وفق الدكتور عمر ذكي الخبير الأثري.

ويقول ذكي لـ"الدستور" إن القانون رقم 117 لسنه 1983 يختص بالتعامل مع الآثار المعثور عليها في المنازل، حيث يضع القانون تعريفًا للفارق بين الأثر والأنتيكة، فالأثر هو ما مر عليه أكثر من 100 عام وذات قيمة كبيرة، أو قطع أخرى لم يمر عليها نفس عدد السنوات ولكنها فريدة من نوعها ولهذا يتم التعامل معها كقطعة أثرية.

يضيف: "وفي حالة شقة الزمالك فإن تاريخ امتلاك الآثار هو الفيصل في طريقة التعامل معها، لأن المالك لو أثبت أنها كانت بحوزته قبل عام 1983، فلن يكون من حق الدولة التصرف معه، لأنها ستكون قطع موروثة وإرث عائلي لا يمكن الاقتراب منه بموجب القوانين الأخرى التي تحفظ للشخص ملكيته الخاصة".

ويطالب ذكي بإنهاء حالة اللغط الدائر حول الأنتيكات والآثار، حيث تجري عمليات البيع والشراء للقطع الفنية القديمة دون رقيب أحيانًا، ولكن الجيد في الأمر أنه لا يمكن الخروج بأي منهما خارج البلاد، ودائمًا تخضع المقتنيات النفيسة برفقة المسافرين للتفتيش وتسيطر عليها إدارة المنافذ الأثرية في المطارات والموانئ، ويمنع تمامًا مغادرتها لأرض الوطن.

مجوهرات شقة الزمالك

ويمكن إنهاء هذه الحالة بإعادة دراسة القانون كل خمس سنوات، بحسب زكي، الذي يوضح أن كلمة مر عليه 100 عام مطاطية، ولا يفهم منها هل هذه الأعوام مرت على القطعة الفنية نفسها أم مرت على صدور القرار، وإذا تم التعامل بشكل صحيح مع القانون سيكون من السهل على الدولة وضع توصيف للمناطق والمباني الأثرية.

ويشير ذكي إلى أن بعض الفلل في منطقة حلوان تعتبر مباني أثرية لأنها تعود إلى عهد الخديوي إسماعيل، وكذلك بعض الأحياء الكاملة في بورسعيد والإسماعيلية، فلو تم ضبط القانون سيكون لدينا مدن تشبه العاصمة الفرنسية باريس ويتم استغلالها أفضل استغلال في مجال السياحة العالمية.

يضيف: "ومثال آخر على ذلك هما الطريقين الشهيرين، الذي سلكته العائلة المقدسة أثناء زيارتها وإقامتها في مصر، والطريق الآخر لخروج بني إسرائيل من مصر، لو تمكنت الدولة من وضع يديها على هذين الطريقين ستكون أقوى دولة سياحية في المنطقة وستجتذب الآلاف من السائحين للتعرف على نوع جديد من السياحة، ولكن كل هذا يبقى رهن لنصوص قانون الآثار الذي خضع لآخر تعديل عام 2010 ويحتاج إلى مزيد من التعديلات".

يختتم: "تعديل قانون الآثار ووضع تعريف محدد لا يقبل للجدال لمعنى الآثار والتحف والأنتيكات سيكون الفيصل في قضية شقة الزمالك، وما يتبعها من حالات مشابهة قد تجعل مصر من أغني دول العالم، فكمية الآثار واللوحات والتحف الفنية المخبأة في المنازل تستحق أن تخرج من البيوت إلى المتاحف المصرية الكبرى، ويتم تقديمها للعالم في أفضل صورة".