رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجمهورية الجديدة.. وجينات الهويَّة المصرية

من العجيب أن " بوصلة الإحساس الجمعي المصري " لم تَخِبْ أبدًا في رؤيتها ورؤاها الوطنية البحتة على مر العصور؛ ومنذ تشَّكلت على أرضها ملامح الدولة المصرية القديمة؛  ولم تخْبُ جذوة الانتماء والتوهج على مدى أحقاب الزمان المتعاقبة؛ ومنذ كتبت لنا سطور صفحات التاريخ  ـ قبل الزمان بزمان ـ عن أول كيان لما عُرف باسم " الدولة " و "الحكومة المركزية "؛ ويصل "المصري القديم" إلى لغة التواصل بالعديد من طرق الكتابة المتطورة  ـ ومنها الكتابة الهيروغليفية وهي ليست لغة كما يُشاع بالخطأ ـ كوسيلة للتفاهم والتواصل العلمي الذي أبهر العالم وترك لنا المعجزة الهندسية الكبرى المتمثلة في بناء الأهرامات؛ وهي المعجزة التي تجمع بين ثناياها التفوق في علوم الهندسة والفلك والطب والكيمياء والفيزياء وفنون الرسم والنحت بإزميل الجمال والخلود؛ وينسبها المؤرخون إلى عصر الملك "زوسر" احد ملوك الأسرة المصرية الثالثة .. والحديث يطول في هذا المضمار. 
ومن العجيب أيضًا أن تظل "بذرة الهويَّة المصرية " محتفظة بجيناتها الأصلية الأصيلة، حتى في عصور الاضمحلال والتقهقر بفعل الغزاة من الهكسوس والبربر ـ ولم تفقد عناصر عصارتها الأساسية؛ ولم تُعط أسرار حياتها ونموها ووجودها إلا لقلوب أبنائها الشرفاء الذين استوطنت بذرتها في جدار أرواحهم النقية المؤمنة بالخالق العظيم من قبل الرُّسُل والأنبياء والديانات؛ لتظل رمزًا وأيقونة لمن يقدسون ذرات حبَّات تراب الوطن؛ ولم ولن تخرج منها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
تلك كانت مقدمة لا بد منها للتذكرة  لكل الأجيال المعاصرة والقادمة؛ ولإيماننا المُطلق بأن شهادة المعاصرين في الصحف والأوراق أكثر ذاكرة للتاريخ من الإنسان، لذا يلزم التوثيق المستمر للواقع المصري المُعاش؛ وضرورة الرصد  الأمين لكل النجاحات المتتالية في سنوات "جمهورية السيسي الجديدة " .. وتبيان أثر جينات الهويَّة المصرية النقية في تلك النجاحات التي تحيط بنا في مناحي الحياة كافة، بداية من انتفاض ملايين المصريين، ليعلنوا أنه لا مكان بين جموعهم الثورية لمتآمرٍ أو  متخاذلٍ أو عميل، وأنهم لا يرتضون في استكمال مسيرتهم إلا لمن له الولاء والانتماء الكامل لهذا الوطن بالقول والفعل.
لقد أدرك رجال مصر الأمناء على مقدرات الوطن؛ وفي مقدمة الصفوف رجال القوات المسلحة بقيادة البطل المغوار الزعيم عبدالفتاح السيسي الذي نُعد أنه كان  ــ في التوقيت المناسب ــ على موعدٍ مع القدر من حسن الطالع؛ لمجابهة التحديات التي واجهت كيان الدولة في عنفوان اختطاف مقاليد الحُكم بواسطة جماعات الإرهاب؛ تلك الجماعات المتسلقة المتمسحة في عباءة الدين؛ وتأثيرها السلبي باللعب على عقول الجماهير ومفاهيمها الفطرية عن علاقة الدين بالسياسة وأساليب الحُكم، لتقوم القيادة الوطنية الواعية بتصحيح تلك المفاهيم التي استولت على عقول وأذهان البسطاء من جموع أهالي المحروسة والتعريف بأهمية تطبيق "الدستور" الذي استطاع بمواده العادلة التفرقة بين تطبيق حد السيف .. والقانون؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في تحقيق الأمن السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي؛ من أجل الانطلاق نحو تحقيق المشروعات القومية المنشودة التي تحقق تماسك لُحْمَة ونسيج الوحدة الوطنية لرفاهية البلاد والعباد، ولا غرو أن نقول إن هذه النجاحات والمشروعات العملاقة التي نراها على أرض الواقع؛ لم تكن تتحقق إلا بقوة الجينات المتوارثة التي تسري في عصب وعروق وشرايين القلب المصري الشجاع الذي ينبض مخلصًا بحب تراب هذا الوطن.
وللمشاهد المُنصف أن يرى ـ بعين الحُب ـ أثر هذه المشروعات في المجتمع المصري وتأثيرها القوي في ضبط إيقاع الحياة من جديد بعد عام من الغيبوبة التي جثمت على أنفاسنا بفعل اعتلاء شرذمة العملاء والخونة لسدة الحكم زورًا وبهتانًا، فكانت الانطلاقة القوية بدءًا من: قناة السويس الجديدة ـ أنفاق السيارات أسفل قناة السويس وربط سيناء بالوطن الأم ــ تجديد شبكة الطرق والسكة الحديد والموانئ المصرية على الخريطة العالمية الاقتصادية لقناة السويس ــ إنشاء المدن الجديدة لمواكبة الزيادة السكنية والقضاء على العشوائيات ــ  الانتهاء من تشييد مليون وحدة سكنية لمواجهة الزيادة السكنية ـ تشييد المطارات الجديدة لخدمة مصر في ثوبها الحديث ـ إنشاء مدن صناعية جديدة وحل مشاكل المستثمرين ــ التعمق في الدراسات الخاصة بإحياء قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية مرة أخرى ــ الاهتمام بقطاع الري والموارد المائية ـ عقد العزم على الاتجاه المُمنهج والمدروس لتحقيق النهضة التعليمية لمصر الحديثة ــ الاتجاه الجاد نحو تعميق التصنيع المحلي في قطاع الإنتاج الحربي ــ اهتمام الدولة بقطاع السياحة ــ  التوسع في التنقيب عن البترول والغاز والثروة المعدنية ــ الاهتمام بقطاع الكهرباء والطاقة بصفته العصب المحرك لكل قطاعات الصناعة والزراعة ــ  قطاع الشرب والصرف الصحي، وفي حال تحقيق الاستقرار في أقل مدة زمنية ممكنة، سوف تعود النتيجة الإيجابية على الأفراد لتحقيق التضامن والتضافر الاجتماعي؛ مع تضافر الوزارات السيادية للصحة والسكان في تعضيد تلك المسيرة الوطنية؛ تلك المسيرة التي بدأت مع رجل المهام الصعبة الذي تحركه بكل الصدق والحب؛ تلك الجينات المصرية في قلب هذا الرجل الوطني ذي الرجاحة العقلية والفطنة .. الذي جاء ـ في الوقت المناسب ـ على موعدٍ .. مع القدر، ويا له من قدر انتشلنا من هوة سحيقة كنا فيها على شفا الذهاب إلى مصير لا يعلمه إلا الله بلا عودة.. حمدًا لله على عطيته وجميل مقدراته لمصرنا المحروسة برعايته ورحمته.

 * أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعي بأكاديمية الفنون