رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر المنتصرة دائمًا

وضعت الحرب أوزارها، وتوقف القتال بين الفصائل الفلسطينية في غزة وبين إسرائيل، التي طالت بلداتها صواريخ المقاومة، وألجأت ساكنيها الملاجئ، على مدى إحدى عشرة يوماً، أوقعت شهداءً وجرحى بين أبناء الشعب الفلسطيني، وتهدمت المباني والأبراج وتحطمت العديد من بنيات قطاع غزة التحتية، حتى بات من الضروري بروز من يوقف هذه المجزرة، ويعيد الهدوء إلى الموقف الذي صار متأزماً على كل من طرفي الصراع.. المقاومة الفلسطينية التي بات مخزونها من الصواريخ على المحك، وإسرائيل التي اهتزت صورتها في العالم، حتى كادت أن تنقلب إلى النقيض، وتوقفت الحياة في شوارعها.. وفي خضم ذلك، وقفت الولايات المتحدة الأمريكية في ساحة الفراغ، لا تقدر على فض الاشتباك أو إلزام المتصارعين بالكف عما يفعلانه.

وكان لا بد للرئيس الأمريكي جو بايدن أن يعود أدراجه ويلجأ لمن يملك بيده الحل، ويستطيع أن يقنع الطرفين بالصمت إلى حين التفاهم والاتفاق.. الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي اتخذ منه بايدن موقفاً غير مبرر، وكتب على نفسه ألا يتصل به أو يحادثه، لأسباب لا تفهمها السياسة أو تعترف بها، أو يمكنها الصمود أمام المتغيرات الإقليمية المتدفقة، فكان التجاهل غير المسبوق من واشنطن لحليف رئيسي في الشرق الأوسط.. وكان التدخل المصري بين فصائل غزة وتل أبيب، وبدأت الهدنة بين المتحاربين.. برهان جديد على أن مصر هي القوة الإقليمية المؤثرة في المنطقة، الفاعلة في محيطها، القادرة على التدخل في القضايا البينية، بحيادية وشفافية ونزاهة خالية من الغرض، بينما راح بعض الذين دائماً ما يستغلون القضية الفلسطينية لخدمة أغراضهم ومواقفهم، ودغدغة مشاعر الغوغاء، الذين صدقوا أن القضية الفلسطينية يمكن أن يهتم بها من لم يدفع في سبيلها دماً ومالاً وأرضاً، وعلى مدى عشرات السنين، راح هؤلاء يملأون الدنيا صياحاً وضجيجاً، على طريقة (جعجعة ولا طحين).

ولأن الإخلاص للأمة لا يضيع عند الله والناس هباءً، فقد جاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأخير، لتؤكد مصر أنها إحدى القوى الإقليمية القليلة التي يمكنها، باتصالاتها الوثيقة مع حماس وإسرائيل، أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق هدنة برعاية مصرية، حتى قالت صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية، إنه "بالنسبة للكثير من المحللين والدبلوماسيين، فإن المنتصر الوحيد الواضح في الصراع، الذي اندلع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، هو الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي".. وفي مواجهة التصريحات التي تحدثت عن تراجع دور مصر في سياسات الشرق الأوسط، فإن الرئيس السيسي، بما حققه من إنجاز في أزمة غزة، أظهر أهميته وأهمية مصر، وأكد للولايات المتحدة أنه يستطيع أن يكون لاعباً مؤثراً في المشهد الخاص بالمنطقة.

وكان طبيعياً أن يخرج بايدن إلى العلن، ويعرب عن "امتنانه الصادق" للسيسي وفريق الوساطة المصري، الذي لعب دوراً حاسماً في الوصول إلى اتفاق الهدنة، كما اتفق خلال مكالمته الهاتفية مع الرئيس السيسي على استمرار الاتصال بينهما.. فهل هناك، بعد ذلك، من يمكنه التحدث فيما طالب به بعض النواب الأمريكيين من خفض المعونة العسكرية التي تحصل عليها مصر وقيمتها 1.3 مليار دولار، في محاولة للضغط على القاهرة من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان ـ هذا الادعاء المغرض ـ؟ إلا أن الدور الذي لعبته مصر في الهدنة لا بد أن يؤدي إلى تغيير هذا التوجه في واشنطن.. كما قالت "الواشنطن بوست".

إذن.. جاء رهان الشعب المصري على عبدالفتاح السيسي رئيساً للبلاد، ومخلصاً لها من أوجاعها، ومحققاً لنهضتها، رهاناً صائباً، لم تؤكده الأحداث الأخيرة في غزة وحسب، بل سبقتها مواقف وملاحم، خاضتها مصر بقيادة السيسي، وفي كل مرة تخرج منتصرة، تكلل رأسها أكاليل الغار، وقد أصبحت مرهوبة الجانب، يعمل الجميع لها ألف حساب، فيهرعون إلى خطب ودها والتعلق بأهدابها.. ليس هذا كلام من قبيل الإنشاء والبلاغة، بل هو الواقع الذي بدأ منذ تخلصت مصر السيسي من براثن الإخوان وحكمهم البغيض، الذي جثم على أنفاس المصريين لعام أسود.. وبدأت نهضتها العمرانية ومشروعاتها القومية، وترسيم حدودها في شرق المتوسط، وحفظ وحماية ثرواتها الغازية والنفطية، غير معتدية على حق أحد أو جائرة على ما هو للغير.

ثم كانت المعركة السياسية الظافرة في ليبيا، وحرص القاهرة على وحدة التراب الليبي، وحق الشعب الشقيق الجار في الحياة الكريمة على أرضه، متمتعاً بثروات بلاده، بعد أن حذرت مصر من محاولات الاعتداء الأجنبي على هذه الثروات التي لا يستحقها إلا أهلها.. وكان الخط الأحمر بين سرت والجفرة الذي قطع السبيل على الحالمين بالمغانم على الأرض الليبية، والسعي الدءوب للرئيس السيسي حتى يصبح السلام بين الأشقاء الليبيين واقعاً، وهو ما كان.

كل ذلك لم يُنسي مصر معركتها الكبرى.. حماية حصتها في مياه النيل، ومنع اعتداء النظام الإثيوبي على حقها التاريخي، متوسلة بهدوء القوة، والصبر الشجاع، الذي ينتظر ولا يفرط، غير متجاهلة لدولة شقيقة تواجه نفس المصير الذي ينتظر القاهرة، وتعاني مشكلات المرحلة الانتقالية بعد ثورتها المباركة على نظام البشير الإخواني في الخرطوم.. تتكاتفان في مواجهة القادم مع الأيام، ويقف الرئيس السيسي في باريس داعماً للسودان، مشاركاً بما تمليه عليه أواصر الأخوة والجوار والمصير المشترك.. وهو الذي لم يكتف بفض الاشتباك الفلسطينى الإسرائيلي وحسب، بل تعهد بدعم إعادة إعمار غزة بنصف مليار دولار، رغم ظروف البناء والتنمية في مصر، لأنه يؤمن بأن مواقف الرجال لا يمنعها أن تكون ذا مال أو لا، بل يحكمها أن هناك مشاركة إنسانية لا بد أن يترجمها الواقع، والمعني يصبح هنا أكبر من المبنى.. فمصر الكبيرة ليست بأموالها، بل بأفعالها ومواقفها، وهي أجلّ من أن تحصى، ليس في الحاضر وحده، بل على مر التاريخ.

لذلك، يقف العالم الآن مثمناً ومقدراً مصر ومواقفها الرائعة في كل الأحداث والمناسبات.. مواقف تؤكد أن مصر وإن مرضت فإنها لا تموت، وأن العافية في الجسد مرهونة بذلك الطبيب الذي يداوي الجراح ويسكن الآلام.. تقبل الدنيا على (أم الدنيا) باحترام وتقدير، تترجمه كثير من التصرفات والاتفاقات والرغبة الملحة لكثير من دول العالم في أن تكون مصر شريكاً حاضراً في الكثير مما يخصها، وفي العديد مما لا يقدر عليه إلا مصر.. ولأننا نثق في قيادتنا، فإن من استطاع أن يعبر بمصر في أحلك لحظاتها، وأن يقف إلى جوار الأشقاء، يستطيع أن يضع النهاية المأمولة لسد إثيوبيا وتنعم مصر بمائها، الذي أفاض الله بها عليها.. وإننا لقادرون إن شاء الله.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.