رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قاهرة مختلفة استقبلت ليفنى

وفد أمنى مصرى رفيع المستوى، يترأسه عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة، ذهب إلى تل أبيب ورام الله وقطاع غزة، لتثبيت وقف إطلاق النار وتوسيعه ليشمل قضايا كبرى أخرى. وبالتزامن، بدأت القاهرة فى استقبال الوفود الفلسطينية والإسرائيلية، لإجراء مفاوضات بشأن التوصل إلى هدنة طويلة الأمد. كما استقبل سامح شكرى، وزير الخارجية، أمس الأحد، جابى أشكينازى، أول وزير خارجية إسرائيلى يزور القاهرة منذ ١٣ سنة.

الجهود الدولية متواصلة لنزع فتيل الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية، والوصول إلى تهدئة مستدامة. لكن تظل «مصر هى المحور الرئيسى لكل ما يجرى من محادثات، ودون الدور الذى تلعبه لا يتصور أحد أنه سيكون هناك تقدم حقيقى»، وما بين التنصيص ننقله عن وزير الخارجية الإسرائيلى الذى كتب فى حسابه على تويتر، أيضًا، أنه سيركز خلال المحادثات على التزام إسرائيل، «فوق كل الاعتبارات»، بإعادة جنودها ومواطنيها «الموجودين فى قبضة حماس» فى إشارة إلى الإسرائيليين الأربعة الذين تحتفظ بهم حركة «حماس»: جنديان تم أسرهما خلال حرب ٢٠١٤، والآخران دخلا القطاع، خلال السنوات الماضية، فى ظروف غير واضحة.

نذكرك، لو كنت نسيت، أن جولة الصراع الأخيرة انتهت فجر ٢١ مايو الجارى، مع بدء تنفيذ وقف إطلاق النار، بوساطة مصرية، بعد هجوم شنه جيش الاحتلال على قطاع غزة، استمر ١١ يومًا، وأسفر عن استشهاد ٢٥٥ فلسطينيًا فى القطاع، ليصل إجمالى ضحايا العدوان على الأراضى الفلسطينية، إجمالًا، إلى ٢٨٩ شهيدًا، بينهم ٦٩ طفلًا، و٤٠ سيدة، و١٧ مسنًا، بالإضافة إلى نحو ٩ آلاف مصاب. وبتوقف آلة القتل الإسرائيلية، أعرب الرئيس الفلسطينى محمود عباس عن تقديره موقف الرئيس عبدالفتاح السيسى «الذى يعبر عن حقيقة مصر ودورها العروبى فى دعم الشعب الفلسطينى والدفاع عن حقوقه حتى قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية».

على الدور المصرى، أيضًا، تراهن اللجنة الرباعية الدولية، التى تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة. وفى حسابه على «تويتر»، كتب تور وينسلاند، المنسق الأممى الخاص لعملية السلام فى الشرق الأوسط، السبت، إن «الرباعية» عقدت اجتماعًا افتراضيًا، انتهت فيه إلى ضرورة البقاء على اتصال وثيق مع مفاوضات القاهرة، تمهيدًا للاجتماع، وجهًا لوجه، فى المستقبل القريب و«إطلاق محادثات موسعة». والإشارة هنا مهمة إلى أن الوفد الأمنى المصرى مكلف من الرئيس عبدالفتاح السيسى باتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لضمان عدم تكرار التصعيد، ودفع جهود إنهاء الانقسام الفلسطينى. 

تلك هى القاهرة التى استقبلت جابى أشكينازى، والتى لا نبالغ لو قلنا إنها مختلفة عن تلك التى استقبلت تسيبى ليفنى، فى ٢٥ ديسمبر ٢٠٠٨، حين كانت تحمل الحقيبة نفسها، حقيبة الخارجية الإسرائيلية، وجاءت إلى مصر تلبية لدعوة وجهها لها الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، للتباحث بشأن «انتهاء التهدئة» ومعاودة حركة حماس إطلاق الصواريخ على إسرائيل. 

زيارة ليفنى جاءت بعد ساعات من اجتماع عقدته الحكومة الأمنية الإسرائيلية، انتهى إلى منح «ضوء أخضر» لجيش الاحتلال للقيام بعمليات واسعة فى قطاع غزة. وكان الهدف الأول من زيارة ليفنى إلى مصر هو التوصل إلى «تهدئة دائمة» باتفاق مكتوب!.

كانت مصر هى الوسيط فى التوصل إلى التهدئة، التى بدأت فى ١٩ يونيو من تلك السنة، واستمرت ستة أشهر، وبعد قيام إسرائيل بخرقها، أعلنت «حماس» عن انتهائها، وأطلقت كتائب القسام، الجناح العسكرى للحركة عشرات الصواريخ وقذائف الهاون ردًا على مقتل ثلاثة من ناشطيها على يد دورية إسرائيلية. كما أعلنت «سرايا القدس» الجناح العسكرى لحركة «الجهاد الإسلامى»، أيضًا، عن إطلاقها سبعة صواريخ على عسقلان وسديروت التى شهدت أيضًا سقوط صاروخ أطلقته كتائب «شهداء الأقصى» التابعة لحركة «فتح». 

بعد لقائها مبارك، هددت ليفنى بإسكات تلك الصواريخ: «كفى يعنى كفى والوضع سيتغير»، وبالفعل قام جيش الاحتلال بعملية عسكرية على قطاع غزة بدأت فى ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٨ وانتهت فى ١٨ يناير ٢٠٠٩، وأسفرت عن استشهاد ١٤١٧ فلسطينيًا على الأقل وإصابة ٥٤٥٠ آخرين، إلى جانب مقتل ١٠ جنود إسرائيليين و٣ مدنيين وإصابة ٤٠٠ آخرين. وتخلل هذه العملية، أو هذا العدوان، هجوم برى فى الساعة التاسعة مساء ٣ يناير، قامت خلاله أعداد كبيرة من الجنود الإسرائيليين باجتياح القطاع، بمشاركة قوات من أسلحة المشاة والمدفعية والوحدات الخاصة، مع بوارج ودبابات شاركت الطيران فى إغراق القطاع بالصواريخ والقذائف.

اجتياح آخر كان وشيكًا، وخسائر أكثر من هذه كانت ستحدث، فى جولة الصراع الأخيرة، لولا جهود القاهرة، المختلفة عن قاهرة ٢٠٠٨، التى أوقفت آلة القتل الإسرائيلية، وأسكتت أصوات القذائف، ووضعت حدًا لسقوط الضحايا، وأجهضت نية مبيتة لتسوية قطاع غزة بالأرض.