رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليبيا.. استعراض الكرامة

تلك هى الذكرى السابعة لـ«عملية الكرامة»، التى طردت الإرهاب من الشرق الليبى، وأوضحت الفارق الكبير بين حال المدن، التى يحميها جيش وطنى، وتلك التى تسيطر عليها ميليشيات مسلحة. واحتفالًا بهذه المناسبة، أقيم، أمس السبت، استعراض عسكرى ضخم، هاجمته الآلة الدعائية للميليشيات وداعميها، ولم يحضره رئيس المجلس الرئاسى أو رئيس الحكومة! 

من منطقة بنينة، بمدينة بنغازى، التى شهدت أشرس معارك الجيش الوطنى الليبى ضد الإرهاب، انطلق «استعراض الكرامة»، الذى تصادف أن يتزامن مع مرور مائة يوم على ميلاد حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية، التى لم تتواصل مع قيادة الجيش الوطنى الليبى، باستثناء زيارة واحدة، ووحيدة، قام بها رئيس المجلس الرئاسى، الذى منحه قرار مجلس الأمن، رقم ٢٥١٠، السلطة العسكرية، وصفة القائد الأعلى للقوات المسلحة! 

تحديات هائلة ومعقدة ما زالت تواجه توحيد ليبيا ودمج مؤسساتها السيادية والعسكرية والأمنية. وكان من الممكن أن يتقدم البلد الشقيق خطوة أو اثنتين إلى الأمام، فى مواجهة تلك التحديات، لو استجاب عبدالحميد الدبيبة، رئيس الحكومة، ومحمد يونس المنفى رئيس المجلس الرئاسى، لدعوة المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى، وحضرا الاستعراض. غير أن «المنفى» ذهب، صباح السبت، إلى تونس فى زيارة تستمر ثلاثة أيام، كما انطلق «الدبيبة»، فى اليوم نفسه، إلى الجزائر، رفقة وفد وزارى، لبحث مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين!

قبل أن تعتقد أن للصدفة علاقة بتزامن الزيارتين مع الاستعراض، قطع عبدالله اللافى، نائب رئيس المجلس الرئاسى، عليك الطريق ودعا، فى بيان أصدره الجمعة، إلى ضرورة تجنب القيام بأى تصرفات أحادية ذات طابع عسكرى من أى طرف، بما فى ذلك إجراء المناورات والاستعراضات العسكرية. ويمكنك أن تضيف إلى ذلك أن «الدبيبة» حين زار موسكو، اصطحب معه محمد الحداد، رئيس الأركان الذى عينه فايز السراج، والذى بقى فى مقر إقامته دون أن يلتقيه مسئول روسى. كما يمكنك أن تستنتج، أيضًا، خضوع «الدبيبة» لضغوط الميليشيات المسلحة فى مدينته مصراتة، التى ترفض الاعتراف بدور الجيش فى تحرير شرق البلاد من الإرهاب. 

كل ذلك، يزيد من تعكير الأجواء بين الطرفين، ويضاعف الغموض حيال مصير ومستقبل المؤسسة العسكرية الليبية، ويؤدى إلى استمرار تردى الأوضاع الأمنية، ويضعف قدرات الدولة على فرض الأمن وبسط سيطرتها على التشكيلات المسلحة فى البلاد. ولاحظ أن أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، أكد أن ليبيا لم تشهد أى تراجع فى عدد المقاتلين الأجانب أو أنشطتهم، مع أن الأطراف الليبية تعهدت فى اتفاق وقف إطلاق النار، الذى تم توقيعه فى أكتوبر العام الماضى، بضرورة إخراج المرتزقة والعسكريين الأجانب من البلاد!

الجيش الليبى لا يزال يطارد خلايا نائمة، ولديه تقارير من الأمن الداخلى والمخابرات العسكرية والعديد من الأجهزة المعنية، وكامل الأراضى الليبية تحت أعين القوات المسلحة، بحسب تصريحات أدلى بها اللواء أحمد المسمارى، المتحدث باسم الجيش الوطنى الليبى، فى مؤتمر صحفى، عقده أمس الأول الجمعة، قال فيه إن الاستعراض يحمل رسالة إلى الليبيين مفادها أن «الجيش الذى نادوا به فى ٢٠١٤، يحمى البلاد وأن أحلامهم صارت حقيقة على أرض الواقع». 

استعراض الكرامة، كما قال «المسمارى»، هو نوع من الوفاء للجرحى والمصابين وكل من قدم دعمًا للمشروع الحربى ضد الإرهاب والجريمة و«ليس موجهًا ضد أحد»، وهدفه الأساسى هو «استعراض قوة الوطن من رجال وسلاح وقدراتنا القتالية التى من خلالها نستطيع أن ننفذ كل واجبات المؤسسة العسكرية الليبية»، والتأكيد أن «عملية الكرامة موجهة لاجتثاث الإرهاب والجريمة وإنفاذ القانون»، وأن الليبيين فى حالة حرب مستمرة ضد الإرهاب والجريمة. 

قيام الميليشيات بحصار المجلس الرئاسى، فى طرابلس، جدّد المطالبات بضرورة وضع حل جذرى لهذه المعضلة. وأثارت تحركات الميليشديات الأخيرة فى غرب ليبيا مخاوف كثيرين من إمكانية إجراء الانتخابات فى موعدها، خاصة فى ظل إصرار جماعة الإخوان وبعض القوى الإقليمية على إبقاء المرتزقة الأجانب فى البلاد. كما حذر قادة الأحزاب السياسية، خلال اجتماعهم مع رايزدون زينينجا، الأمين العام المساعد، منسق بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا، من خطورة هذه الميليشيات والمرتزقة على العملية السياسية، وأعربوا عن تخوفهم من الخروج عن المسار السياسى بقوة السلاح المسيطر على مساحات واسعة من البلاد خاصة فى الغرب الليبى.

أزمات ليبيا، أو غالبية أزماتها ومشكلاتها، تبدأ وتنتهى بصراع القوى المسلحة على شرعية السلاح. ومن المفترض أن يتم حل هذا الصراع المعقد والشائك، وأن تتوحّد المؤسسات العسكرية والأمنية، خلال الشهور العشرة الباقية لحكومة «الوحدة الوطنية»، حتى تتمكّن من إجراء الانتخابات العامة فى ٢٤ ديسمبر المقبل، وتضمن، لو تمكنّت، عدم الانقلاب على نتائجها.