رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شهداء حفظ السلام

 

سنويًا، فى مثل هذا اليوم، ٢٩ مايو، تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمى لحفظ السلام، تخليدًا لتضحيات القوات الأممية فى مناطق النزاع. وبهذه المناسبة، جرى أمس الأول، الخميس، تكريم حفظة السلام، الذين استشهدوا العام الماضى، كان نصيبنا منهم خمسة من أبطال قواتنا المسلحة والشرطة المصرية، صعدت أرواحهم خلال مهمتين لحفظ السلام فى مالى وإفريقيا الوسطى.

تعازى مصر وشعبها لأسر شهداء حفظ السلام، قدمها السفير محمد إدريس، مندوبنا الدائم لدى الأمم المتحدة، فى الاحتفال الذى أقامته المنظمة الدولية بحضور أمينها العام، عبر وسائل الاتصال المرئى، وفيها أعرب عن اعتزازه بتكريم الشهداء المصريين، مؤكدًا أن ذكراهم ستظل خالدة فى القلوب والأذهان تقديرًا لما قدموه من تضحيات جسام فى خدمة الإنسانية، ومشدّدًا على التزام مصر المتواصل بالعمل من أجل إرساء السلام والاستقرار فى كل أنحاء العالم.

مصر واحدة من الدول العشر الأولى الأكثر إسهامًا فى عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، ومنتصف فبراير الماضى، أعيد انتخابها مُقررًا للجنة الأممية المختصة بهذا الشأن، ما يعكس دورها المؤثر، سواء من حيث حجم مشاركاتها العسكرية والشرطية، أو من حيث إسهامها الفاعل فى تطوير المفاهيم والسياسات. كما ترجم انضمام الرئيس عبدالفتاح السيسى لمبادرة «دائرة القادة»، سنة ٢٠١٧، دور مصر الرائد فى حفظ السلام على مدار العقود الماضية.

أولى مشاركات مصر فى عمليات حفظ السلام، كانت سنة ١٩٦٠، بجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومنذ ذلك الحين، تواصلت مشاركاتها الفاعلة، وأسهمت فى ٣٧ بعثة، خاصة فى إفريقيا: جنوب السودان، دارفور، مالى، الصحراء الغربية، وجمهورية إفريقيا الوسطى. وقدمت القوات المصرية المشاركة فى مختلف بعثات الأمم المتحدة الكثير من الجهود البارزة، التى كانت، ولا تزال، محل تقدير وثناء من قادة البعثات الأممية، إضافة إلى التقدير الدولى المتزايد للمساهمات المصرية فى بعثات حفظ السلام بمكوناتها العسكرية والشرطية والمدنية. وهو ما نراه نتيجة طبيعية لحرص قواتنا المسلحة والشرطة المصرية على الإعداد المتميز للعناصر المشاركة فى هذه البعثات وتجهيزها إداريًا وفنيًا وتدريبيًا على أعلى المستويات، لأداء دورها الإنسانى. 

الإشارة هنا مهمة إلى أن أحد أهم مراكز التدريب الإقليمية على حفظ السلام هو «مركز القاهرة للتدريب على حل الصراعات وحفظ السلام فى إفريقيا»، الذى يقوم بتدريب نحو ٢٠٠ سنويًا من دول القارة.

كما جرى، أواخر يناير الماضى، افتتاح المركز المصرى للتدريب على عمليات حفظ السلام بمقر أكاديمية الشرطة، لإعداد وتدريب الكوادر الوطنية والدولية للعمل ببعثات حفظ السلام، من خلال العديد من الدورات التدريبية والبرامج المتخصصة والدراسات والأبحاث التى تؤهل الكوادر المشاركة ببعثات حفظ السلام لأداء المهام المنوطة بها بفاعلية وتزويدها بالخبرات والقدرات التى تتوافق مع متطلبات عمليات حفظ السلام الحالية والمستقبلية.

مستمرون فى العمل على حفظ السلام ونزع فتيل الحروب، وفى ظل رئاسة مصر الحالية للجنة الأمم المتحدة لبناء السلام، حرصت على دعم المقاربة الشاملة لتطوير أداء عمليات حفظ السلام، وأكدت ضرورة تبنى استراتيجيات واضحة ومحددة زمنيًا، وعملت على تعميق الشراكة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى، الذى اعتمد مُبادرة «خارطة طريق القاهرة لتطوير أداء عمليات حفظ السلام»، كإسهام للقارة السمراء فى جهود تفعيل مبادرة أمين عام الأمم المتحدة «العمل من أجل حفظ السلام»، وهى المبادرة التى أسهمت فى تطوير مفاهيم حفظ السلام وسياساته.

المبادرة، أو «خارطة طريق القاهرة»، وضعت أربعة محاور رئيسية لتطوير أداء بعثات حفظ السلام الأممية: تعزيز الحلول السياسية مع تفويض البعثات الأممية بولايات «صلاحيات» واضحة ومتدرجة وقابلة للتنفيذ، مُساءلة جميع الفاعلين بالبعثات، بمن فى ذلك حفظة السلام من المدنيين والقوات النظامية عن فاعلية أداء البعثة ومعالجة أوجه القصور بها، توفير قوات نظامية مدربة ومجهزة للمشاركة فى البعثات مع العمل على تطوير أساليب تدريبها، بالإضافة إلى قيام مكاتب وفرق الأمم المتحدة القُطْرِية «بضم القاف وتسكين الطاء» بتعزيز جهودها فى دعم الدول المضيفة للبعثات الأممية فى مجال حفظ وبناء السلام، خاصة خلال المراحل الانتقالية من بعثات أممية لحفظ السلام إلى بعثات أممية لبناء السلام.

.. وتبقى الإشارة إلى أن شهداء حفظ السلام يتم منحهم ميدالية تحمل اسم أحد أعظم صانعى السلام فى القرن العشرين: السويدى داج همرشولد، ثانى أمين عام للأمم المتحدة، صاحب الموقف المشرف، بشخصه وصفته، ضد العدوان الثلاثى على مصر، الذى لم يكتفِ بالعمل من مكتبه فى نيويورك، وذهب إلى الكونغو، محاولًا منع تقسيمها وتقليص نفوذ القوى الاستعمارية فيها، فسقطت، أو تم إسقاط، الطائرة التى كانت تقله مع خمسة عشر شخصًا آخرين، بعد منتصف ليل ١٨ سبتمبر ١٩٦١، ولا يزال موته، أو اغتياله، أكبر ألغاز ومآسى الأمم المتحدة.