رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جنود النيل.. حُماة النيل

في خضم الأحداث المتسارعة على الساحة السياسية المصرية؛ بخصوص مايسمي بموضوع "سد النهضة" المزعوم؛ والمُزمع المضي في تشييده  ــ بالمخالفة للمواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية ـ على جسد مجرى النيل في أعالي القارة الأفريقية؛ تقفز إلى ذاكرتي المقولة الشهيرة التي أُطلقت على الإمام "مالك" ـ رضي الله عنه ـ وهي : " لايُفتى ومالك في المدينة "، كذلك ..  فإننا حين نتحدث عن القومية وكيفية الالتزام بثوابت ودعائم تلك القومية وعناصرها؛ وأهمية التمسك بالضروريات التي تمنح لها " قُبلة الحياة " على الخريطة المصرية؛والتأكيد على استمراريتها لتقوم بدورها الفاعل المستمر منذ قديم الزمان؛  ــ تقفز إلى ذهني وذاكرتي ـ  مقولة عالم الجغرافيا المصري : جمال حمدان : "إلى الآن، الحقيقة المحورية الوحيدة التي تدور حولها الحياة السياسية والوجود السياسي في العالم هي : "القومية " التي لا بديل عنها ولا مفر منها ولا مُبيد لها .. كقطعة الفلين على الماء، مهما غمرتها بالقسر في غياهب الماء تطفو إلى السطح حتمًا .. القومية هي سنة الحياة السياسية" .

إذن .. لابد أن تكون لتلك القومية مقومات وركائز ! فلا بُنيان دون أساس قوي متين  وأعمدة راسخة يعلو فوقها ويشمُخ؛ ومن إحدى تلك الركائز والأعمدة المهمة ــ بلا أدنى شك ــ هذا النيل العظيم الذي يُعد بمثابة الشريان التاجي لقلب الجسد المصري العتيق والقديم قدم التاريخ والزمان؛ إلى جانب " العنصر البشري " الذي قال عنهم الإنبياء : إنهم خير أجناد الأرض؛ وهو الذي تتشكل منه الجموع التي تحيا وتتنفس وتُبدع على ضفتي هذا النيل العملاق، لذا .. أصبح النيل والبشر .. هُما أعظم وأقوى الركائز لاستمرارية القومية المصرية على طول الزمان .

وعندما لاحت في الأفق سحابات الغدر السوداء وظهور آُثار الأصابع الصهيونية في أعماق القارة الأفريقية؛ بهدف "تعطيش" دول حوض النيل ومحاولة تركيع السيادة المصرية للمخططات الجهنمية المتربصة بضرب المكتسبات التي حققتها القيادة السياسية الوطنية، كان لابد من تشكيل " القوة" التي تحمي الحقوق المشروعة في الحياة الآمنة؛ وتصديقًا وإيمانا بمقولة الرئيس عبد الفتاح السيسي ذات لقاءٍ بابنائه بالقوات المسلحة : 
       "أن الحق الذي يستند إلى القوة تعلو كلمته وينتصر في النهاية"!
فالحق بلا قوة تحميه؛ يصير هشًا كتلال الرماد والهشيم الذي تذروه الرياح وتعصف به لتذهب به إلى الضياع والعدم ؛ وضياع حقوق أصحابه في العيش والحياة الكريمة .

فكان من الطبيعي وليس بالمستغرب أن يكون أقدم جيش نظامي في التاريخ ــ وهو الجيش المصري ـ على رأس القوة المُشكلة باسم "حُماة النيل"، فهو الجيش الذي لم تختلف عقيدته منذ العصر الفرعوني؛ لأن ارتباطه ارتباطٌ بالشعب وليس الأفراد والحكام، ليغدو كتلة صلبة لاتتفكك ولا تتزعزع عقيدته التي نشأ عليها مذ عرفت البشرية المعنى الصحيح لكلمة "الدولة " ! فتحركت الفيالق إلى أرض السودان الشقيق لمواصلة التدريب المشترك بالمعدات والعتاد ؛ والذي تشارك فيه عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية لكلا الجانبين، بهدف تأكيد مستوى الجاهزية والاستعداد للقوات المشتركة وزيادة الخبرات التدريبية للقوات المسلحة لكلا البلدين، والذي يأتي استمرارًا لسلسلة التدريبات التي بدأت بـ "نسور النيل 1" و " نسور النيل 2"؛ وذلك لإظهار مدى التمسك بالحقوق المشروعة لشعوب حوض النيل؛ والإعلان في الوقت نفسه إننا لسنا دعاة حربٍ .. بل دعاة سلام في مشارق الأرض ومغاربها .

وتعالوا بنا ــ بعيدًا عن نذير الصدام وقعقعات العجلات الحربية ـ لنستمع إلى رأي القيادة السياسية المصرية؛ فيما عُرف بـ "أزمة سد النهضة "، مع الاعتراف بأن جموع الشعب المصري على اختلاف طوائفه ـ ماعدا القلة المارقة المعروفة سلفًا ـ تثق الثقة الكاملة في القيادة الوطنية التي تعمل من اجل الصالح العام ؛ ولتؤيد تلك الجموع  قول الزعيم "عبد الفتاح السيسي : "نحن لا نهدد أحدًا، ولكن لا يستطيع أي أحد أخذ نقطة مياه من مصر .. وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد". وأضاف : "لا يتصور أحد أنه بعيد عن قدرتنا .. مياه مصر لا مساس بها والمساس بها خط أحمر وسيكون رد فعلنا حال المساس بها أمر سيؤثر على استقرار المنطقة بالكامل " .

ترى .. هل ستستمع الأطراف المتواطئة مع جحافل الشر والعدوان؛ إلى صوت الحكمة والعقل؛ والالتزام بالمعاهدات الدولية التي عُقدت منذ عشرات السنين .. فهناك " اتفاقية تقاسُم مياه النيل " في العام 1929   وهي اتفاقية أبرمتها الحكومة البريطانية ــ بصفتها الاستعمارية آنذاك ــ نيابة عن عدد من دول حوض النيل ( أوغندا وتنزانيا وكينيا )،  مع الحكومة المصرية يتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وإن لمصر الحق في الاعتراض ( فيتو ) في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده ؟!

تلك هي الأسئلة المشروعة على لسان كل طوائف الشعب المصري، هذا الشعب الذي يدفع من دمائه دائمًا فاتورة الأطماع الاستعمارية بالمنطقة ؛ بصفته "كبير العائلة" العربية وقدره المحتوم أن يدافع عن الجميع .. حتى عمَّن لم يقفوا إلى جانبه في أعنف الأزمات والمحن والحروب !

ذاك هو قدرنا .. وعلينا أن ننتظر انقشاع سحابات التهديد من سمائنا؛ فنحن دائمًا في حال تأهب واستعداد وأصابعنا على زناد " الحق " الذي لابد أن تحميه " القوة " العادلة ،
والله.

  • أستاذ ورئيس قسم الإنتاج الإبداعي بأكاديمية الفنون