رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ميكي ماوس».. قرأ نعيه في الصحف وقال له العقاد: «أنا أكتب ولا أستكتب»

عبدالله أحمد عبدالله
عبدالله أحمد عبدالله

كان فنانًا متعدد المواهب، يكتب لـ 11 مجلة ويجلس مع الفنان الكبير رخا ليقول له أفكار الكاريكاتير السياسي، وذلك قبل أن ينفرد رسامو الكاريكاتير بأفكارهم، ويكتب الزجل أيضًا.

كان عبدالله أحمد عبدالله يقضي يوم في الذهاب للأماكن التي يجتمع فيها الفناون ويزور أساطير السينما مثل زكي طليمات وغيره، ويقوم بجمع أفكاره وترتيبها لينشرها، وساهم ميكي ماوس كما كان يكتب في مقالاته في نهضة عظيمة للسينما المصرية وكان من أشد الصحفيين الذين يكتبون في الحملات الصحفية، وغيرها من الامور التي جعلته مؤرخًا عظيما يذكره الجيل بعد الجيل، وفي هذا التقرير نرصد اهم ما قام به عبدالله احمد عبدالله أو ميكي ماوس.

وُلد عبدالله أحمد عبدالله في العاشر من أكتوبر عام 1919 بحي باب الشعرية بالقاهرة، وتوفي عام 1998، وكان من بين الأعضاء الذين لهم دور بارز في جماعة "الاقتصاد القومي" والتي قدمت مشروع "جمعية القرش"، وانتهت بتشكيل حزب "مصر الفتاة" وجمعية "عيد الوطن الاقتصادي" ورابطة "الإصلاح الاجتماعي"، واستطاع أن يؤدى دورا آخر بعيدًا عن الكتابة الفكاهية فقد أطلق الشرارة الأولى عام 1936 في مجلة "العروسة" والفن السينمائي بضرورة الترجمة العربية للأفلام الأجنبية، والدفاع عن السينما المصرية التي لم يكن يزيد عمرها في ذلك الوقت علي 9 سنوات حيث بدأت صناعة السينما في مصر عام 1927.

نشأ في بيت بتربية دينية فوالده هو أحمد عبدالله من علماء الدين، وكاد أن يتجه ميكي ماوس للصحافة الدينية حين لمس فيه أبوه حبه للقراءة ومنها الكتب والمجلات لدينية. 

 

- السبب في مؤتمر السينما المصرية

أطلق عبدالله أحمد عبدالله الشرارة الأولى عام 1936 وكان عمره في هذا الوقت 17 عامًا في مجلة العروسة والفن السينمائي بضرورة الترجمة العربية للأفلام الأجنبية والدفاع عن السينما المصرية التي لم يكن يزيد عمرها في ذلك الوقت عن 9 سنوات حيث بدأت صناعة السينما في مصر.

قال فتحي رزق في كتابه "75 نجمًا في بلاط صاحبة الجلالة" إن جماعة الاقتصاد القومي دعت من خلال زجل عبدالله أحمد عبدالله بعقد أول مؤتمر للسينما المصرية الذي عقد بحديقة الأزبكية لمدة 3 أيام برعاية طلعت حرب باشا، ورئاسة عبدالرحمن رضا باشا وكيل وزارة العدل "الحقانية"، وافتتحت المؤتمر رائدة السينما المصرية عزيزة أمير بثلاث كلمات ثم سقطت مغشيًا عليها بعد أن غلبها الشجن، وقالت"ثلاث لحظات سعادة مررت بها، يوم ولدت ويم عرض فيلمي، والثالثة هي التي أنا فيها الآن"، ونجح المؤتمر من خلال تنفيذ توصياته فأعيد افتتاح معهد التمثيل والذي افتتح عام 1931 وأغلق في نفس العام، والحماية الجمركية لمعدات استوديوهات السينما وزيادة دور العرض، وشبكة توزيع الأفلام في الخارج والتعاون السينمائي العربي وتعديل اللوائح للرقابة والترجمة العربية على نفس شريط الأجنبي والجوائز، والمصرية الصممية لرأس المال، وإرسال بعثات، والأسواق الخارجية للتوزيع، والمهرجانات والمكتبة السينمائية ونشر الثقافة السينمائية، ونفذت كل هذه التوصيات باستثناء واحدة هي إنشاء مصنع للفيلم الخام في مصر، وحينها تحول عبدالله أحمد عبدالله إلى مصدر للأخبار للصحفيين، وهو الأمر الذي ساهم فيما بعد في تحوله للصحافة الفنية، وليكون بعد ذلك واحدا من اقوى المؤرخين الفنيين في مصر.

 

ـ أوقف عرض أربعة أفلام 

كان عبدالله أحمد عبدالله وراء وقف عرض فيلم "صلاح الدين" بطولة بدر لاما، لضعف الممثل الأول في التحدث باللغة العربية حيث هاجم الفيلم والحوار وقال: "غير معقول فيلم عن صلاح الدين بأبطال عرب لا يتحدثون العربية السليمة"، وسحب الفيلم منذ عام 1943 ولم يعاد عرضه حتى الآن، وهو بالطبع غير فيلم صلاح الدين بطولة أحمد مظهر وحمدي غيث.

كما أنه كان السبب أيضًا في وقف عرض فيلم "انتصار الإسلام" لنفس السبب وهو عدم مقدرة الممثلين على التحدث بالعربية السليمة في فيلم يدور عن الإسلام، وكان عبد الله هاجم الفيلم على صفحات الجمهور المصري، ووصفه بأنه هزيل جدا ومن العيب عرضه، فتوقف عرض الفيلم.

أما عن فيلم "الوصايا العشر" والذي أخرجه سيسل دي ميل فقد رأى عبدالله أحمد عبدالله أنه كان دعاية صارخة للصهيونية العالمية وإسرائيل، ومع أنه حذر من الفيلم وناشد مخرجه في مؤتمر صحفي فإن أحدا لم ينتبه إلا بعد عرض الفيلم فأوقفت الثورة عرضه بعد مقالاته.

أما عن آخر الأفلام التي أوقفها عبدالله أحمد عبدالله عرضها هو فيلم "درب الهوى"، وقال عن الفيلم: عندما جاء فيلم درب الهوى وبدأ عرضه شاهدته في الفيديو في بيت أحد الأصدقاء والدم يغلي في عروقي مشهدا بعد مشهد، حتى إذا انتهيت من مشاهدته أسرعت إلى بيتي وكتبت مقالا حاد العبارة أطالب فيه بوقف الفيلم ومصادرته وأفرغت في سطور المقال كل الضيق والغضب مما شاهدت، وفي الصباح قدمت المقال إلى جريدة المساء فنشرته وكان بعنوان "هذا المخرج..خرج ولم يعد"، وظهر المقال ليكون أول صيحة في وجه الفيلم لما رأيت فيه من إساءات للفضيلة وللمجتمع والوطن، وسرعان ما نبهت صيحتي أقلام عدد من الزملاء تابعوني في حملتي وأيدوا مطالبتي ونجحت الحملة فصدر قرار بوقف عرض الفيلم وسحبه من دور العرض.

 

ـ أول قصائد عبدالله أحمد عبدالله الزجلية

كان عبدالله أحمد عبدالله في السنة الثانية من الدراسة الثانوية حين نشرت له مجلة "ألف نكتة.. ونكتة"، في عددها الثاني فقرة فكاهية بعنوان "قانون الضحك العام"، وكانت مجلة أطفال يصدرها من الإسكندرية رسام بارع هو حسين فوزي والذي أصبح مخرجا سينمائيا فيما بعد.

ونشر عبدالله أحمد عبدالله مقالا في جريدة "الأحوال" رآها مصادفة أثناء سيره وكان المقال بعنوان "النفس نهمة لا تشبع جشعة ولا تقنع"، وتركه تحت عقب باب إدراتها في ظرف مغلق وجرى دون أن يجرؤ على التقدم لقصر قامته وكان ذلك عام 1935.

كانت بدايته في مجلة "الكشكول" وكان الصوت الوحيد الذي يكتب الزجل فيها، حتى إن أول زجل نشره كان عن معاهدة 1936، قال فيه:

المعاهدة وضبوها...ثم قالوا لنا اشربوها

الله يخرب بيت أبوها... دي معاهدة مع الشيطان

تعملوا زفة وركبة... المعاهدة دي نكبة

وبريطانيا فوقنا راكبة... زودوها ركوب كمان.

وفي نهايتها يتوجه بالحديث للنحاس باشا أحد الموقعين على المعاهدة:

هو ده عشمنا يا باشا...ياللي أحلى من البغاشة

يلا أخرجهم بماشة...تبقى فارس في الميدان

 

ـ صاحب أول أوبريت للتلفزيون

عمل عبدالله أحمد عبدالله مساعدا للإخراج السينمائي، وكتب سيناريو عدد من الأفلام هي " نور العيون - حلوة وكدابة - أبو الدهب"، وفي مجال الإذاعة قدم العديد من البرامج في بدايتها وله أوبريت إذاعي باسم "آدم وحواء "، وكتب أول أوبريت للتليفزيون عام 1960، وأذيع في أول يوم للإرسال التليفزيوني، وكتب عدة أغنيات منها، أحن إليك في سكون الليل، مجمع الأحباب، وغيرها.

 

ـ ميكي ماوس والعقاد

يحكي زكي مصطفى في كتابه "مؤرخ زمن الفن الجميل" والصادر عن كتاب الجمهورية أن عبدالله أحمد عبدالله حكى له موقفا دار بينه وبين العقاد، يقول مصطفى:" دائما ما كانت تكلف السيدة روز اليوسف عبدالله أحمد عبدالله بالذهاب للعقاد وإحضار مقاله الأسبوعي ونقده العشرة جنيهات ثمن المقال، وذات يوم أخبرته أن يقول للعقاد أن يكتب في موضوع معين، وذهب عبدالله أحمد عبداله للعقاد وقال له:" مدام روزا بتسلم على حضرتك وبتقولك العشرة جنيه أهيه وياريت تكتب في موضوع كذا وكذا".

وهنا غضب العقاد وقال له:" قل للسيدة روزا أن العقاد يكتب ولا يستكتب".

 

ـ مواقف تشابه الأسماء

نشرت صحف السودان خبر نعي عبدالله أحمد عبدالله، قبل وفاته، حيث توفى أحد المصريين وكان له نفس الاسم، وكان ضمن وفد يزور البلاد، والتبس الأمر على الناس واعتقدوا أنه عبدالله أحمد عبدالله ميكي ماوس، وأرسل السفير المصري في السودان خطاب عتاب لنقيب الصحفيين حافظ محمود لعدم شكر الحكومة السودانية التي نعت الفقيد.

وكان ميكي ماوس يداعب النقيب بمطالبة بتقديم خطاب الشكر فيرد عليه النقيب :" كيف ارسل الشكر لناس شيعوا جنازتك في السودان وأنت أمامي في القاهرة"، وهنا رد عليه عبدالله أحمد عبدالله:" عندما يتصل أحدهم ليقوم بواجب العزاء ويقول لي من انت أقول له أنا المرحوم".

ومن المواقف التي تسبب فيها تشابه الأسماء ما حدث في الستينيات، حين كان عبدالله أحمد عبدالله يمر بضائقة مالية، ودخلت عليه ابنته جليلة وذكرته بموعد سداد قسط المدرسة، فطلب منها أن تذهب وسيحضر القسط، ولم يعرف من أين يأتي بالنقود اللازمة، وفوجئ وقتها بالشعر مصطفى عبد الرحمن يتصل به ويقول له:" إيه يا أستاذ عبدالله.. مش هتيجي تقبض فلوس حق الأداء العلني لأغانيك التي ألفتها وأذعتها؟"، ورد عبدالله في لهفة:" ثواني وهكون عندك يا ا مصطفى".

وقبض عبدالله أحمد عبدالله المبلغ ودفع أقساط ابنته وعند عودته لبيته فوجئ بتليفون من الشاعر مصطفى عبد الرحمن يخبره بان ما صرف له ليس مستحقاته وإنما هي مستحقات شاعر آخر، هو عبدالله أحمد عبدالله وشهرته عبدالله شمس الدين، واحتار ميكي ماوس كيف يرد المبلغ، وقد صرف اغلبه، ومرت الأيام ليفاجئ بالشاعر عبدالله شمس الدين يقف امامه ويأخذه في حضنه ويضحك ويقول:" يا عبدالله فلوسي هي فلوسك، أنا مش عاوزهم"،  وانخرطا في الضحك.

 

ـ معارك عبدالله أحمد عبدالله الصحفية

لعبدالله أحمد عبدالله العديد من المعارك الصحفية التي شنها في حملات على الكثير من أجهزة الدولة، ومنها حملته على "ألمسرح الشعبي"، والذي تحول فيما بعد للثقافة الجماهيرية.

كان عبدالله يسهر مع عمال وموظفي المسرح الشعبي، واستوثق منهم للعديد من الاخطاء التي يدار بها المسرح، فقام بحملة قوية جعل هدفها تطهير المسرح الشعبي، وركز في حملته على المسئول الأول وهو الدكتور محمد عمارشقيق عبدالرحمن عمار مدير الامن العام، وقتها لم يكن عبدالله يعرف الرجل وعرفه فيما بعد حين التقاه ليناقش معه الحملة وكيفية سبل التعاون للإصلاح، وخجل عبدالله من نفسه فقد كان محمدعمارة من الرجال الذين يحملون في دواخلهم خلقا حسنا وطيبة كبيرة، وأسفرت الحملة عن إصلاح كل الأخطاء التي ذكرها عبدالله أحمد عبدالله، بل إن وزارة الشئون الاجتماعية التي كانت مسئولة عن المسرح الشعبي في ذلك الوقت ضاعفت ميزانيته وزادت شعبه من شعبتين إلى خمسة شعب، انطلقت لتحمل الثقافة لكل ربوع الوطن.

وهناك معركة شهيرة لعبدالله أحمد عبدالله حين كان يرأس تحرير جريدة الحقائق، التي أصدرها أنور زعلوك، وحدث أن نشر فيها موضوعا عن قضية لعمال أوتوبيسات القاهرة دافع فيها عن حقوقهم، ونشر ما لديه من أدلة على بعض الانحرافات والتجاوزات، واستمرت الحملة ثلاث أعداد، فوحئ بعدها أنه مقدم للمحاكمة بصفته رئيس تحرير والتقى أنور زعلوك بعبدالله أحمد عبدالله وراح يتحدث معه وكيف أن السجن سيجعل منه بطلا أسطوريا، وأعلن أنه سيكون مسئول عن أولاد عبدالله في حالة سجنه.

وفي يوم نظر القضية أمام إحدى محاكم مجمع الجلاء القضائي كان أنور زعلوك قد اتفق مع مصطفى أغا المستشار القانوني لعدد من نقابات العمال كما اعد زعلوك مظاهرة تستقبل عبدالله أحمد عبدالله وهو في طريقه للمحكمة، وانتهت الزفة بمثوله أمام هيئة المحكمة، وحكمت وقتها ببراءة عبدالله أحمد عبدالله،ةوحمله المتظاهرون مرة أخرى وانفض المولد بعد سيرهم به على الاكتاف لمسافة كبيرة، ونزل عبدالله أحمد عبدالله ليتكشف سرقة اتنين جنيه من جيبه.