رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الضاحك الأبدي.. أسرار جديدة من حياة سمير غانم

سمير غانم
سمير غانم

 

«جوز ولوز وملبّس، وحلبة خضرا على ترمس».. نفس الكلمات التى أضحك بها الفنان الراحل سمير غانم الجمهورين المصرى والعربى، على مدار عقود، تحولت إلى كلمات رثاء ملأت مواقع التواصل الاجتماعى، بمجرد إعلان وفاة نجم الكوميديا، عصر أمس الأول.

ومثلما كان حضوره مميزًا كان موته كذلك، فالرجل سيطر بذكراه على الآذان والعقول والقلوب، وتضاءل كل شىء آخر يحدث فى الحياة، وتذكر الناس تاريخه المشرف فى فرقة «ثلاثى أضواء المسرح» إلى جانب الراحلين العظيمين الضيف أحمد وجورج سيدهم، وميراثه السينمائى والمسرحى والإذاعى، الذى أصبح دليلًا لكل فنان يحترم نفسه وجمهوره.

حَلم بمحل لبيع الملابس الهندية.. وأراد تجسيد «ابن بطوطة»

كان سمير غانم قادرًا على رسم الابتسامة على الوجوه بمجرد ظهوره على الشاشة، دون بذل أى مجهود، فقد زرع الله حبه فى قلوب الناس، وكان بإمكانه تحويل مشهد عادى إلى ذكرى مضحكة تعلق فى العقول. تمتع «غانم» بكاريزما جبارة، كان يعرف الطريق الأقرب إلى الضحك، وصنع بذلك قاعدة جماهيرية كبيرة فى مصر والوطن العربى والعالم كله، وما يؤكد أنه كان نجمًا فارقًا هو أن «إيفيهاته» تخصه وحده، إن قلدها بعده أى ممثل فلن يستطيع تحقيق نفس النتيجة التى يحققها «سمورة» بسهولة معتمدًا على صدقه وفطرته.

وبعكس نجوم آخرين، لم يهتم «سمورة» بالمال بقدر اهتمامه بإمتاع الجمهور، كان الضحك هو مكافأته التى يبحث عنها، ولم يكن يهتم سوى بأن يصل إلى القلوب، ويصفق له الناس.

قال الراحل، فى أحد لقاءاته التليفزيونية، إنه لا يريد المال، بل يريد أن يرى جمهوره فخورًا به وبأعماله الفنية، لذا كان دليله قلبه خلال مسيرته الفنية، وجسد شخصيات كثيرة ومختلفة، أكد فى كل منها أنه يحب فنه ويحترم ما يفعله ولا يريد سوى أن يضحك الناس.

ولم يكتفِ «سمورة» بصناعة «إيفيهات» عفوية وعبقرية، واهتم بجميع التفاصيل الأخرى المتعلقة بالتمثيل، كان يريد أن يحيط الضحك بالجمهور من كل ناحية، فارتدى ملابس غريبة ومميزة و«اكسسوارات» لا يزال كل مصرى يتذكرها. 

قال «غانم» إنه يحب الملابس الهندية، وحلم بأن يفتتح محلًا لبيع تلك الملابس، إن اعتزل الفن، ولم يحدث، وأشار إلى أنه يمتلك أكثر من ٢٥٠ نظارة يستخدمها خلال تجسيد شخصياته.. كان يحب الألوان، يراها تشبه الحياة والضحك، وخصص ركنًا فى منزله للاحتفاظ بكل «الاكسسوارات» التى استخدمها خلال مسيرته الفنية. «فطوطة مخرج أنتيكا اتعلم سينما فى أمريكا.. يرقص تانجو وشيكا شيكا بيكا.. وإحنا الجوز عاملين توريقة.. ننتج أفلام الفزورة لنجوم الفن المشهورة».. هكذا بدأ الفنان سمير غانم «تتر» فوازير «فطوطة وسمورة»، التى تعتبر أشهر شخصية فى عالم الفوازير.

قدم «غانم» خلال هذه الفوازير دور القزم «فطوطة»، وحرص على أن يكون ذا إطلالة مميزة، فاشتهر بالبدلة الخضراء والحذاء الضخم والباروكة السوداء، مع استخدام نبرة صوت مميزة.

ورغم أن العمل استمر لمدة ٣ أعوام فقط، فإنه نجح فى أن يجعل الجمهور من كل المراحل العمرية يتعلق به، حتى الآن، ويتذكر «فطوطة»، خاصة فى شهر رمضان. وقال أسطورة الكوميديا، خلال أحد لقاءاته التليفزيونية، عن كواليس تصوير فوازير «فطوطة وسمورة»، مع المؤلف عبدالرحمن شوقى، والمخرج فهمى عبدالحميد، إن الفكرة بدأت بالسعى لتقديم شخصية الرحالة «ابن بطوطة»، ثم تطورت لتصبح شخصية «بطوط». وبدأ التصوير بالفعل، لكن بعد مدة أدركوا أن شخصية «بطوط» بالزى الأسود لن تناسب الفوازير، وهنا وصلوا إلى شخصية «فطوطة» بملابسه المبهجة الكوميدية وأسلوبه المضحك.

مرض شقيقه وراء أفلامه التجارية

حينما اتهم عدد من النقاد سمير غانم بأنه يشارك فى أفلام «تجارية» لا تليق بمسيرة نجم مثله، شعر بالغضب، وقال فى لقاء تليفزيونى مع الإعلامية صفاء أبوالسعود، إن النقاد يهاجمونه دون أن يحاولوا البحث عن الحقيقة التى دفعته لذلك.

وأوضح أن مشاركاته فى تلك الأفلام كانت بهدف مساعدة شقيقه المريض بـ«الفشل الكلوى»، خاصة أن جلسات الغسيل كانت مكلفة للغاية، رافضًا فى الوقت ذاته وصف هذه الأعمال بأنها «أفلام مقاولات»» لأن «أى عمل فنى يستهدف تحقيق ربح مادى.. ما طبيعى إن المنتج بيعمل فيلم عشان يكسب.. هل أنا بقى عشان عاوز أكسب أبقى مقاول؟».

ومن المواقف التى لا تُنسى لـ«ملك الكوميديا»، أنه رفض استكمال لقائه مع الإعلامى وائل الإبراشى، بعدما وقعت بالتزامن إحدى العمليات الإرهابية فى شمال سيناء وراح ضحيتها عدد من رجال الشرطة، فحينها اعتذر لجمهوره، وقال إنه سيعوض غيابه عن تلك الحلقة فى وقت آخر، احترامًا لحزن المصريين.

وكشف «غانم» عن أنه لم يعتذر عن عدم تقديم أى عمل سوى مرتين، الأولى حينما توفى شقيقه، إذ تلقى الخبر فى أثناء تقديمه إحدى المسرحيات، فاعتذر عن عدم استكمالها، والثانية حينما رحلت والدته.

كان يتعامل مع زملائه بحب كبير، لا يسخر من أحد أو يضربه خلال التمثيل، فحينما كان يصادف مشهدًا يستوجب أن يضرب زميله، كان يعتمد على الحيل السينمائية كى لا يضطر إلى أن يفعل ذلك، لأنه لا يريد أن يؤذى أى شخص يتعاون معه.

ومثلما زرع سمير غانم الحب فى قلوب الجمهور، استطاع أن يزرعه بين أفراد أسرته، وبعيدًا عن قصة الحب الأسطورية بينه وبين زوجته الفنانة دلال عبدالعزيز، التى جمعتهما لمدة ٣٧ عامًا، حرص النجم الراحل أيضًا على القيام بدور الأب على أكمل وجه.

وتعلقت ابنتاه «دنيا وإيمى» به، وقالت الأولى فى لقاء تليفزيونى إنها تحرص دائمًا على احترام اسم والدها وتبتعد عن أى شىء يمكن أن يقلل من قدر الأسرة، معربة عن حبها الشديد له.

بينما قالت «إيمى»، أثناء استضافتها فى برنامج «صاحبة السعادة»، إنها تحب والدها لدرجة الجنون، مشيرة إلى أن تعلقها به وصل إلى زرع كاميرات داخل المنزل، للاطمئنان عليه بعد زواجها من الفنان حسن الرداد، لترى والدها كل لحظة وتتابع ما يفعله.

وتميز سمير غانم- دون غيره- بأنه صريح ويحب العفوية، واعترف بأنه لا يحب أن يقدم الأعمال المعقدة، بل يريد تقديم أعمال خفيفة وكوميدية ليستمتع الجمهور.

التحق بكلية الشرطة فى بداية حياته.. والزعيم شاركه فى «ثلاثى أضواء المسرح»

قال طارق الشناوى، الناقد الفنى، إن النجم سمير غانم ممثل مبدع، وأثبت أن الكوميديا فى العالم العربى ليست «درجة ثانية»، وخير دليل على ذلك تكريمه فى مهرجان القاهرة بجائزة «فاتن حمامة» التقديرية كأول فنان كوميدى يحصل عليها.

وأضاف «الشناوى» أن سمير غانم من أسرة صعيدية، وكان والده لواءً بوزارة الداخلية، ومثل أى أب فى العالم أراد الخير لابنه، فنصحه بالالتحاق بكلية الشرطة، لكن الشاب المحب للفن والكوميديا لم يتحمل الانضباط، حتى بمساعدة الفنان صلاح ذوالفقار، الذى كان ضابطًا حينها، لذا بعد رسوبه لعامين متتاليين، قرر فجأة أن يقدم فى كلية الطيران، لكن لم يتمكن من الالتحاق بها بسبب ضعف نظره، فالتحق بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية.

وواصل: «سمير غانم كوّن فرقته فى كلية الزراعة، وكانت تضم الفنان عادل ناصيف والفنان وحيد سيف، وبعد فترة تركه نصيف، لأنه رأى أن الفن المنضبط هو التابع للكنيسة فقط، أما الفنان وحيد سيف فلم يكن ملتزمًا، خاصة أنه كان موظفًا بجانب دراسته بالجامعة، إضافة إلى أنهما لم يتفقا فكريًا».

وأشار إلى أن الفنان الراحل تعرف على جورج سيدهم بعدما عاد إلى القاهرة، وعرض عليه العمل ووافق الأخير، واتفقا على ضم عنصر ثالث للفريق، واختارا الضيف أحمد، وبدأوا المسيرة بفوازير رمضان سنة ١٩٦٧ «الأبيض والأسود»، القائمة على نكتة وطبلة، متابعًا أنهم استمروا فى تقديم هذه الفوازير حتى سنة ١٩٧٠، عام السعد والشهرة بالنسبة لهم. وكشف عن أن الفنان عادل إمام كان يشارك فى فرقة «ثلاثى أضواء المسرح» بدلًا من الفنان الضيف أحمد، عندما يكون الأخير منشغلًا، وحينما توفى «الضيف» قرر «سمير» و«جورج» أن يكون ثالثهما عادل إمام، لكن الزعيم رفض بذكاء، لأن المقابل المادى والنجومية كانت ستقسم على ٣، بينما يريد هو أن يشق طريقه بمفرده.

وقال «الشناوى» إن المخرج فهمى عبدالحميد عرض على سمير غانم- بعد انفصاله عن جورج سيدهم- أن يعود لعالم الفوازير، من خلال «فطوطة وسمورة»، وبالفعل حققا نجاحًا كبيرًا ومبهرًا بهذا العمل. وعن المسرح فى حياة سمير غانم، قال إنه كان أهم فنان ارتجال ربما فى العالم وليس العالم العربى فقط، مشيرًا إلى أن كوميديا الارتجال صعبة وتستوجب أن يكون الفنان على قدر كبير من الذكاء وسرعة البديهة، لذا يعتبر «سمير» فنانًا مسرحيًا أكثر من كونه سينمائيًا.