رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أنتِ مني».. رواية عن كواليس الحياة التي لا نعرفها

نور عبد المجيد
نور عبد المجيد

عندما نشاهد عملاً درامياً مميزاً على الشاشة نتوحد مع أبطاله، نتمنى لو شاهدناهم خلف الكواليس، لنعرف أكثر عن حياة نجوماً عشقناهم، هذا ما سطرته الكاتبة نور عبد المجيد في روايتها "أنتِ مني"، الصادرة عن "الدار المصرية اللبنانية".

رواية "أنتِ مني" لا تحكي عما نشاهده على الشاشة، إنما تسرد لنا ما هو خلف الكواليس، تحكي عالماً ممتلئاً بالحكايات التي نجهلها، عن حياة ممثلين عشقناهم، لنكتشف أن حياتهم الواقعية ربما تكون أكثر تراجيديا مما نشاهده على شاشة التلفاز.

قدمت نور عبد المجيد في روايتها "أنت مني" قصة "زينب"، الفتاة القروية التي تعيش في إحدى قرى الفيوم الفقيرة، تسكن مع والدتها بائعة الدجاج، يعيشان الوحدة بعد رحيل الأب، ويقتاتان من بيع الدجاج في سوق القرية، لكن وفي لحظة ما ترغب زينب في أن تعيش حياة أفضل، لكنها تعجز عن إدراك السبيل لتلك الحياة، خصوصاً وأنها ظلت ترسب لسنوات في دراستها، وتعجز عن إنهاء مرحلة الثانوية العامة كى تلتحق بالجامعة، الشئ الوحيد الذي لم تفشل فيه هو بيعها للدجاج مع أمها في سوق قريتهم.

تنفتح الأبواب لزينب عندما يراها صدفة المخرج والمنتج "ناجي الكبير"، الذي قرر في نفس اللحظة أن تلك الفتاة الجالسة على الأرض، تلملم ذيل ثيابها الرثة، لن تكون سوى بطلة أهم أعماله السينمائية القادمة، من تأليف السيناريست "ناير البدري"، ومن إخراجه هو.

ترفض "حميدة" أم "زينب" ذلك المصير الذي تراه جنونياً لإبنتها، تظن أنهما مخادعان من القاهرة، حضرا يسرقان منها طفلتها الوحيدة التي تعينها على مشقة الحياة، غير أن "زينب" لها رأى آخر.

تختار "زينب" أن ترحل سراً دون علم الأم، باحثة عن نداهة السينما التي تغازل مخيلتها منذ طلبها المخرج "ناجي الكبير" للعمل معه، سقطت "زينب" بين شقى رحى، الحياة مع أمها كبائعة دجاج في سوق قرية فقيرة بصعيد مصر، أو الفرار إلى القاهرة، وهى تعلم أن الغد القريب ينتظرها بالعديد من مفاجآته المميزة، لتقرر الرحيل، حتى دون علم أمها.

رواية أنت مني للكاتب نور عبد المجيد عن الكواليس التي يغرق فيها نجوم الفن، كواليس تحمل في طياتها الوجع، فمن نراهم يضحكون على شاشات التلفاز وهم يعطون الفضائيات تصريحاتهم الصحفية عن حياتهم المرفهة بعد نجاحاتهم الكبيرة في الدراما، ما هم إلا بشر، سقطوا في دوامة الحياة، هكذا سقطت "زينب"، لكنه سقوط في ظاهره نجاح، بعد أن أصبحت بائعة الدجاج نجمة سينما شهيرة، يستوقفها المارة في الشارع كي يلتقطوا صوراً تذكارية معها، كي يحصلوا على تذكار يجمعهم بها، يلصقونه بجدران بيوتهم علامة مميزة عن شئ أسعدهم، عن فنانة تسلب عقولهم بفنها، لكنها حين تختلي بنفسها تتذكر حقيقة رحلتها الممتدة منذ قررت الفرار من منزل أمها، بحثا عن الشهرة، والنجاح، ولهثا خلف كاميرات الدراما، والسينما.

تضطر "زينب" للكذب، هكذا تبدأ طريقها في عالم الفن، كذبة ربما تراها صغيرة، لكنها في أمس الحاجة إليها، كي تقطع كل علاقة لها بالماضي، قررت أن تخبر الجميع أن أمها "حميدة" ماتت، وأنها حضرت للقاهرة بعد أن أصبحت وحيدة، ليقرر الجميع احتوائها، وتحضيرها كي تكون نجمة المستقبل، "ناير البدري" الذي استضافها في بيته، لتصبح في صحبة والدته، و"ناجي الكبير" الذي سخر لها كل الإمكانات كي يتم إعدادها بشكل متميز لتلحق بركب الفن، وآخرون بهرتهم بأدائها في التمثيل، رغم معرفتهم بحقيقة جذورها، في قرى الفيوم الفقيرة، لكنها تقرر أن تسلب عقولهم، وتسرق محبتهم برغبتهم، وتصعد إلى المجد من خلال السلم المرصع بالذهب والذي هيأه لها "ناجي الكبير".

النجاح يرفرف حول حياتها، لكنها في الحقيقة إمرأة مهشمة، موجوعة، اضطرت للكذب، والتضحية بأمها، كي تكسب حياتها الجديدة، إنسانة تعيش وحيدة، رغم كثرة من يلتفون حولها، وذلك هو شعور الوحدة الأكثر وجعا، أن تشعر أنك وحدك رغم كل هؤلاء من يقفون بجوارك، لكن لا أحد منهم أدرك ما داخل صدر الفنانة من اغتراب، وألم.

تسرد نور عبد المجيد بلغة سلسلة وسرد أكثر من رائع العديد من العوالم في كواليس حياة النجوم، وأسرهم، "ناير البدري"، الروائي والسيناريست، الذي ظل طويلا يسعى خلف شركات الانتاج دون أن يهتم به أحد، لكن واقعه يتغير عندما يقرأ "ناجي الكبير" ما كتبه "ناير"، ليصبح البدري بين ليلة وضحاها واحد من أهم الروائيين وكتاب السيناريو، تلهث خلفه شركات الإنتاج.

أيضا قصة "جودي" و"عامر"، قصة الحب التي لم تكتمل بسبب رغبة "جودي ناجي الكبير" أن تستقل بحياتها، لا تريد أن يحترمها الناس لأنها ابنة المنتج الكبير، لكن لأنها "جودي"، الفتاة التي اصطدمت بالحياة وتشربت الخبرات من كثرة تجاربها في سوق العمل، وفي سبيل تحقيق تلك الذات المستقلة تقرر أن تخسر حبها الوحيد، "عامر"، فقط لأنه قرر أن يتزوجها بشكل منفرد، دون أن يناقش الأمر معها.

"جودي" و"زينب" فتاتين قررا أن يختارا طريقهما في الحياة، لكن السبيل والنهاية اختلفت كثيرا، زينب قررت أن تتنازل كثيرا كي تصبح بطلة سينمائية، لكن جودي وصلت إلى النجاح دون أدنى تنازل، أو ضعف، لم تشعر بالوهن في أى لحظة خاضت فيها حياتها المستقلة، على الجانب الآخر عاشت زينب في حالة من الاغتراب النفسي، دفعتها لأن تقاسي في حياتها رغم النجاح الباهر الظاهر أمام الجميع.

تطرح نور عبد المجيد في روايتها الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية العديد من التساؤلات من خلال "أنتِ مني"، تساؤلات عن الذات، عن الحياة، عن السعادة، عن الحب، عن ماهية كل ما سبق، تحاول أن تصل إلى تعريف واضح للسعادة، والنجاح، تحاول أن تكشف الأقنعة التي يختبئ خلفها البعض، لتكشف زيف الحياة، واستطاعت عبد المجيد أن تحقق ذلك بامتياز، وأن تلمس بقلمها ذلك العالم الخفي، الكواليس التي يقف خلفها المخرج، والمصور، والفنان، تلك الكواليس التي لا نشاهدها، فقط نشاهد التمثيل، نشاهدالألف وجه الذين يتقمصهم الفنان، ليشعرك بمشاعر غير حقيقية، عن أنه يشعر بالسعادة، أو أن الحزن قد اخترق فؤاده.

غلاف الرواية

أنت مني
أنت مني