رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمل دنقل.. المتمرد الأبدى

أمل دنقل
أمل دنقل

 

«أنت إن سكتَّ متَّ، وإن نطقتَ متَّ، فقُلْها ومتْ».

هذه كلمات الشاعر أمل دنقل، صاحب الصوت المتميز والفريد من نوعه فى الشعر العربى المعاصر، جاء من صعيد مصر يحمل مخزونًا من الحواديت لا يضاهيه مخزون آخر، فبنى رؤيته المستقبلية لا كقارئ كف ولا كعراف، وإنما بنبوءة الشعراء، ارتفع صوته مع حركات المد الشعبى فى منتصف السبعينيات، وعلى الرغم من ذلك، فإننا ما زلنا نكتشف شعره ونعيد قراءته حتى الآن. فقد يكون الموت غيب جسده فى مثل هذا اليوم من عام ١٩٨٣، لكن لم يغب شعره عنا يومًا، بل ما زال محتفظًا بقيمته كواحد من أبرز قامات شعرائنا المعاصرين، مات والده وهو لا يزال صغيرًا فقوى قلبه واشتد عوده، ورث الصراحة من الوالد والطيبة من الأم، كان يعيش الحياة على سجيته حتى بعد أن سكن القاهرة، فعندما كان يعود إلى القرية يرتدى العمة والجلباب ويمسك بالعصى ويعمل بالزرع، كأحد أبناء هذا الطين، لا كأبناء العاصمة. لقد اختار أمل دنقل- كما قال أستاذه أحمد حجازى- الطريق الصعب، فـ«أنشأ لغته من لغة الكلام نفسها، لغة تجاوزت اللغة دون أن تتجاوز الحقيقة أو الواقع، فنتنفس فى قصائد أمل روحًا متمردة، قلقة أحيانًا، رافضة أحيانًا أخرى، لكنها محبة فى كل الأوقات». وودّعه يوسف إدريس بعد أيام من وفاته، فقال: «أيها السادة نحن فى حضرة أمل دنقل، عبقرية انتهت منذ أيام وإلى ألف عام من الآن- إلى مسافة تمامًا مثل التى كانت بين المتنبى وأمل دنقل- سنظل ننتظرها، ولن أطلب منكم الوقوف حدادًا، فنحن إذا وقفنا حدادًا سيكون حدادًا على عصر طويل قادم، حدادًا على العصر الذى سيمضى حتى يسب فيه رجالًا لهم شيم الرجال الذين كان يراهم أمل دنقل، وكرم الرجال الذين كان يحلم بهم أمل دنقل».