رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مدخل إلى الدراسة النفسية للأدب»: ما هو الإبداع وكيف يحدث؟

دكتور شاكر عبد الحميد
دكتور شاكر عبد الحميد

لحظات الكتابة مسألة لا يخلوا منها حوار صحفي أو لقاء تلفزيوني مع أى مبدع، ذلك حين يوجه الصحفي سؤالا للكاتب: "ما هى طقوسك فى الكتابة"؟ 

من كثرة طرح السؤال دون منهج مبني على قراءة لمشروع المبدع اعتبره البعض سؤالا مبتذلاً، مكررًا، ربما يردده السائل كنوع من أنواع النقل عن سابقيه دون أن يدرك أنه حين يتطرق إلى لحظات الكتابة لدى المبدع فهو يفتح بابا مهما تناولته الدراسات النفسية للأدب.

لحظات الكتابة، التي تشير إلى أهمية تهيئة الظرف المناسب الذي يمكن أن تتضح فيه الفكرة أو تنضج، أى أنه تكون هناك شروط معينة يرى المبدع، ضرورة توفرها حتى يوجد المناخ النفسي المناسب الذي يمكن أن تيسر  فيه الأفكار أو يسهل الوصول إليها خلاله؛ فيوشكين مثلا كان يفضل الكتابة فى الخريف، وكان روسو وديكنز يفضلان الكتابة صباحا، بينما كان بايرون ودستويفسكي يكتبان مساء، وكان تشيكوف يكتب فى شبابه على حافة النافذة، ولم يكتب الشاعر الفرنسي بيرانجيه أغانية إلا فى المقاهي الرخيصة، وكان إيليا أهرنبورج كذلك يجد جو المقاهي مناسبا للكتابة، والأمر نفسه لدى الروائي المصري وحيد الطويلة الذي لا يكتب رواياته إلا وهو جالس فى المقاهي.

مدخل إلى الدراسة النفسية للأدب

سؤال لحظات الكتابة إلى جانب أسئلة أخرى مثل، الإبداع، ما هو؟ كيف يحدث؟ وكيف يستمر، كيف تبزغ اللحظات الإبداعية وكيف ترتقي وتتوهج؟ أسئلة تشغل بال كل مبدع، يجيب عنها كتاب «مدخل إلى الدراسة النفسية للأدب – نظريات وتطبيقات» والصادر حديثا ضمن سلسلة رؤى نقدية التي تقدمها  الدار المصرية اللبنانية تأليف دكتور شاكر عبد الحميد.

يتناول الكتاب العلاقة المتداخلة بين علم النفس والأدب، ويقدم مدخلا تفصيليا لوجهات النظر المختلفة التي تبناها علماء النفس فى علاقة علم النفس بالأدب سواء على مستوى القبول أو الرفض. ويجيب الكتاب من خلال عرضه لهذه النظريات على أسئلة مهمة مثل، كيف يتم إنتاج الأدب؟ وبالأحرى كيف يتم الإنتاج لفن عامة؟ والأحلام والخيال فى الأدب، وعملية الإبداع فى الأدب، وشخصية الكاتب، والإبداع والمجتمع.

وفي كتابه الصادر حديثا عن الدراسة النفسية للأدب يقدم المؤلف تصورًا شاملاً لبداية هذه العلاقة منذ أوائل القرن العشرين حين بدأ ظهور اسهامات علم النفس فى ميدان الأدب، فظهرت كتابات فرويد، ويونج، وساخس، وجونز، وغيرهم، وقد تباينت كما - يقول المؤلف – استجابات نقاد الأدب والفن وعلماء النفس إزاء ما قدمه علم النفس، بين المؤيد تماما لهذا الاتجاه، أو المعارض تماما له، وفي هذا الكتاب المهم يتناول المؤلف مواقف هؤلاء وهؤلاء.

عملية الإبداع فى الأدب

محاولات دائمة لاستكشاف حالة الإبداع، قديما سعى النقد الكلاسيكي في سبيل تفسيرها، لكنه حين تحدث استخدم معايير معينة للحكم على عمل إبداعي، أو مشروع كاتب؛ كتب طه حسين في منتصف القرن العشرين أن الأدب ما هو إلا لغة، وصور جمالية، فمن يكتب لغة جزلة فصيحة مقدما من خلالها صورا جمالية بديعة فقد قدم أدبا. رؤية انتقدها محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس فى مجموعة مقالات نشرت فى كتاب بعد ذلك بعنوان «فى الثقافة المصرية»، حين قدما نظريتيهما عن علاقة الأدب بالمجتمع، حيث وضحا أن الأدب لم يعد مجرد لغة ومجازا واستعارات، إنما الأدب هو ذلك الإبداع الذي يكشف صورة المجتمع ويعريها ويقدم الواقع بين دفتي كتاب. واعتبرا - العالم وأنيس -  فى ذلك الوقت أن رواية «الأرض» لعبد الرحمن الشرقاوي فتحا عظيما للرواية المعاصرة على اعتبار أنها قدمت صورة واقعية للفلاح المصري، وكان اعتراضهما الوحيد على نجيب محفوظ حين قدما رؤيتيهما عن الأدب والمجتمع أنه يقدم شخصيات برجوازية فى كل رواياته متجاهلا شخصيات العمال والفلاحين.

معركة دارت رحاها بين أمين العالم وأنيس وطه حسين والعقاد فى محاولة شرح ما هو الأدب، ما الإبداع؟ لكن وقبل هذه المعركة بسنوات قليلة، تحديدا عام 1948، كان الطالب مصطفى سويف يبحث هو أيضا محاولا ايجاد إجابة، لكنها ليست إجابة ضمن أقسام كليات الأدب واللغة، إنما فى قسم علم النفس.

ناقش سويف رسالته للماجستير في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) بعنوان «الأسس النفسية للإبداع الفني للشعر خاصة»، والتي نشرتها دار المعارف المصرية فى طبعتها الأولى عام 1951 بمقدمة لرئيس قسم علم النفس بالجامعة دكتور يوسف مراد. 

ورغم وجود دراسات سابقة على سويف قدمها أستاذ الأدب العربي محمد خلف الله فى كتابه «من الوجهة النفسية فى دراسة الأدب ونقده» والتي نشرتها مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر عام 1947، ورغم بعض الكتابات المتناثرة التي قدمت نقدا للأدب اعتمد على التحليل النفسي، إلا أن سويف كان المؤسس لذلك العلم وصاحب الفضل فى الترسيخ له. مع الوضع فى الاعتبار أنه تواجد على المستوى العربي، منذ زمن طويل، اهتمامات واضحة من قبل النقاد والأدباء بالبعد النفسي فى الأدب، وقد تجلت هذه الاهتمامات في كتابات عبد القادر الجرجاني، وابن قتيبة، والفارابي، وابن مسكويه، وإخوان الصفا، وحازم القرطاجني، وغيرهم.

وحمل الشعلة من بعد سويف تلامذته، وعلى رأسهم عبد الحميد حنورة الذي قدم رسالته للماجستير في السبعينيات بعنوان «الأسس النفسية للإبداع الفني فى الرواية»، وشاكر عبد الحميد الذي قدم رسالته للماجستير بعنوان «الأسس النفسية للإبداع الفني والأدبي فى القصة القصيرة خاصة». ثم كتابه الذي بين أيدينا الآن «مدخل إلى الدراسة النفسية للأدب»

مقدمة وسبعة فصول

قسم الكتاب إلى مقدمة وسبعة فصول حاول من خلالها المؤلف تناول المسألة منذ النشأة، بدأ بالفصل الأول عن «فرويد والأدب»، ثم الفصل الثاني عن «يونج والنقد النماذجي والأسطوري»، ثم شرح فى الفصل الثالث «المنحى الموضوعي فى الدراسة النفسية للأدب»، وفى الرابع «الأحلام والخيال فى الأدب» ثم «عملية الإبداع فى الأدب» وقدم فى الفصل السادس «شخصية الكاتب»، وجاء الفصل السابع والأخير بعنوان «الإبداع والمجتمع»

وتتعدد النظريات التي يتناولها الكتاب عن علاقة علم النفس بالأدب بين الحديث عن الأحلام ودور الخيال فى تكوين المنتج الإبداعي وبين تناول اللاشعور الجمعي واسقاطه على شكل رموز داخل العمل الإبداعي للمؤلف. بين دراسة شخصية الكاتب وتكوينه النفسي وماضيه البعيد  الذي مؤكد أثر على اختياراته الأدبية.

أيضًا يدرس الكتاب شخصية الأديب المبدع، وعملية الإبداع ذاتها، ودراسة الناتج الإبداعي، من حيث توفر شروط التفرد والجدة والملاءمة وغيرها بداخله. وتدرس رابعا المجتمع الذي ييسر الإبداع أو قد يقوم بتعويقه أو تجاهله. 

هكذا يمكن الحديث عن تلك الجوانب الأربعة للإبداع في مجال الأدب، وهى: الشخص المبدع، والعملية الإبداعية، والناتج الإبداعي، ثم الماكن الذي يظهر فيه الإبداع.

ويشرح المؤلف فى كتابه أن تأخر الدراسة النفسية العلمية للأدب أو تعثرها فى حالات كثيرة، من ضمن أسبابه رفض نقاد الأدب، بل والأدباء أنفسهم، المعاونة في البحوث النفسية العلمية للأدب، وتجلى هذا الرفض مثلا في قول اثنين من أشهر النقاد المعاصريين هما رينيه ويليك وأوستن وارين:"إن الفن العظيم يتجاوز معايير علم النفس. أيضا تجلى ذلك الرفض فيما قاله الروائي الأمريكي وليم فوكنر:"في أى شئ تهم العقد النفسية الموجودة لدي؟ إن عملي فقط هو الذي ينبغي أن يوضع فى الاعتبار.. إننى كشخص غير مهم. ويشير إلى المؤلف إلى أن هذه الرؤية لدى فوكنر هى خلط واضح وشائع بين التحليل النفسي كما قدمه فرويد وأتباعه وبين علم النفس كعلم منهجي موضوعي منظم.

علم نفس الأدب والسعي لدراسة الإبداع على مستوياته المختلفة سواء الكاتب أو المنتج أو العملية الإبداعية أو المكان الذي يشهد هذه العملية عن طريق منهج موضوعي ومنظم من الأهمية بمكان فى فهم واستيعاب أسباب وأبعاد ونتائج وتطورات العملية الإبداعية، ويظهر ذلك جليا فى فصول الكتاب الأخيرة والتي تناولت مجموعة من التطبيقات على النظريات المطروحة فى مقدمة الكتاب، مثل فصل عملية الإبداع فى الأدب وفصل شخصية الكاتب وفصل الإبداع والمجتمع.

غلاف الكتاب

مدخل إلى الدراسة النفسية للأدب
مدخل إلى الدراسة النفسية للأدب