رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فقه بني إسرائيل (10) ..كائنات خارقة.. كيف يرى اليهود الملائكة والشياطين؟

يهودي
يهودي

تظهر الملائكة والشياطين بشكل غامض في التقاليد اليهودية، وتلعب دوراً كبيراً في قصص التوراتية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر؛ ولا توجد هوية واضحة أو وصف مُحدد لهم تتفق عليه النصوص اليهودية المقدسة، ولكن إجمالاً يمكن اعتبارهم كائنات تعبر عن الخير والشر، ولكن الوصف الأكثر دقة هو أن اليهودية تنظر إليهم كـ "كائنات خارقة للطبيعة" تلعب وظائف بعينها.

الملائكة في اليهودية

يتناول الكتاب المقدس "الملاك" بشكل صريح، ويصفه بمعلومات محددة، ويرسم له وظائف معينة يقوم بها، في التوراة منع ملاك إبراهيم من ذبح ابنه إسحاق، وظهر الملاك لموسى في الأدغال المشتعلة، وأعطى توجيهات لبني إسرائيل أثناء إقامتهم في الصحراء بعد الخروج من مصر، فاليهودية ترى أن الملائكة مرتبطة بشكل ثيق بالرؤى والنبوات. في العصور التالية، توسعت المصادر الحاخامية في محاولة هوية الملائكة، وأعطتهم أوصافاً متعددة في المجال الروحي.

تظهر الملائكة في جميع أجزاء الكتاب المقدس، فهم يعملون كناقلين للمعلومات، في سفر التكوين، ظهر ملاك لهاجر زوجة ابراهيم، وظهر ملاك لسارة، وأخبرها أنها ستلد ابنًا سيكون من نسله طائفة كبيرة لها شأن كبير.

من أشهر قصص الملائكة في الكتاب المقدس، قصة المصارعة بين يعقوب وملاكه طوال الليل، في الصباح عندما يطلب يعقوب من خصمه أن يعرّف عن نفسه، حذره الملاك من أن يسأل. بعد ذلك، اسماه يعقوب "وجه الله"، في شرح هذا الاسم،  توضح التوراة أن خصم المصارعة كان مبعوثًا من الله: "لقد رأيت كائنًا إلهيًا وجهاً لوجه، ومع ذلك فقد تم الحفاظ على حياتي".

في كتب الأنبياء  (الجزء الثالث من الكتاب المقدس)، يستمر الملائكة في أداء وظيفتهم كرسل، لكنهم يصبحوا مرتبطين أيضًا بالرؤى والنبوءات، حيث تم تسجيل رواية مفصلة بشكل خاص في الفصل الأول من سفر حزقيال، فيها يصادف النبي أربعة مخلوقات تشبه البشر، لكن لكل منها أربعة وجوه (إنسان، أسد، ثور، ونسر)، وأربعة أجنحة وأرجلهم ملتصقة بساق واحدة. تم تسجيل رؤية موازية لتلك في الإصحاح العاشر، وهناك من اعتمد هذا الوصف كوصف محدد للملائكة.

الكتاب المقدس لم يحدد الملائكة في أجزاءه الآخرى على هذا النحو، فالزائرون الثلاثة الذين أتوا إلى إبراهيم وسارة وهاجر موصوفون بأنهم رجال،على الرغم من أن المصادر الحاخامية تشير إلى أنهم كانوا ملائكة. وبالمثل ، يوصف الملاك الذي ظهر ليعقوب بأنه مجرد انسان. لكن المراجعات تؤكد أنه كان ملاك.

أم عن الأسماء، فغالباً لاتظهر لهم للملائكة أسماء، إلا في كتاب دانيال، وهي المرة الأولى في الكتاب المقدس حيث تظهر اسمه الملائكة: جبريل وميكائيل.

الملائكة في الأدب الحاخامي

بينما رغم أن الكتاب المقدس تناول الملائكة بشكل واسع، إلا أن الأدب الحاخامي شرح بشكل أكثر تفصيلاً،  الملائكة وأدوارهم في القصص التوراتية. 

يعرّف كتاب المدراش (تفسيرات دينية مقدسة) مايكل وجبرائيل وأورييل ورافائيل على أنهم الملائكة الأربعة الذين يحيطون بالعرش الإلهي، ولكل منهم سمات معينة، كما يعرف التلمود مايكل وجابرييل ورفائيل على أنهم الملائكة الثلاثة الذين زاروا إبراهيم وهاجر وسارة لإيصال الأخبار بأن زوجته ستلد ابنًا. على الرغم من أن الكتاب المقدس يسجل أن الرجال تناولوا وجبة أعدها إبراهيم لهم ، فإن الحاخامات ينصون على أن الثلاثة ظهروا فقط لتناول الطعام لأنهم  لكونهم ملائكة، ليسوا كائنات جسدية، لكنهم يشبهونهم فقط.

يتضمن المدراش العديد من الصور الخيالية للملائكة، فيذكر أن مايكل مخلوق بالكامل من الثلج، و جبرائيل مخلوق بالكامل من النار، لكن على الرغم من قربهما، إلا أنهما لا يضران بعضهما البعض – وهو ما تراه اليهودية رمزاً على صنع السلام.

كما تشير عدة مصادر مدراشية إلى أن مايكل هو المدافع السماوي عن إسرائيل على خلاف مع الشيطان سمائيل.

يصف المدراش آخرجدال بين الملائكة حول ما إذا كان يجب خلق البشر، في هذا النقاش، يؤيد ملاك الحب خلق البشر، بسبب قدرة الإنسان على التعبير عن الحب، لكن ملاك الحقيقة يختلف معه، خوفًا من أن يكون البشر عرضة للأكاذيب، فيما يجادل ملاك التوراة ويرى أنه ضد خلق الإنسان، معتبراً أنه لا ينبغي خلق الناس لأنهم سيعانون.

التلمود يتناول بشكل مفصل الطقوس التي تتعلق بالملائكة، فيصف الملاكين المرافقين لكل انسان أن أحدهما أحدهما صالح والآخر شرير، يرافقان شخصًا إلى المنزل من الكنيس في مساء يوم السبت. إذا وجدوا منزل الشخص جاهزًا ليوم السبت، إذا رآه جاهزاً كافئه، وإذا رآه يتجاهل طقوس السبت غضب عليه. 

أما موسى بن ميمون ، الباحث في القرن الثاني عشر، فيخصص جزءًا من كتاباته عن طبيعة الملائكة. ويصفهم بأنهم كائنات غير مادية، تمتلك الشكل لكن ليس لها جوهر. يقول موسى بن ميمون إن توصيف الملائكة بأنهم مجنحون أو مصنوعون من نار هي مجرد رؤى نبوية "غامضة"، ويصفهم بأنهم تسلسلًا هرميًا من 10 مستويات من الملائكة ، مثل المخلوقات المقدسة، فجميعهم يعرفون الله بشكل أعمق مما يعرفه البشر، إلا أن أعلاهم، الذين يعرفون أكثر من كل من هم أدناه ، لا يمكنهم معرفة حقيقة الله الكاملة.

أما التقليد الصوفي اليهودي فذهب إلى أبعد من ذلك على طبيعة الملائكة،  فصور الملائكة كقوى للطاقة الروحية، ووصفها بأنها "حزم طاقة ميتافيزيقية غير مرئية" تعمل مثل المغناطيس، وتسبب تغيرات فيزيائية عن طريق قوى غير مرئية للعين.

الشياطين في اليهودية

المصادر اليهودية بشكل عام لا تتناول الكثير عن الشيطان، ولكنه ورد ذكره في العديد من النصوص، يظهر الشيطان في الكتاب المقدس، وقد نوقش من قبل حاخامات التلمود ولكن تم استكشافه بالتفصيل في التصوف اليهودي، أو الكابالا.

يُترجم مصطلح الشيطان عادةً على أنه "خصم"، وغالبًا ما يُفهم على أنه يمثل الدافع الخاطئ، وبشكل عام، ينظر له كأنه القوى التي تمنع البشر من الخضوع لإرادة الله..

يحتوي الكتاب المقدس على إشارات متعددة إلى الشيطان. لكن تظهر الكلمة مرتين فقط، الأولى في إشارة موجزة في سفر زكريا، حيث يوصف رئيس الكهنة بأنه يقف أمام ملاك إلهي بينما يقف الشيطان ويحاول اتهامه، والمرة الأخرى في سفر أيوب حيث يلعب الشيطان دورًا مركزيًا في القصة كملاك في البلاط الإلهي. 

يظهر الشيطان مرات عديدة في التلمود، حيث يظهر في مقطع طويل في القصة التوراتية لربط إسحاق. وفقًا للحاخام يهوشع بن ليفي، فإن الشيطان هو الذي تسبب في يأس الشعب اليهودي من عودة موسى من جبل سيناء من خلال إظهار صورة النبي على فراش موته.

كما يتناول موسى بن ميمون، الفيلسوف اليهودي في كتابه " دليل الحائرين" وصف عن الشيطان، ويفترض أن وظيفته هي صرف الإنسان عن طريق الحق والاستقامة، فيما  يبدو أن موسى بن ميمون لا يعتقد أن الشيطان موجود بالفعل، بل إنه رمز للميل إلى الخطيئة. 

أما التقليد الصوفي اليهودي، فيقدم نصوصاً غنية ليس فقط للشيطان، ولكن عن عالم كامل من الشر تسكنه الشياطين والأرواح الموجودة بالتوازي مع عالم المقدس، ويجب مواجهته بالسحر والتمائم. 

تم التعبير عن العديد من هذه الأفكار لاحقًا في المعتقدات الشعبية اليهودية وفي أعمال الحسيدية (أحد التيارات الارثوذكسية)، حيث كتب الحاخام يعقوب يوسف من بولونيا، أحد التلاميذ الرئيسيين لمؤسس الحسيدية، بعل شيم طوف، أن الله سيقتل ملاك الموت في نهاية المطاف خلال عصر المسيح .

الاختلاف والتناقض في جوانب عديدة من اليهودية تظهر أيضاً في الرؤية إلى الملائكة والشياطين، ولكن حتى مع اختلاف التفاصيل، إلا أن اليهودية بجميع أطيافها تنظر لهم ككائنات خارقة.