رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكتاب الإلكتروني «Epub».. المحتوى الإبداعي في ظل جائحة كورونا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

على سلم طائرة متجهة إلى نيويورك، عام 2015، انتبه بهاء الحسيني، أنه ترك خلفه حلما يتعلق بتأسيس أضخم منصة لبيع الكتاب الإلكتروني في مصر، وربما الوطن العربي؛ غير أن خيبات متتابعة دفعته لقرار السفر، في محاولة للبدء من جديد!

يحكي الحسيني لـ"الدستور"، عن مشروعه الذي قدمه لفرع شركة اتصالات عالمية بالقاهرة عام 2009، لبيع الكتاب الإلكتروني من خلال منصة تابعة للشركة: "فكرت في تأسيس موقع للكتب يتيح الاستعارة من خلال دفع اشترك شهري في مقابل قراءة عدد معين من الكتب، في تلك الحالة أنت لا تشتري الكتاب، فقط تستعيره، وحاولت تنفيذ الفكرة واتاحتها عن طريق شركة للاتصالات من أجل تسهيل الدفع من خلال فاتورة التليفون. وعندما عرضت الفكرة على شركة عالمية للاتصالات في مصر رفضت بحجة أنها فكرة غير مطروحة لديهم، وفوجئت بعد سنوات أن الشركة نفذت الفكرة من دوني، مع تعديلات بسيطة".

فكرة راودت الحسيني عندما شارك في معارض فرانكفورت ولندن الدوليين للكتاب، عام 2007، عندما شاهد انتشار نوع جديد لعرض المحتوي يختلف عن الكتاب الورقي في شكله القديم، طورته شركة فرنسية عام 2000، يسمح بقراءة الكتاب على أجهزة ذكية متصلة بشبكات الإنترنت، يعطيك قدر من التفاعل مع الكتاب، ثم طورته شركة أمازون عام 2005، ودخلت على الخط بعد ذلك شركة جوجل، ثم تتابعت الشركات المهتمة بنشر الكتاب الإلكتروني، هو الكتاب بصيغة Epub ، اختصارا لـ  Electronic Publication، أو النشر الإلكتروني.

فوجئ الحسيني عام 2013 بإطلاق أول منصة مصرية لبيع الكتاب الإلكتروني، تحت رعاية نفس الشركة التي رفضت فكرته قبل سنوات، وفي ظل الأوضاع التي أصابت مصر عقب 2011، من تردي الوضع الأمني، والانخراط في أزمات اقتصادية متتابعة، هاجر إلى نيويورك، غير أن الحلم لم يفارقه، في ظل تسارع وتيرة سيطرة شبكات المعلومات على أدق تفاصيل الحياة المعيشة، فيما بات يعرف بالتحول الرقمي، وعصر الذكاء الاصطناعي!

درس بهاء في كلية الخدمة الاجتماعية أوائل التسعينيات من القرن الماضي، في تلك الفترة كان استخدام الانترنت في بداياته، ما استهوى الشاب المغرم بذلك العام الجديد، عالم الحاسب الآلي، وشبكات المعلومات، فقرر دراسته بشكل حر، بعيدا عن دراسته الحكومية:" درست الكمبيوتر بشكل حر سنة 1990 في جامعة دورة قدمتها جامعة عين شمس، ثم درست بعض لغات البرمجة، وذلك في عمر الثامنة عشر عام، واستمر التعليم الحر في مجال البرمجة، وكان ذلك أحد العوامل التي دفعتني للسفر إلى نيويورك في محاولة للبحث عن سوق آخر أستطيع أن اتفاعل خلاله مع أفكاري المطروحة عن النشر".

غير أن ما كان بعيد المنال بالنسبة للشاب بهاء الحسيني والعديدين غيره قبل عام 2020 أو مجرد بديل اختياري أصبح هو الملاذ للنجاة، والهرب من جائحة لا تبقي ولا تذر؛ فبعد انتشار فيروس كورونا أصبح التحول الرقمي في جميع المجلات أحد ملاذات النجاة!.

ـ الحياة أون لاين

أجبرت كورونا المصريين البحث عن بدائل للحياة "أون لاين"، تقلل من الاختلاط والتجمعات، بيد أن الإحصائيات المنشورة عن استخدام المصريين للإنترنت غير بعيدة عن ذلك العالم، بحسب تقرير "we are social"  لأبحاث الإنترنت، وصل عدد مستخدمي منصات السوشيال ميديا إلى 40 مليون مستخدم، يمثلون 40% من إجمالي عدد السكان، البالغ 100 مليون نسمة، ويصل عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عبر الهاتف الذكي 38 مليون مستخدم، ما يعادل 38%.

التقرير أكد أن كل مصريّ يقضي ما يقرب من 3 ساعات و4 دقائق يومياً على المنصات والتطبيقات المختلفة، ويستخدم 35% وسائل التواصل أثناء العمل، ويستخدم موقع الفيسبوك 39 مليوناً بواقع 36% من الإناث، و64% من الذكور، و11 مليون متابع لموقع إنستغرام؛ منهم 58% من الذكور، و42% من الإناث.

ويبلغ عدد مستخدمي واتس أب 2.36 مليون مستخدم؛ 79% من الرجال، و21% من النساء، ويأتي سناب شات في المرتبة الرابعة بعدد 3.05 مليون مستخدم، 73% من الرجال، و24% من الإناث، وفي المرتبة الأخيرة "لينكد إن" بعدد 3.06 مليون مستخدم؛ 71% من الذكور، و29% من الإناث.

ربما كان الاستخدام قبل أزمة كورونا للترفيه، أو التواصل الاجتماعي عموما، غير أن الوضع اختلف الآن، فمصير طفلك الدراسي أصبح متوقفاً على اختبارات يجريها على موقع إلكتروني، بعد قرارات أعلنتها وزارة التعليم في مصر مع بداية الجائحة، بإقرار التعليم عن بعد عن طريق موقع إلكتروني أطلقته الوزارة، إلى جانب أن تسوق البضائع ومستلزمات البيت بشكل آمن يجنبك كورونا لن يحدث إلا عن طريق التسوق من خلال المتاجر الإلكترونية.

حملات أطلقها شباب مصري على منصات التواصل الإجتماعي، من أجل تجنّب تفشي الوباء، دفعت مؤسسات عديدة لاستبدال البيع الإلكتروني بالتواصل المباشر، منها ما أعلنت عنه الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، من خلال حملات ترويجية على السوشيال ميديا، شارك فيها الأدباء، أشرف العشماوي، وطارق إمام، وهشام الخشن، وأحمد القرملاوي، تطالب القراء بالتزام منازلهم، وشراء الكتب "أون لاين".

مديرة النشر في الدار، نرمين رشاد، قالت في مقابلة مع الدستور:"لدينا شعور كناشرين بمسؤولية مجتمعية أمام ما يحدث، أطلقنا الحملة بالتنسيق مع أدباء من مصر، دعما للتسوق الإلكتروني منعا للتجمعات، وتقليل الخروج من المنزل". مضيفة: "من جانب آخر؛ إيقاف معارض الكتاب العربية تسبّب بخسائر كبيرة لصنّاع الكتاب في المنطقة العربية، خسائر الدار المصرية اللبنانية، وحدها وصلت 50%، وأصبح التوجه إلى التسوق الإلكتروني محاولة للخروج من الأزمة".

وأضافت رشاد:"نسبة مبيعات الكتاب الإلكتروني مقارنة بالورقي قبل الجائحة كانت لا تتعدى 1% من معدلات بيع الكتاب عموما، لكن بعد عام من التجربة ارتفعت النسبة إلى 15% لصالح الكتاب الإلكتروني مقارنة بالورقي".

ـ «دوت موبي»

رغم تصدر مواقع التسوق الإلكتروني في مجال بيع الكتاب سواء الورقي أو الإلكتروني غير أن المعرفة بذلك العالم لا تزال غير واضحة حتى بالنسبة للمتصدرين لصناعة الكتاب. ربما لا يعرف غالبية المشتغلين في النشر أن أول كتاب قدم بمعنى الكتاب الإلكتروني، في عام 2000، اسمه dotmobi، قدمته شركة فرنسية، وهو أول امتداد تم تنفيذه للكتاب الإلكتروني، ثم قدمت شركة أمازون عام 2005، مع طرحها لقارئ الكتاب الإلكتروني Kindle، امتداد آخر لصيغة الكتاب الإلكتروني Azw3، أوAzw  ثم اقتحمت جوجل ذلك العالم، إلى جانب تطوير فرنسا لذلك النوع من الكتب بداية من عام 2011.

الكتاب الإلكتروني بصيغة Epub ، عبارة عن ملف مضغوط، يحوي ملفات بصيغة XML و XHTML وما يلحق بها من صور وارتباطات،  وهو نوعان reflowable، و Fixed-Layout، والأخير معناه أن تتصفح الكتاب الإلكتروني على الهاتف المحمول أو الآيباد أو التابلت صفحة صفحة، أي أن الكتاب تم مسحه ضوئيا ثم صمم من مجموعة صور، سواء كانت صور jbg، أو png، أو pdf. فهي في جميع الأحوال تم تحويلها إلى كتاب إلكتروني لكن Fixed-Layout، وهو الصيغة التي نفذتها فودافون مثلا عام 2013 مع إطلاق منصتها لبيع الكتاب الإلكتروني بتكلفة تحويل للكتاب 40 دولار في ذلك الوقت، يدفعها الناشر، من أجل تحويل كتابه الورقي إلى كتاب بصيغة Epub Fixed-Layout.

الجزء الثاني Epub reflowable، تجد أن الكتاب المطبوع ورقيا عندما يتم تحويله إلى الكتروني تزداد عدد صفحاته على جهاز الهاتف المحمول أو الآيباد، والزيادة هنا مرتبطة بتقليل عدد الكلمات في كل صفحة حتى يتسنى للقارئ تصفح الكتاب على شاشة الهاتف المحمول، فإذا كان الكتاب ورقيا عدد صفحاته 160، سنجدها عند تحويله إلكتروني بصيغة Epub reflowable، 1000صفحة على جهازك المخصص لقراءة الكتاب.

لكسر احتكار أمازون للكتاب الإلكتروني نفذت الشركات المنافسة كتاب إلكتروني بصيغة Epub 2، وEpub 3، وتضمنت النسخة الأولى مشاكل مرتبطة ببعض اللغات التي تقرأ من اليمين لليسار، مثل العربي والعبري، وتم حلها في نسخة  Epub 3

ـ مؤسسة «هنداوي»

أول محاولة لبيع الكتاب الإلكتروني في مصر نفذتها شركة اتصالات عالمية في موقع «كتبي» عام 2013، لكن البدايات الفعلية لوجود الكتاب الإلكتروني كانت قبل ذلك بسنوات.

دار نشر «كلمات عربية»، سابقا، والتي أصبحت تعمل بعد سنوات من تأسيسها تحت اسم «مؤسسة هنداوي». أطلقت كتابها الإلكتروني مجانا عام 2007.  «مؤسسة غير هادفة للربح، تسعى إلى إحداث أثر كبير في عالم المعرفة»، بذلك العنوان يستقبلك الموقع الرسمي للمؤسسة، على شبكة الإنترنت، والذي يتيح 2000 كتاب للتحميل مجانا، بأكثر من صيغة، تناسب مختلف أجهزة القراءة الذكية، سواء PDF، أو EPUB، أو KFX.

مسؤول تحرير المحتوى بمؤسسة هنداوي، عمرو نور الدين، أشار إلى أن كلمات عربية نشأت سنة 2007، واعتمدت في البداية على النشر الورقي، مع إتاحة جزء إلكتروني مجانا للقراء بصيغة Epub.

يضيف نور الدين لـ“الدستور”: "خطة عمل الشركة، أو ما نستطيع أن نطلق عليه في عالم الااقتصاد   Business Model قائم على إتاحة الكتب المترجمة  إلكترونيا بشكل مجاني للقارئ، وذلك يستوجب بالطبع الاتفاق مع الناشر الأجنبي  مبدئيا على مجانية الترجمة، وهي واحدة من المعوقات التي واجهتنا في البداية".

عقبة أخرى تعلقت بلغة البرمجة، يوضح نور الدين:" اللغات التي تقرأ من اليمين إلى اليسار مثل اللغة العربية كانت تحتاج لمجهود كبير في أثناء تحويلها إلى كتاب إلكتروني، من مبرمجين متخصصين، المسألة التي تغلبت عليها هنداوي تباعا".

ـ تطبيق «رفوف» 

تواجد الكتاب الإلكتروني عربيا، من خلال شركات اعتمدت التحول الرقمي سبيلا لتقديم المحتوى، على رأسها شركة وتطبيق «رفوف» الإماراتية، الناشئة عام 2010، وهى بذلك أول منصة عربية للكتب الإلكترونية.

مديرة المحتوى الإلكتروني في شركة رفوف، ضحى الرفاعي، أوضحت أن الشركة تتعاقد مع الناشرين العرب لتوزيع كتبهم على المنصة وبأسعار تنافسية، مضيفة في مقابلة مع الدستور:"مع بداية العام أطلقت رفوف نظام الاشتراك الشهري الذي يتيح للمشترك جميع الكتب باشتراك يعادل سعر كتاب واحد فقط. ومن المهم التنويه أنها خطوة جاءت بطلب من الجمهور حيث أن المستخدم صار يرغب بنظام الدفع الشهري مقابل الخدمة".

حرصت ضحى الرفاعي على التنويه بأن رفوف لا تقوم بنشر أي كتاب بصيغة  PDF :"جميع الكتب على التطبيق هي بصيغة Epub  فقط، وذلك لأن القارئ الخاص برفوف يدعم العديد من الميزات التي لا تتاح عند استخدام نسخة بصيغة PDF، ومن أهمها تغيير نوع الخط، وحجم الخط، وطريقة العرض، ولون الخلفية، والأصوات الخاصة بالتركيز عند القراءة، والقارئ الآلي، وكتابة الملاحظات، ومشاركة الاقتباسات، والعديد من الميزات التي تجعل القارئ يعيش تجربة مشابهة لتلك التي اعتادها مع الكتاب الورقي".

تنويه الرفاعي عائد للخلط بين الكتاب الممسوح ضوئيا، بصيغة PDF، وهو مجرد تصوير للكتاب الورقي مع اتاحته للقراء - بشكل غير شرعي غالبا -  على مواقع الانترنت، وبين الكتاب الإلكتروني، الذي يتم برمجته بامتداد معين، ولغة برمجة محددة، تتيح تقديم المحتوى بأكثر من طريقة، فأنت تستطيع مع قراءة الكتاب الإلكتروني من خلال الأجهزة الذكية، مشاهدة فيديو، أو الاستماع لملفات صوتية، أو إجراء أي تعديل في النص المكتوب في أثناء القراءة، وبعض تلك الكتب تحتاج للاتصال بالانترنت عند القراءة، من أجل تحديث البيانات الواردة بالكتاب بشكل دائم، فلو ذكر في الكتاب أن عدد سكان مصر 100 مليون نسمة، مؤكد سيتغير ذلك الرقم بعد عام، بل بضعة أيام، هنا يتيح الكتاب الإلكتروني، إذا تم تنفيذه بالإمتداد ولغة البرمجة المناسبة، تحديث البيانات داخل الكتاب فور اتصاله بشبكة الانترنت!

الخلط بين الكتاب الإلكتروني وأي نوع آخر ليس المشكلة الوحيدة التي تواجه القائمين على ذلك، توضح ضحى الرفاعي:"من أهم المشاكل عدم اهتمام الناشر بالنشر الإلكتروني، مما يتطلب من القائمين رفوف ملاحقة الناشرين للحصول على حقوق نشر الكتاب بصيغة إلكترونية، كما أن أغلب دور النشر غير قادرة على انتاجه داخليا، مع أن تكلفته قليلة، ولا تتجاوز سعر كتاب ورقي واحد، لكن الناشر لا يقوم بانتاجه، مما يجعل انتاج الكتاب بصيغة EPUB  عبء علينا".

بعض تلك المشاكل بات التغلب عليها قريبا، تستدرك الرفاعي:"لاحظنا أن العديد من الناشرين يهتمون الآن بنشر كتبهم ورقي وإلكتروني بنفس الوقت؛ لتحقيق أكبر قدر من الانتشار، وهي ظاهرة سيكون لها الأثر الأفضل على هذه الصناعة، لقد كان عام 2020 عاما مرهقًا بالفعل؛ فقد زاد العبء على رفوف، وتم انتاج أكثر من 2500 كتاب إلكتروني ونشرهم على التطبيق، لأهم دور النشر العربية، بمتوسط عدد تنزيلات للكتب، في العام 2020، «288969» كتاب، وانضمت دور نشر إلى عالم الكتاب الإلكتروني للمرة الأولى".

بهاء الحسيني
بهاء الحسيني