رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل لطفي يكتب: الهجمة المرتدة التي قادتها مصر

وائل لطفى
وائل لطفى

أعاد مسلسل «هجمة مرتدة» المصريين، وأعادنى شخصيًا، لسنوات قريبة عاشتها مصر.. كانت هذه السنوات هى سنوات الحمل فى جنين الفوضى الذى ولد بعد ذلك.. كانت سنوات كذب.. فرءوس الناس على جثث الحيوانات، ورءوس الحيوانات على جثث الناس كما يقول الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور.. المنافقون رفعوا راية الوطنية، وعملاء المخابرات الغربية تم تقديمهم كرؤساء أحزاب وزعماء وطنيين، والأهم أن الدولة كانت فى حالة وهن، وتحلل، واستسلام.. وكأن لسان حال رأس النظام يقول «اخربوها كما تريدون ما دمت مستمرًا فى مكانى».. ولم يكن يدرى أن نمل العمالة والفوضى يأكل مِنْسَأتَه.. كانت الأزمة أن الوجوه التى كانت تهاجم وكلاء الفوضى لا تفعل هذا لوجه الله ولا لوجه الوطن، ولكن لوجه «التوريث».. كانت وجوهًا كريهة.. منفرة للدرجة التى بدا العملاء بجانبها مقبولين وجذابين ويحبهم الناس.. وفى مكان ما.. ووسط هذا الصراع بين طرفين يريد كل منهما الرضا والاعتماد من نفس الجهات الخارجية.. كان هناك رجال يرقبون ما يحدث.. يحفظون الوطن فى قلوبهم.. يضعونه على جلودهم وشمًا.. ويعلقون اسم مصر قلادة فى رقابهم. 

كان هناك رجال قِبلتهم مصر.. وليس غيرها.. وكان هناك من هو مثلى وغيرى كثيرون.. نترقب وننتظر.. لا نتلوث بأدران العملاء، ولا نتورط فى مخطط التوريث.. لا ندعى معارضة نعرف خبث أهدافها ورخص رموزها واتصالهم بالخارج.. ولا نراهن على شلة التوريث.. كان المصريون الوطنيون يراهنون على مؤسسات الدولة المصرية.. وكانت هذه المؤسسات بقدر التحدى.. ولبّى رجالها النداء. 

كان نداءً صامتًا.. سريًا.. روحيًا.. تناديه مصر وهى تتألم.. وهى تباع فى أسواق النخاسة السياسية.. وهى تتمزق بين الإخوان وعملاء الغرب.. وبين شلة التوريث التى كانت تستند للغرب أيضًا.. كانت مصر تبكى فى صمت.. لكن كان هناك من يسمع نحيبها الصامت.. وينتظر.. كان هناك من يُعد على العملاء أنفاسهم.. ويرقب تحركاتهم.. وينتظر لحظة الخلاص. 

أعادنى مسلسل «هجمة مرتدة» لهذه السنوات.. رأيت تاريخنا القريب يروى على لسان مصر.. لا على لسان المتمولين والعملاء.. رأيت أناسًا عرفتهم وحاورتهم ولم أثق فيهم بمقدار حبة خردل.. رأيت المثقف الخائن الذى تحول لمندوب أمريكا فى مصر.. ونسى أن الوطن هو الذى علمه ورعى تفوقه وأرسله يتعلم فى الخارج فأصبح سكينًا فى خاصرة مصر لا سلاحًا فى يدها.. رأيت السياسى الانتهازى المتمول والمتحرش خادم من يدفع، وتذكرت كيف كان غباء بعض صحفيى التوريث سببًا فى تعاطف الناس معه.. بدلًا من أن يكشفوا للناس حقيقته.. رأيت الإعلامى الإخوانى السمج المتستر بالإعلام، بينما هو يحقق للجماعة أهدافها باستخدام أموال قطر.. رأيت مصر التى كانت كذبيحة تنهش لحمها الكلاب.. أو هكذا كان يراد لها.. ورأيت أيضًا رجالًا «لم نكن نعلم عنهم وقتها» يرصدون.. يخططون.. يتحركون.. ويقودون «هجمة مصر المرتدة».. فما أعظمها من هجمة تلك التى قادها الرجال بعزم القلوب.. تحية لهجمة مرتدة فى الدراما.. وفى الواقع.. وتحية لمن قاد الهجمة وخطط لها ونفذها حاملًا روحه فوق كفه.. فبمثل هؤلاء تزدهر الأوطان