رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإرهاب لن يكون هو الحل


المجال الدينى إذن هو فى الأساس قناعة وقبول واعتقاد وإيمان، فهل هذا يمكن أن يكون بالعنف والترهيب أم بالحوار والترغيب؟ «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى ومن أشركوا يفصل الله بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد». فالإرهاب لن يكون هو الحل.

السياسة هى فن« الممكن»، والممكن هذا يرتبط بالتعامل مع الواقع بهدف تغييره للأحسن عن طريق إقناع الجماهير فى إطار المنافسة السياسية فى المفاضلة بين برنامج حزبى وآخر يحقق طموحات الجماهير ويحل مشاكلها ويحقق مجتمع الكفاية، والإقناع هذا لا ولن يكون بالترهيب والتخوين والابتزاز والإجبار واستغلال المقاطعة الدينية وادعاء الوصاية على الدين، ولكن الإقناع يكون بالحوار ويتم بالرضا ويكتمل بالرأى والرأى الآخر، وإذا كانت الجماعة قد وصلت إلى السلطة فى مصر فى ظروف وملابسات سيكشفها الواقع وستؤكدها النتائج وسيثبتها التاريخ، ولكنهم قد وصلوا فى ظلال انتفاضة سميت ثورة رفعوا شعارها وادعوا حمايتها وتعهدوا برعايتها وتحقيقها.

وغالبوا ولم يشاركوا كما وعدوا، وحصلوا على أكثر من نصف الأصوات بقليل، وبالصندوق وبحكم الوقائع التاريخية للجماعة لم يكن من الصعب معرفة توجهاتها وإدراك استراتيجيتها التى تؤكد أنها لا ترى غير ذاتها ولا تعرف سوى مصلحتها، كما أنها لا تؤمن بالوطن غير أنه مرحلة فى طريق تكوين الخلافة المبتغاة للوصول إلى أستاذية العالم، لذا قلنا وقال الجميع أن يكون حكمهم ورئاستهم للمصريين كل المصريين، ولكن حدث ما كان متوقعا ولكن بسرعة لم تكن فى الحسبان، فوجدنا السلطة والحكم والحكومة والرئاسة لا ترى المصريين ولكنها ترى الأهل والعشيرة، وجدنا طريق التمكين وسياسة التأخون، وجدنا محاولة طمس الهوية المصرية وتطبيق قاعدة «من ليس معنا فهو ضدنا».

وجدنا نظاما يحاول احتواء واختصار الوطن فى جواب تنظيم يسمى «الإخوان»، وجدنا مؤتمرات واجتماعات لا تعرف غير الأتباع والمريدين، وجدنا المصريين فى حالة اغتراب وهم فى أحضان الوطن، وجدنا حالة عداء بينهم وبين الوطن فلم نسمع عن نظام يوافق بل يجيز ويشجع على إسقاط هيبة الدولة وقد تجلى هذا فى محاصرة المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج ومحاصرة وتهديد المحاكم عند نظر قضايا الجماعة وأتباعها.

وجدنا من يسلم فى حدود الوطن التى يجب أن تفتدى بالدم الغالى، وجدنا ولأول مرة فى التاريخ من يعتدى على الأزهر وعلى الكاتدرائية وهما رمزان مصريان يدلان على عظمة التنوع ودلالة التوحد المصرى، وجدنا بياناً دستورياً فى نوفمبر 2012 يعصم الرئيس ويسقط الديمقراطية ويلغى مبدأ الفصل بين السلطات، وجدنا رئيس دولة يجمع مريديه ويسمع تابعيه من الأهل والعشيرة وهم يهددون الشعب المصرى بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم يخضعوا للجماعة وما تريد، وهنا ولهذا كان موقف الشعب بالمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة.

فكان الرفض والتجاهل والتعالى على الجميع فخرجت الجماهير بالملايين فى موقف غير مسبوق انحاز لها الجيش مثلما انحاز للشعب فى 25 يناير 2011، وذلك حقنا للدماء وتحاشيا لصدام أبناء الوطن الواحد، هنا يتحدثون عن الديمقراطية التى جاءت بالرئيس عن طريق الصندوق، نعم لا شك فى هذا، ولكن لم يتحدث عن الديمقراطية هذا إذا كان يؤمن بها بالفعل، فالديمقراطية ليست هى الجانب الإجرائى فقط، ولكن الأهم هو الجانب القيمى لها، فالصندوق مجرد شكل ولكن المضمون هو رأى الشعب وإعلان إرادته، فالديمقراطية الإثنية وهى الأصل قد بدأت بما يسمى بالديمقراطية المباشرة وهى التى يخرج فيها الشعب بنفسه ليعلن رأيه بعيدا عن شكل الصندوق ولكن بالشكل المباشر وهذا ما حدث فى يناير ويونيو.

وبالرغم من ذلك فإن خارطة المستقبل لم تقص أحداً من المشاركة فى العملية السياسية بعيدا عمن تلوثت يديه بالدماء وهذا ما يجب أن يكون حتى الآن وبعد إعلان الجماعة بأنها إرهابية وذلك لفتح الباب لمن يريد من أعضاء الجماعة فى المشاركة السياسية فهذا حق لكل المصريين فى إطار الدستور والقانون وبعيدا عن العنف بكل أشكاله،ولذا كان من حق الجماعة أن تسعى وتعمل من أجل استرداد السلطة أو الشرعية كما يقولون ولكن كيف وبأى الطرق؟ الشرعية والسلطة تأتى بالمشاركة السياسية فالحياة لن تتوقف ولا أحد ينكر أنه لا أحد يستطيع القضاء على الأفكار ولا أحد ينكر أنه مازال هناك تعاطف ما مع الجماعة كان يؤهلها لحصد عدد من مقاعد مجلس الشعب. وهذا لن يكون بغير طريق العمل السياسى والحوار والإقناع بالرأى والرأى الآخر، وليس بالعنف والترهيب.. وهنا حتى ولو لم نتكلم عن العمليات الإرهابية الجبانة حتى يحسم القضاء، فهل هذا العنف فى المظاهرات والاعتداء على الأساتذة فى الجامعات والهدم والتكسير وإحراق السيارات وغير ذلك، هل هذا عمل سياسى ينتج مزيدا من الأتباع والمتعاطفين؟ لا أعتقد، هل الجماعة قد حسمت أمرها ونفضت يديها بعيدا عن العمل السياسى؟ وما البديل؟ فلا العنف ولا العودة للعمل السرى هوالحل، الحل هو المسار السياسى والحوار والتوافق، ولكن الإرهاب لمن يقترفه لا يحل مشاكل ولا يعيد سلطة ولا يجمع شعباً.

■ كاتب وبرلمانى سابق