رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أنت مسلم»... حكاية الشيخ محمد رفعت مع الريحاني وبديع خيري

بديع خيري والريحاني
بديع خيري والريحاني

«إيه رأيك يا شيخ سيد في هذه الكلمات»؟، هكذا سأل الشاعر والكاتب والمسرحي بديع خيري (1893-1966) صديقه الشيخ سيد درويش؟ فرد قائلاً: «جميلة.. لكن الإنجليز أصدروا فرمانًا يحذرون فيه من الغناء باسم سعد باشا بعد نفيه هو ورفاقه إلى جزيرة سيشل.. ومن يأتي بذكر اسمه، سيُجلد أو يُسجن!

- لكننا لن نُغنى فى هذه الأغنية باسمه؟ ثم واصل بديع خيري كلامه قائلاً: إذن أنت تريد أغنية نُغنى بها لـ «سعد باشا» ونتحايل بها على الفرمان الإنجليزي..

رد سيد درويش: بالضبط.. هذا ما أُريده، بل إننى أُريد أغنية يرددها الشعب كله باسم سعد باشا. رد بديع خيرى وهو ينادي على القهوجى.. إذن «حاسب» على المشاريب.. وسأذهب أنا إلى المنزل.. وبالليل نلتقي هنا.

***

[ المقهي - بشارع عماد الدين]

فى المساء جاء بديع خيري وجلس أمام سيد درويش وهو يردد:

[- يا بلح زغلول.. يا حليوة يا بلح

- عليك أنادى.. فى كل وادي

- قصدى ومرادى.. زغلول يا بلح

- سعدي وقال لى.. ربى نصرني

- وراجع لوطنى.. زغلول يا بلح]

"هو ده.. الله ينور عليك يا بديع" .. ثم أخذ (الشيخ سيد) الكلمات ولحن الأغنية التي تغنت بها مطربة اسمها «نعيمة المصرية» لتصبح الأغنية وكأنها سلاح يساند به المصريون زعيمهم في منفاه، فلا يخلو بيت ولا شارع فى الريف أو الحضر، إلا ويًسمع منه صوتا يغنى - أو ينادى:

[ - يا بلح زغلول.. يا زرع بلدى..

- عليك يا ولدى.. يا بلح زغلول]!

***

بعد هذا اليوم بـ 10 سنوات أصدر «بديع خيري» صحيفة أطلق عليها اسم «النهاردة» كان هدفها الأساسي الجهاد ضد الاحتلال. وكتب أعلى الصفحة الأولى «الأمة مصدر السلطات» ثم بعد إصدار الصحيفة بعام آخر رزقه الله بابنه الذي كان يتوقع أن يكون امتداده. وأطلق عليه اسم «عادل»، لكن القدر لم يمهله، فمات ابنه الفنان عادل خيري- [ أنت جاية تشتغلي آيه...؟ سواق يا ست هانم ! والله العظيم سواق] - وهو في عنفوان شبابه عند 32 سنة مثلما مات رفيق دربه سيد درويش في عز شبابه عند 30 سنة و10 شهور و17 يوماً.. مات الصديق.. ومات الابن.. ماتا « قبل الأوان » !

***

[القاهرة- 1940]

في ذلك العام رحلت والدة الفنان بديع خيري. وكان العزاء مقام بالقرب من بيت العائلة بوسط القاهرة. القارئ الذي يرتل القرآن تأخر عن موعده قليلاً، وصادف أن جاء الشيخ محمد رفعت - حيث كان صديقًا للأسرة - بعد دقائق صعد على كرسى مرتفع قليلاً، ثم بدأ يقرأ القرآن. وعندما فرغ من آيات الذكر الحكيم. أخذ طريقه للخروج.. وفى نفس التوقيت جاء الصديق الآخر نجيب الريحاني الذي كان في طريقه للعزاء. فى مدخل السرادق تقابل الشيخ محمد رفعت بنجيب الريحاني..

سلم عليه الشيخ رفعت وقال له:

- "على فكرة..بديع خيري مسلم يا نجيب أفندي". اندهش الريحاني وهو يبتسم للشيخ ثم ودعه ودلف إلى داخل العزاء مسرعاً. وبعدما جلس بجوار «بديع خيري» قال له:" هو أنت مُسلم يا بديع؟

- هز رأسه: نعم

- ولكنك لم تخبرني من قبل أنك مسلم!

- وأنت لم تسألنى من قبل حتى أُخبرك"

ابتسم نجيب الريحاني فى اللحظة التى بدأ فيها الشيخ الجالس بالقرب منهما يتلو آيات الذكر الحكيم.. وبديع خيري يحمل له فنجان القهوة المظبوط.؛ وذلك حسبما روي الكاتب الصحفي خيري حسن في كتابه "أبي كما لم يعرفه أحد".