رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمود خليل يكتب: لاعب فى سيرك

ابن آدم فى زماننا هذا لازم يكون لاعب فى سيرك.. ينط حين يريد الناس أن ينط.. يسير على الحبل إذا وجد متعتهم فى ذلك.. ينكفئ على وجهه إذا أضحكهم ذلك.. هذا الزمن لا يحتاج إلى من يفهم.. بل إلى من يطيع.. ارتسمت صورة «سليم» والد «آدم الحفيد» وهو ينصحه بهذه العبارات.. قال لنفسه: متى أقوم وأجرى وأعبث.. وأروح وأجىء وأنط.. ينظر إلى جده آدم ويسأل: متى يا جدى.. متى؟.. فيرد الجد: تنقضى الخطوة عندما يأذن الله بها.. وكل خطوة ويلزمها ألف سلامة.

كل خطوة ويلزمها ألف سلامة يا حسن.. أكثر عبارة كان يرددها والد الترجمان على مسامعه.. استجاب «الترجمان» لرأى زوجته والتقى عزالدين الألفى، وتقدم للعمل كمترجم فرنساوى فى القلعة وقبل. وبدأ عمله بهمة وإخلاص كما تعود.. انضم إلى مجموعة العاملين فى مشروع «إحصاء النفوس». أراد الوالى أن يضبط عملية جمع الضرائب من السكان عن طريق الإحصاء الدقيق لسكان كل خط من خطوط مصر.

اختير «الترجمان» ضمن أعضاء المشروع بحكم مهارته فى الترجمة، حيث يشرف على المشروع خواجة فرنسى.. بالإضافة إلى إتقانه قواعد الحساب والعد.

ها هو يتحرك مع فريق التعداد الذى يضم عددًا من البصاصين ومشايخ الحارات والكتبة ويتصدره المدير التركى «سليمان باشا» المسئول عن «قلم الإيرادات».. بالأمس لاحظ «الترجمان» أن الكتبة يهملون فى قيد بعض البيوت ومن يوجد فيها من سكان.. لم يظن فيهم سوءًا.. «إن بعض الظن إثم».

الفريق اليوم فى شارع النحاسين يواصل العمل.. يلاحظ أن الكتبة يتعمدون إهمال تسجيل بعض البيوت والأسر.. يدرك أن المسألة ليست إهمالًا.. يذهب إلى أحدهم ويقول له:

¿ الترجمان: لقد نسيت أن تسجل ثلاث أسر داخل هذا البيت.

¿ الكاتب: كله مسجل.. دعك منى.

¿ الترجمان «بصوت مرتفع»: لقد أهملت أسرتين أخريين فى البيت المجاور له.. ما مقصودك بالضبط؟

يجرى على «الترجمان» أحد مشايخ الحارات ويقول له:

¿ شيخ الحارة: هدى خُلقك يا حسن أفندى.. الكتبة يقومون بواجبهم على أكمل وجه.

يشعر حسن أن ثمة تواطؤًا لابد من إبلاغ البصاصين عنه.. يبلغ أحدهم فيتركه وكأنه لم يسمعه.. فجأة يجد المدير التركى «سليمان باشا» فوق رأسه يعنفه قائلًا:

¿ المدير التركى: عرب لار.. ما شأنك بالأمر؟.. افعل ما يطلب منك وفقط.

¿ الترجمان: لكنهم يسرقون!

¿ المدير التركى: أنا المسئول هنا وليس أنت عرب لار.

ينتحى «الترجمان» جانبًا» ويشعر أن ثمة تواطؤًا بين الكتبة ومشايخ الحارات والبصاصين والمدير التركى لاستبعاد بيوت أو أسر معينة، ليتم جمع «الفرض» منها بعيدًا عن الوالى.. يقف ساهمًا لا يدرى ما يفعل.. ولا ينتبه إلا بالخواجة الفرنساوى، وكان بعيدًا عن المشهد، يضع يده على كتفه.. يسأله عن الأمر.. فيخبره بما حدث.. ينصحه الخواجة بتقديم عرضحال فى القلعة وسوف يعرض على الوالى وينزل بهم أشد العقاب.

¿ الشاب «ضاحكًا»: مؤكد أن «جدى حسن» عمل فيها «أبوعلى» وكتب العرضحال.

¿ الشيخ: وماذا يفعل رجل يخاف يوم الحساب؟

¿ الشاب: لو لحق أبى «سليم» واستمع إليه لتعامل مع الأمر بشكل بهلوانى حلزونى مختلف.

¿ الشيخ: «وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين».

كان «الترجمان» رجلًا يعرف كيف يواجه أقداره.. ولم يكن يرضى بأن يربح الدنيا ويخسر نفسه.