رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد القصبي يكتب: زواج يفترض أن يكون مثاليا.. لايتم!

أظنهما مهيئين لعش زوجية سعيد، أظنهما لن يتزوجا.

تعارف تقليدي من خلال وسيط، اتفقا على التواصل بضعة أشهر

جميع من حولهما يرون أنهما يكادان يتوحدان حول الكثير من الأساسيات، كل يحظى  بضمير حي، كل نشأ وترعرع في أسرة ربت أبناءها بمال لم ينضح مليم واحد منه بشبهة الحرام، كل توارث تلك القيم ويكابد في أن تكون نهجه في الحياة، ألا يكفي توافر ذلك في شابة وشابة لتهيئة مناخ لحياة زوجية سعيدة؟

هي..

حين التحقت بوظيفة في شركة كان رؤساؤها وزملاؤها ينظرون إليها كفتاة ساذجة لصرامتها في رفض ماترى أنها لم تبذل في مقابله جهد، لم يحدث أبدا في أي موقف أن ضعفت ومدت يدها لتحصل على مالا تستحق.

ومع تفشي كورونا لم تكف عن مطالبة الإدارة باتخاذ ما يكفي من الإجراءات لحماية  موظفيها، وحين لم تستجب الإدارة قدمت استقالتها.

والدها يراها النموذج لما تنبغي أن تكون عليه أسس المواطَنة الصحيحة، لكنه يتابعها بشفقة ويخشى عليها من المعاناة مع مجتمع يسير الكثير من أبنائه أمورهم بالتحايل ليس فقط التحايل على النظم واللوائح والقوانين بل أيضا على  الله.

هو..

مثلها، يراعي قيم الاتقان والدقة والأمانة في عمله، هذا ماورثه عن أبويه، جيوبه موصدة بألف قفل أمام أي مليم ينضح بشبهة الحرام، لكنه ليس مثلها المنظور الذكوري بداخله للمرأة تعرض لحالة من التلاعب، ذلك رغم صرامتها  في السير على الصراط المستقيم في كل سلوكياتها إلا أنه  يرى تدينها مختلا.

ذلك لأنها من منظوره الذكوري هذا لا ترتدي زيا إسلاميا  

لم تلتقط قرون استشعاره من كينونة تلك الفتاة، لا خلقها ولا أمانتها، ولاصلواتها وصيامها، ولا استيقاظها ليلا لتصلي القيام وترتل شيئا من القرآن، إلى أن يأذن الفجر فتؤدي الصلاة إما جماعة مع أي من أفراد أسرتها أو بمفردها.

لاشيء من هذا ولا نقائها النفسي جذبه وتوقف عنده

فقط طريقة لبسها يريدها على ما يبدو تغرق كيانها الإنساني في خيمة، ويرى أن  من لاترتدي زيا إسلاميا فهي مهيأة لارتكاب الآثام والذنوب.

هي معتدلة في لبسها وكأنها تطبق ما يردده والدها: العري مثل النقاب كلاهما يقللان من إنسانية المرأة.

خلال تجهيزي لمادة كتاب بعنوان "الغيبي والخرافي في الثقافة الإسلامية" لفت انتباهي أن غالبية الآيات التي تبدأ بـ"الذين آمنوا يعقبها وعملوا الصالحات".

لكن للأسف بعض من مشايخنا، كثير منهم في وعظهم يتغافلون عن العمل الصالح، يتغافلون عن الأمانة والعدل والاتقان في العمل ومراعاة حقوق الغير، جوهر الدين هذا  قلما يتطرقون إليه، وكل تركيزهم مطالبة المسلم بأن يصلي على النبي 3 آلاف مرة كل صباح، أما أن يقتدي بسلوك النبي في تعامله مع جيرانه مثلا في نظافته، أمانته، عدله، فهذه أمور ثانوية قلما اقترب منهم أحدهم، يطالبون المسلم أن يبدأ أي سلوك له بالبسملة دون أن ينبهوا إلى أن يكون السلوك خيرا، ليبدأ الزاني جريمته بالبسملة والحرامي قبل فتح الخزنة بقراءة الفاتحة، فإن وجد مالا وفيرا سجد لله شاكرا وربما أدى ركعتي شكر قبل أن يغادر المكان.

منذ عدة سنوات واكبت امتحانات الثانوية العامة شهر رمضان، شهر الورع والتقوى، نصوم، نفطر على تمرة، نصلي العشاء والتراويح والقيام وقراءة القرآن، والفجر جماعة، وصباحا نتجه الطالب والطالبة وولي الأمر والمدرس إلى لجان الامتحانات لنحيلها إلى معجنة غش، ولا أحد يرى في ذلك كبيرة من الكبائر.

المهم هل بسمل الطالب قبل الإجابة على الأسئلة؟ هل ترتدي الفتاة نقابا شرعياً؟ حتى لو كانت تخفي "البراشيم" في ثناياه أو موبايل تتلقى من خلاله الإجابات من أحدهم خارج اللجنة؟

كل هذا لايهم حتى لو حصلت الفتاة بالغش على 99% والتحقت بكلية الطب، وأصبحت طبيبة مؤتمنة على صحة الناس، المهم أنها ترتدي لباسا "إسلاميا".. المهم أنها تراعي الله في ستر كل مافيها باعتباره عورة حتى صوتها فلا تنبث بحرف في اللجنة ولا ترد على من يمليها الاجابات عبر الموبايل.

ولا أبالغ خلال تلك الفترة تابعت مشايخنا في القنوات الدينية في المساجد، لعل شيخا واحدا روعته مصيبة الغش الجماعي في امتحانات الثانوية العامة فيصرخ مذكرا الأمة بالحديث الصارم من غشنا فليس منا.

لا أحد، كانوا مشغولين كعادتهم بالحديث  عن أبي حنيفة الذي أمضى 40 عاما يصلي الفجر بوضوء العشاء، وحديث  حذيفة عن قراءة النبي لسور البقرة وآل عمران والنساء في ركعة واحدة خلال القيام، والقرد الذي اقتص من صاحبه بائع اللبن الغشاش والمرأة التي ستعلق من شعرها في نار جهنم لأنها سمحت بخصلة تنسل من تحت الحجاب، وليس مهما إن كانت تلك المرأة طبيبة التحقت بكلية الطب بالغش.
 

هذا التسطيح الكارثي للخطاب الديني أفزعني، أسرعت  إلى تنظيم أكثر من ندوة في قاعة مصطفى أمين بمؤسسة أخبار اليوم دعوت إليها بعض من كبار مشايخنا وخبراء التعليم، لتداهمني خبيرة تربوية بجسامة المأساة التي نعاني منها في عبارة موجعة: “نحن ببساطة نتحايل على الله”، طبقا لفتاوي مشايخ الفقه البدوي نبسمل ونصلي على النبي آلاف المرات، وتنتقب نساؤنا ويمنع حتى تداول أسمائهن على ألسنتنا باعتبارها عورة ومع ذلك نرشو ونرتشي ونغش في الامتحانات ونلقي بمخلفاتنا في الشوارع، ذنوب وآثام نرتكبها على مدار الساعة، لكن هذا لايمس جوهر الدين من منظور مشايخنا، المهم هل صليت على النبي اليوم ألف مرة؟.

 خلال مداخلة له

مع الإعلامي عمرو أديب على قناة إم بي سي مصر، قال وزير الأوقاف د.محمد مختار إن مصر تحولت من بلد الألف مئذنة إلى بلد المئة ألف مئذنة، حيث يوجد الآن مئة ألف مسجد كبير، بالإضافة إلى 40 ألف مسجد صغير.

والسؤال الذي  يؤرقني: “هل كل هذه المساجد الـ140  ألفاً تقوم بدورها في نشر الدين الصحيح؟”.

طبقا لتقرير منظمة الشفافية العالمية في برلين احتلت مصر المرتبة 117 في قائمة الفساد من 180 دولة، أهذا يليق بشعب يشاع عنه أنه متدين ولديه 140 ألف مسجد؟

وما أكثر المفارقات الصارخة في الخطاب الديني الشائع.

بعض من وعاظنا يوقنون - ولا أدري من أين استمدوا هذا اليقين، ربما من الفقه البدوي الذي هبت علينا رياحه من شرق البحر الأحمر- أن الله العلي العظيم ماأنزل دينه إلا لأمر واحد، تأديب نسائنا وترويضهن، نقاباً وغض بصر، وطاعة وإذعانا للذكر، لاشيء لديهم في دين الله سوى إنذاراته سبحانه وتعالى لنسائنا إن حتى سُها على إحداهن وانسلت شعرة من رأسها على جبهتها، أو مدت يدها لتحية رجل، وخلال إحدى زياراتي لقريتي جلست مع بعض الشباب نتحاور في شئون القرية فإذا بشاب يترجل من على موتوسيكل ويقوم بتوزيع دعوات لحضور حفل زفاف، تناولت واحدة من هذه الدعوات، وبدأت أتصفح ماهو مكتوب.


اسم العريس:
مهندس عماد علي
اسم العروس: الآنسة R
-إيه يا جماعة فين اسم العروسة .. ليه مش مكتوب؟
أحدهم تطلع إلي باستهجان ورد: إزاي يا أستاذ محمد عاوزنا نذكر اسم البنت
سألته في استغرا: وليه ﻷ ؟
فصاح في انفعال: دا عيب يا استاذ ذكر اسم البنت في دعوة توزع على الناس عيب.
ياه، لحظتها، عرفت قد إيه المسلمين، مليارات المسلمين عبر أكثر من 14 قرنا ارتكبوا -ومازالوا- الفواحش والكبائر، عندما يرددون اسم أمهات المؤمنين خديجة وعائشة وفاطمة وزينب ونفيسة، حتى آمنة أم الرسول الكريم، هكذا عيني عينك.

هذا الشاب الذي استهجن سؤالي خريج كلية التجارة، أي أمضى في صفوف التعليم 16 عاما، أما والد العروس فموظف بالمحليات، وماذا عن العروس؟
جامعية تسعى للعمل كمدرسة مربية ﻷبنائنا وبناتنا.

فماذا عن القضايا الكبرى التي تتعلق بنسائنا، ما يتعرضن له من ظُلم بين، حتى ماشرع لهن الله من حقوق؟

لاشيء، ونادراً إن تطرق أحد من مشايخنا إلى تلك المصيبة المتفشية بيننا، حرمان النساء من ميراثهن الشرعي 250 ألف امرأة رفعن دعاوي قضائية خلال عامي «2014 و2015» للحصول على ميراثهن، وبالطبع ثمة مئات الآلاف غيرهن يحرمن من حقهن الشرعي، ويلتزمن صمت العجز وربما الخوف وتفجعنا الباحثة الدكتورة سلوى محمد المهدي أستاذة علم الاجتماع بآداب قنا حين تؤكد أن 95.5% من نساء محافظتي قنا وسوهاج يحرمن من ميراثهن الشرعي، فهل تطرق أي من مشايخنا في خطبة جمعة بأي من الـ140 ألف مسجد إلى تلك الكارثة؟.

هم يتحدثون عن النساء بالطبع في خطبهم، لكن عن الصوت العورة وعن الإثم الذي ترتكبه حين تسمح بخصلة شعر تنسل من تحت الحجاب.

وكثيراً ما لفت نظري أكوام الزبالة التي تنتشر في كل مكان وليست الشوارع المحيطة بالمساجد بمنأى عن هذا القبح، حتى مرتادو هذه المساجد الذين تتساقط دموعهم تأثراً بما يحكيه هؤلاء المشايخ من قصص ووعظ كُثر منهم حين يغادرون المسجد، وبدون أن يشعروا يلقون بمخلفاتهم أينما كان.

فإن نبهت أحدهم وهذا ما أفعله أفاجأ به يرمقني في دهشة، ربما باستهجان، هو لايدرك أنه أتى بخطأ جسيم لأن أحدا من المشايخ لم يحدثه بما قاله النبي العظيم “إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة”.

لهذا تحولت مصر إلى أكبر مقلب زبالة على الكوكب.

 وهل سمعنا أيا من مشايخنا يتحدث عن تلك الكارثة التي تحيق بنا؟

 عشرات من المليارات ينفقها المصريون سنوياً على مباخر الدجالين هذا غير إهدار أعراض نسائنا في سراديب هؤلاء المشعوذين، وكما رأينا منذ عدة سنوات حين اشتعلت بعض الحرائق في منازل بقرية في محافظة الشرقية أشاع  الدجالون أن الجن وراء هذه الحرائق، وصدق الناس لأنهم لم يسمعوا رأياً آخر قويا من مشايخنا الأجلاء.

هل اتخذت تلك الفتاة قرارها الصحيح بعدم الإذعان لهذا الشاب بارتداها ما يظنه اللباس الإسلامي؟

أهلها- رغم ارتياحهم للشاب- باركوا قرارها، لكن هذا لن يكون حال غيرها من الفتيات، منهن إن التقت بمثل هذا الشاب فسوف تذعن لكل شروطه، إما لأنها تريد أن تتزوج وكفى، أو هو الإذعان الشكلي في ملابس وزينة، لكن حين تقع الفأس في الرأس كما يقولون "هتلاعبه بالبيضة والحجر"، بالطبع سترتدي هذا الذي يسميه بزي إسلامي، لكنها ستدير كل شؤون بيتها كيفما شاءت، بل حتى شؤونه هو الخاصة.