رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التكرار والابتكار بين رامز و«الاختيار»

 

«ديجا فو»

فى رمضان أشياء لا تتغير: ساعات الصيام الطويلة وجفاف الحلق والإحساس الشديد بقيمة الماء والطعام، دعوات الأهل ولقاء الأقارب والأحباب ساعة الإفطار، الصلوات والتأمل وقراءة القرآن، الفانوس والكنافة والقطائف والياميش والمشروبات الشعبية اللذيذة. السحور الثقيل والنوم الأثقل حتى ما بعد الظهيرة أو قبل لحظات من مدفع الإفطار.. هذه الأجواء والطقوس التى باتت جزءًا من طبيعة رمضان ترتبط به ويرتبط بها الناس، قد يشكون منها ولكنهم يحنون إليها على مدار العام، أشياء لا يمكن، ولا يجب، أن تتغير.

وفى تليفزيون رمضان أشياء لا تتغير أيضًا، بعضها يرتبط بطبيعة الشهر نفسه، مثل البرامج الدينية وصوت مدفع الإفطار والمسلسل أو البرنامج الكوميدى الذى تبدأ به الفقرات الترفيهية الممتدة حتى ساعة الفجر، وزمان ظلت فوازير نيللى وشيريهان وسمير غانم ترتبط بساعة الإفطار قبل أن تحل سنوات «الكاميرا الخفية» و«بكار»، ولم يكن هناك سوى قناة واحدة أو اثنتين وكل الناس يشاهدون البرامج والمسلسلات نفسها، وكان الأطفال يتجمعون فى الشوارع عقب انتهاء الفوازير ليرددوا أغانيها وإفيهاتها أو يتبارون فى حل الفزورة، وكان الكبار يتجمعون فى البيوت والمقاهى لمشاهدة المسلسلات المهمة وتبادل الثرثرة حولها.. كان التليفزيون فى بساطة الحياة نفسها.

لكن هذه العادات تراجعت بشدة وكادت تختفى.. كل شخص يشاهد الآن ما يحلو له من بين المعروض على عشرات القنوات والمنصات ومواقع الإنترنت، وعندما يلتقى الصغار لا يجدون ما يقلدونه سوى شتائم ضيوف برنامج رامز جلال، وعندما يلتقى الكبار يكتشفون أن كل واحد منهم فى وادٍ، يعجبه ما يستاء منه الآخرون، ويستاء مما يثير إعجاب الآخرين.

كل شىء يتغير، للأفضل غالبًا، ولكن هناك أشياء فى تليفزيون رمضان لا تتغير، مع أن عمرها الافتراضى انتهى منذ زمن، تبدو مثل حالة الـ«ديجا فو»، التى تنتاب عقل المرء أحيانًا، فيعتقد أنه عاش هذه اللحظة من قبل، وكثيرة هى الأعمال التى تشعر بالديجا فو عندما تشاهدها هذا العام، وتتعجب من قدرتها على البقاء كل عام، ربما لأسباب تتعلق بقدرتها على التسويق وجلب الإعلانات، ومنها مثلًا برنامج مقالب رامز جلال.

صناع هذا البرنامج يكررون نفس ما يفعلونه كل عام معتقدين أنهم يجددون ويأتون بأفكار مختلفة، مع إن الفكرة واحدة والضيوف هم أنفسهم تقريبًا، واللعبة أصبحت مكشوفة والمشاهد يعرف أنهم يخدعونه، وأن المقلب فى المتفرجين وليس الضيوف، ومع ذلك يقبلون عليه بكثافة مثلما يقبل بعض الناس على مشاهدة «مصارعة المحترفين» وهم يعلمون أنها تمثيل فى تمثيل!

رامز فى «الباى باى»

منذ سنوات أراقب ردود أفعال الناس الذين يحبون رامز جلال بمختلف أنواعهم: إنهم يجلسون دائمًا فى ترقب منتظرين اللحظة «الرائعة» التى سينفجر فيها الضيف بالسباب أو ينقض بالضرب على مقدم البرنامج ومساعديه، وهو نفس ما يفعله جمهور برنامج فيفى عبده أو غادة عادل أو غيرهما من البرامج التى تعمل ما فى وسعها لاستفزاز الضيف لينفجر، وبالطبع هناك «كنترول» حتى لا يخرج هذا «الانفجار» إلى درجة لا تحمد عقباها.

من الجيد أن يضحك الناس، وبرامج المقالب موجودة فى العالم كله، ولكنها لا تعتمد على فكرة واحدة لا تتغير مثلما نرى فى هذا البرنامج، وزمان كان برنامج «الكاميرا الخفية» يغير فكرته كل حلقة، ويعتقد رامز جلال أنه يجدد بتغيير لون شعره ووضع لحية وشعر مستعار، أو بتغيير مكان الحلقة بحيرة صناعية بشلال إلى حمام سباحة يحلق فوقه بالون، وهو يحاول تعويض خواء الأفكار وبلادة التنفيذ بهذا الإفراط الشديد فى الحركة والتعليقات «السخيفة» على الضيوف.. وغنى عن القول إن معظم هؤلاء الضيوف يعرف اللعبة مسبقًا، ويقبل «البهدلة» راضيًا من أجل التواجد على الساحة أو طمعًا فى الأموال السخية التى يحصل عليها، وهم يشاركون رامز فى الضحك على المشاهد الطيب الذى يسدد من جيوبه أجور كل هؤلاء! 

رغم كل ذلك، يجب أن نعترف أن رامز جلال، على الأقل، دمه خفيف، ومجتهد، على عكس مقدمى بقية برامج المقالب الذين «يتمتعون» بقدر هائل من ثقل الدم والفكر والحركة!

يحاول الذين يتلهفون بحثًا عن ضحكة عقب الإفطار تساعدهم على الهضم أن يتناسوا الفكرة المكررة المستهلكة ولحظات الملل التى تسبق انفجار الضيوف بالضرب والشتائم، وهم يعلمون بالتأكيد أن هذه الضحكات الشحيحة التى يمنحها البرنامج لجمهوره لا تستحق كل هذا الوقت والجهد والأموال المهدرة، ولكن يبدو أن الضحك أصبح عملة نادرة، خاصة بعد التراجع الحاد الذى تشهده مسلسلات الكوميديا هذا العام، وهو تراجع سببه الإهمال والاستسهال والارتجال وضحالة الخيال والطريقة التى تعامل بها صناع الكوميديا مع المشاهدين خلال السنوات الأخيرة، لدرجة أن معظم الأعمال الكوميدية، إن لم يكن كلها، فشلت بشكل ملحوظ فى العام الماضى، وهى النتيجة الطبيعية لعدم احترام الجمهور والاستخفاف به.

ديجا فو.. الاختيار ٢

ربما خشى البعض على النجاح الذى حققه مسلسل «الاختيار» فى العام الماضى من التكرار الذى قد يهبط بشعبية أى جزء تال من العمل، ولكن صناع «الاختيار ٢» وفقوا كثيرًا فى اختيارهم لموضوع وأبطال الجزء الثانى، ووفقوا أكثر فى الكيفية التى ربطوا بها فكرة وأحداث الجزءين، خاصة فى العلاقة بين ما يجرى فى سيناء من «غزو خارجى» وما يجرى فى القاهرة وبقية مدن مصر من «غزو داخلى».

هذا الانتقال إلى «الجبهة الداخلية» من الحرب التى شنتها جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من الجماعات المتطرفة الساعية وراء الاستيلاء على حكم المنطقة «وربما العالم!» يرسم صورة أكثر وضوحًا لخريطة هذه الحرب وحدودها، كما أن الاستعانة بأحمد مكى فكرة رائعة.. مكى ممثل جيد حقق شعبية هائلة من خلال عدد كبير من الأفلام والمسلسلات الكوميدية الناجحة، وبما أنه لم يقم تقريبًا بأدوار «جادة» من قبل، رغم أنه قدم بعض المشاهد «الجادة» المتميزة فى أعماله الكوميدية، فقد كانت مغامرة كبيرة أن يُسند له دور يونس الرفاعى، ضابط العمليات الخاصة بالداخلية، الذى يقضى وقته بين المعارك والمشاكل العائلية، ولكن أحمد مكى مثّل إضافة ونسمة من المرح وسط جدية ومأساوية الحرب والأحداث.