رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الأيام الصعبة».. كيف يتصرف نتنياهو فى مواجهة المحاكمة وأزمة تشكيل الحكومة؟

جريدة الدستور

على أكثر من جبهة، وفى وقت واحد، يخوض بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، معارك صعبة من أجل البقاء فى منصبه، فى ظل بدء محاكمته فى اتهامات بالفساد، بالتزامن مع مواجهة الصعوبات الشديدة فى تكوين ائتلاف حاكم ينقذ إسرائيل من أسوأ أزمة سياسية منذ إعلانها فى عام ١٩٤٨، بعد فشله فى تأمين فوز مريح فى رابع انتخابات للكنيست خلال أقل من عامين.
ووسط الانقسام السياسى الحاد بين الأحزاب المختلفة الذى يحول دون تشكيل ائتلاف حكومى مريح، وتصعيد المواجهة مع القضاء عبر اتهامه بالتآمر لصالح الخصوم، يحاول «نتنياهو» النجاة من الأزمتين عن طريق عدد من المناورات التى تسمح له بتأمين بقائه فى المشهد السياسى فى إسرائيل خلال السنوات المقبلة، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.

تأمين رئاسة الوزراء بالرشوة السياسية وتجنيد المنشقين وبحث التحالف مع «الحركة الإسلامية»

خلال الأيام الماضية، منح الرئيس الإسرائيلى، رؤوفين ريفيلين، مهمة تشكيل الحكومة الجديدة لزعيم حزب «الليكود» رئيس الوزراء الحالى بنيامين نتنياهو، بعد توصية من ٥٢ نائبًا فى الكنيست، وتوصية ٤٥ نائبًا فقط لأقرب منافسيه يائير لابيد، زعيم حزب «هناك مستقبل»، و٧ لصالح نفتالى بينيت، رئيس حزب «اليمين»، وامتناع ١٦ نائبًا عن تزكية أى من المرشحين للمنصب.
وقال الرئيس الإسرائيلى فى بيان رسمى: «أعرف أن الرئيس لا ينبغى أن يكلف مرشحًا يواجه تهمًا جنائية (فى إشارة لنتنياهو)، لكن وفقًا للقانون وقرارات المحاكم يمكن لرئيس الوزراء أن يستمر فى منصبه حتى فى حال مواجهته تهمًا جنائية، لأن القانون لا يجبره على الاستقالة إلا فى حال انتهاء الإجراءات القانونية ضده».
وانتهت الانتخابات الأخيرة، التى أجريت فى ٢٣ مارس الماضى، إلى فوز حزب «الليكود»، بزعامة «نتنياهو» بـ٣٠ مقعدًا برلمانيًا من أصل ١٢٠ مقعدًا فى الكنيست.
ويمنح التكليف الرسمى بتشكيل الحكومة الجديدة لـ«نتنياهو» مهلة ٢٨ يومًا، يمكن تمديدها أسبوعين آخرين، من أجل تأمين ٦١ صوتًا فى الكنيست ما يمنحه أغلبية برلمانية لتشكيل ائتلاف حكومى.
وبعد أيام من التكليف، وفى ظل الأزمة السياسية المستمرة منذ عامين، لا يملك «نتنياهو» الأغلبية المطلوبة لتشكيل الائتلاف، بل يملك ٥٢ صوتًا فقط، هم ٣٠ نائبًا عن «الليكود» و٩ عن حزب «شاس» و٧ عن «التوارة اليهودية» و٦ عن «الصهيونية الدينية»، بالإضافة إلى كتلة من ٧ أصوات لنواب حزب «اليمين»، إن نجح فى الاتفاق مع زعيمه نفتالى بينيت، ما قد يرفع كتلته إلى ٥٩ مقعدًا.
فى المقابل، يحاول خصوم «نتنياهو»، المعروفون بـ«كتلة التغيير»، بزعامة يائير لابيد، رئيس حزب «هناك مستقبل»، استقطاب «بينيت»، عن طريق عرض بتولى رئاسة الحكومة بالتناوب، على أن يكون زعيم حزب «اليمين» رئيس الوزراء أولًا.
ورغم عدم حسم موقفه، قال «بينيت»، بعد إسناد مهمة تشكيل الحكومة إلى «نتنياهو»، إن الأهم حاليًا هو تشكيل الحكومة لإنقاذ إسرائيل من انتخابات خامسة، وهو ما اعتبره انحرافًا إلى دوامة لا تنتهى من الفوضى والكراهية، بالإضافة إلى أن تعكس هذه الحكومة الميل السياسى نحو معسكر اليمين.
وأضاف: «هناك من يعتقد أننى سأتخلى عن مبادئى لتشكيل حكومة يقف اليسار على رأسها، وهؤلاء مخطئون.. وسنفعل كل شىء ونقلب كل حجر لمنع الانتخابات الخامسة»، وهى التصريحات التى فسرها المراقبون بأنها تعكس قبولًا بالانضمام لحكومة «نتنياهو».
أما الأحزاب الدينية المتشددة، المنضوية تحت ائتلاف «الليكود»، فأكدت رفضها مقترح التخلى عن «نتنياهو» والانضمام إلى حكومة برئاسة «بينيت» وعضوية «لابيد»، حتى لو لم يكن رئيسًا للوزراء، بسبب خلافاتهم مع توجهه العلمانى حول قضايا أساسية تتعلق بالدين والدولة.
كما رفضت الأحزاب الدينية فى الوقت ذاته القبول بانضمام القائمة الموحدة التى تضم نوابًا عن الأحزاب العربية، من الحركة الإسلامية فى الداخل الإسرائيلى، إلى ائتلاف «نتنياهو» لتأمين الأغلبية المطلوبة، وأكدت مصادر فى حزب «الصهيونية الدينية» تحفظ نوابه على أى مبادرة لضم «العرب»، أو حتى طلب دعمهم الخارجى للحكومة.
وفى مواجهة الأوضاع المعقدة، كشف أفيجدور ليبرمان، رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» اليمينى، أحد رموز «كتلة التغيير»، أن «نتنياهو» يحاول حاليًا حث نواب من الكتلة عن الانشقاق عن أحزابهم، والانضمام إليه لتأمين تشكيل الحكومة.
وأشار «ليبرمان» إلى أن «نتنياهو» يحاول رشوة أعضاء الكنيست من جميع الأحزاب، ويرسل إليهم مبعوثين نيابة عنه، لعرض بعض المناصب الوزارية إليهم، كما بدأ فعلًا فى الاتصال بنواب القائمة العربية الموحدة لضمهم إلى صفوفه، مع إقناع الأحزاب الدينية فى ائتلافه بالقبول بذلك.

الهروب من العقاب بـ«شيطنة» القضاء وعرقلة الإجراءات

بالتزامن مع معضلة تشكيل الحكومة، استؤنفت محاكمة بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضى، أمام المحكمة المركزية فى القدس، لاتهامه فى قضايا الفساد، واستمعت المحكمة للشاهد الأول فى إحدى القضايا المرفوعة ضده.
واتّهمت ليئات بن آرى، المدعية العامة الإسرائيلية، رئيس الوزراء باستخدام سلطته «بشكل غير مشروع»، فى إطار منافع متبادلة مع عدد من أقطاب الإعلام.
وقالت إن «نتنياهو» ضالع فى قضية خطرة تتعلّق بفساد حكومى، وهو ما نفاه رئيس الوزراء مدعيًا عدم صحة قبوله هدايا فاخرة، أو سعيه لمنح تسهيلات تنظيمية لجهات إعلامية نافذة مقابل حصوله على تغطية إعلامية تصب لصالحه.
وأوضح محللون أن «نتنياهو» يحاول فى مواجهة المحاكمة أن يحرض ضد النيابة والقضاء، مشيرين إلى أنه قال، فى أول تعقيب على جلسة محاكمته، إن النيابة نفذت خلال العملية القضائية ضده «استخدامًا مرفوضًا للسلطات الحكومية»، وأنها «تقوم بمحاولة انقلاب سلطوية»، و«رحلة صيد، دون أن يحققوا أو يبحثوا عن مخالفة، لملاحقة شخص واحد، هو أنا».
ونوهوا إلى أن «نتنياهو» قال عن جلسة المحاكمة إن «جلسة الاستماع كانت عرضًا، ومسرحية مجهزة سلفًا»، مضيفًا أنه يأمل فى «أن تدار المحكمة بصورة مختلفة»، وإن كان لم يتوقع ذلك.
ولفتوا إلى أنه ادعى، أيضًا، أن «النيابة خلقت تحقيقات، ونفذت إجراءات تفتيش غير قانونية، ومحت تسجيلات، وتجاهلت شهادات وشكاوى، وقامت بتسريبات كبيرة عندما كانت مواد التحقيق بين يديها، كما قامت بابتزاز شهود بتهديدات شديدة، فى استخدام مرفوض لسلطتها، يضر بسلطة القانون».
كما أشار المحللون إلى تلميح رئيس الوزراء بأن مواعيد تقديم لوائح الاتهام ضده تزامنت مع الانتخابات، للتأثير عليها، مشيرين إلى أنه لم يتردد، فى المقابل، فى استخدام كل سلطاته وجميع الطرق الممكنة من أجل عرقلة إجراءات محاكمته، مع دفع المشهد السياسى نحو إجراء ٤ انتخابات متتالية، أملًا فى تحقيق أغلبية برلمانية توافق على التصويت لصالحه بتأجيل محاكمته حتى الانتهاء من ولايته الحكومية.
وأكدوا أن فريقًا من المحامين عمل دون كلل لتأجيل الإجراءات القانونية ضد «نتنياهو» كما حاولوا إعفاءه من المثول أمام المحكمة، لكنهم فشلوا فى ذلك.
وذكروا أن أساليب «نتنياهو» فى عرقلة محاكمته وصلت إلى منعه تعيين منافسه بينى جانتس وزيرًا للعدل، ورفضه التوقيع على وثيقة تضارب مصالح، كانت تلزمه بها محكمة العدل العليا، فى مناورات لا تنتهى من أجل إطالة أمد المحاكمة وعرقلة إجراءاتها لأقصى درجة، للإفلات من العقاب.