رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دروس وعبر من ماضى الرؤساء الأمريكيين «٢-٢»


فى محاضرة لها بعنوان ما نستخلصه من ماضى الرؤساء ذكرت الكاتبة دوريس كيرنس غودوين، أن الأشخاص الأكثر سعادة وعمقًا فى عيش الحياة، هم أولئك الذين يستطيعون أن يحققوا التوازن الداخلى بين ثلاثة معطيات «العمل.. الحب.. اللعب»، وأن تغليب أى من تلك المعطيات الثلاثة على حساب الآخر سوف يدفع الإنسان إلى التعاسة المطلقة فى بقية عمره، ولكن العيش بصورة متوازنة سوف يجعل الاكتفاء والشعور بالحياة أمرًا ممكنًا.. بل وسيعود بالصفاء والسكون على ذلك الشخص جراء ذلك.

وقدمت الكاتبة- التى قضت معظم حياتها فى دراسة السيرة الذاتية لعدد من الرؤساء الأمريكيين، نموذجين لتوضيح هذه الفكرة، هما حياة أبراهام لنكولن- التى أفردنا لها المقال السابق- وليندون جونسون، كنموذج لهذا التوازن.

وقدمت الكاتبة الأمريكية حياة «ليندون جونسون» كنموذج لمن يغلبون جانب العمل على العائلة والأصدقاء، وقد ساعدته «دوريس كيرنس غودوين» فى كتابة مذكراته. تتحدث عن تلك السنوات الطويلة التى كان قد قضاها فى ملاحقة النجاح الوظيفى والنجاح الشخصى، لدرجة استنزاف كل طاقته العاطفية والنفسية، فلم يستطع أن يستمر بالمضى قدمًا عندما انتهت فترة رئاسته.

تقول «غودوين» إن «جونسون» كان حكاءً متميزًا، وقصصه كانت ممتعة ومثيرة وكثيفة، إلا أن المشكلة التى اكتشفتها لاحقًا، أن نصف تلك القصص لم يكن صحيحًا.

وفى أواخر أيامه كان حزينًا جدًا وضعيفًا جدًا، ففتح قلبه وتحدث إليها بصورة لم يقم بها من قبل، فتعرفت على عدة جوانب من شخصيته.. قوته، مخاوفه، أحزانه.. مما أكسبها القدرة على فهم النفس الداخلية للشخصيات العامة وسرد خصائصها.

نتعلم من سيرة الرئيس «جونسون» أهمية الوصول إلى توازن فى الحياة من الخارج، فقد كان يملك كل شىء، فقد تم اختياره كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وكان يملك كل المال الذى يحتاجه أى شخص لتحقيق أحلامه، أو لشراء أى وسيلة ترف أو رفاهية يريد، وكان يملك مزرعة واسعة فى الريف ومنزلًا فى المدينة وقوارب إبحار، وقوارب سريعة، وكان لديه طاقم من الخدم ليخدمه على مدار الساعة، وكانت لديه عائلة تحبه بشدة، وقد أدى تركيزه الدائم على العمل وعلى النجاح الشخصى، أنه لم يجد بعد تقاعده العزاء، لا فى عائلته، ولا فى هواياته الرياضية، ولا فى استجمامه. كان الأمر كما لو أنه كان يملك فراغًا كبيرًا فى قلبه، لم يستطع حب عائلته له، بدون العمل، أن يملأه، فتراجعت معنوياته، وتدهورت صحته وكانت تعاسته تزداد كلما رأى الشعب الأمريكى ينتخب رئيسًا جديدًا وينساه.

وكان يقول إنه يجب أن يقضى وقتًا أطول مع أبنائه ومع أحفاده، ولكنه كان قد تأخر فى ذلك، فرغم كل تلك الثروة.. وكل تلك القوة كان وحيدًا عندما توفى، لقد غدت مخاوفه الكبيرة حقيقة.

وكل ذلك لأنه بسبب أهمال الجزء الثالث من المعادلة.. اللعب، فقد كان من أولئك الأشخاص، الذين لا يستطيعون الاستمتاع بوقتهم، فحتى اللعب يحتاج الالتزام والوقت والطاقة بصورة كافية.. للهوايات والرياضات، وحتى حب الموسيقى أو الأدب.. أو الفن، أو أى نوع من الاستجمام الذى يمكنه أن يعطى السعادة، والراحة والتجديد.

وهذا هو الفرق بين «جونسون» وأبراهام لنكولن، فأبراهام لنكولن كان يحب وليم شكسبير، والذى جعله يقضى مئات الليالى فى المسارح، حتى فى تلك الأيام الحالكة فى فترات الحرب، وهذه هواية كانت تدفعه إلى الراحة والاستجمام، اللذين لم يكن يملكهما ليندون جونسون، فلم يكن يشعر بالحب أو الفكاهة، رغم أن الشعور بالفرح والفكاهة فى حياتنا يمكن أن يولد جانبًا مضيئًا فى جوانب الحياة المحزنة، لقد قال «لنكولن» يومًا ما «إنه كان يضحك.. ولذلك كان لا يبكى».

تقول «غودوين» إن «جونسون» كان حكاءً متميزًا وقصصه كانت ممتعة إلا أن المشكلة التى اكتشفتها لاحقًا أن نصف تلك القصص لم يكن صحيحًا