رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أيام من حياتى»... تفاصيل سنوات العزلة فى حياة راهب الجغرافيا

الدكتور جمال حمدان
الدكتور جمال حمدان

المبنى للمجهول فى حياة الدكتور جمال حمدان أكثر بكثير من المعلوم بالضرورة من سيرته، فسنوات العزلة الاختيارية التي قضاها حجبت تفاصيل ملهمة وثرية من حياة تلك الظاهرة الفريدة، لكن المؤكد أن ابن شقيقه وائل حمدان، الذى كان قريبًا منه في فترات حياته الأخيرة، لديه حكايات كثيرة عايشها معه.

وفي أحد حواراته الصحفية كشف عن بعض تفاصيل تلك الفترة قائلًا:

في الخمسينيات من القرن الماضي، استقر الدكتور جمال حمدان في شقته بشارع «أمين الرافعي» بحي الدقي، والمكان كان مجهزًا بأثاث يناسب ذوق تلك الفترة، لكن بمرور الزمن من الطبيعي أن يتعرض للتقادم بعض الشيء، لكنه ليس بذات الصورة التي روجها البعض، أو تلك التي ظهرت في أعقاب رحيله.

هؤلاء المرجفون في المدينة يدّعون أن جمال حمدان دخل عزلة اختيارية، لم يكن يقابل أو يلتقى إلا بناس معينة، الحقيقة تقول إنهم لم يكونوا منهم، فمن أين أتوا إذن بتفاصيل حياته من الداخل؟، فهو لم يكن من الشخصيات التي تقبل بأن تكون حياتها على المشاع لأى شخص.

في لقائي الأول معه حين فتح لي الباب، وبالمناسبة كانت هناك طريقة معينة للطرق على الباب لا يعرفها سوى المقربين منه المداومين على زيارته، أخذتني رهبة كبيرة، حيث وجدت أمامي شخصية أخاذة تمتلئ عينه بالبريق ولديه هيبة شديدة.

وأضاف: بمجرد أن جلسنا سويًا وجدت أمامي شخصًا لديه فراسة قوية، وقدرة على قراءة الأفكار، ومعرفة خطوط وتفاصيل من يجلس أمامه أو يتحاور معه، بجانب ذلك كانت روح الدعابة والفكاهة التي يتمتع بها ظاهرة في أحاديثه وجلساته المتعاقبة معي.

وواصل: في أوقات كثيرة وبينما كنا نتبادل أطراف الحديث، أجده في لحظة ما وقد سرح بخياله بعيدًا، عندها كنت أشعر بأن خواطر الكتابة والأفكار قد راودته، فعادة ما كان ينهض باحثًا عن أوراقه الخاصة لتدوين تلك الأفكار. بالإضافة لتلك النقطة هواياته كانت سماع الموسيقى، وأحيانًا يدندن بالغناء، فقد كان صاحب صوت جميل جدًا، كما أنه ممارس لرياضة «يوجا» بانتظام.

واستكمل: وجدته دائمًا حريصًا على مطالعة ومتابعة كل ما يكتب في الصحف المصرية، ليس الذى يتعلق بالسياسة فقط إنما أيضًا كل ما يمس ويقترب من الأدب والثقافة. وفى سبعينيات القرن الماضي، وحسب رواية والدى لى، أخبره بأن الكاتبين جمال الغيطاني ويوسف القعيد نواة وأداة لمشروع فكرى وأدبى جديد.

في خواطره السياسية كان مؤمنًا بأن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ظاهرة فريدة ورمز وطنى، فهو كان محبًا له ومتيمًا بشخصه. وإن اختلف معه في تفاصيل وآراء معينة، كان متفقًا معه فى معظم مشروعه، وهناك أجزاء من كتبه كانت تتم الاستعانة بها فى خطبه، وقد قال عنه إن الحدود التى حكم بها «عبدالناصر» مصر هى ذاتها التى كانت موجودة على عهد مينا موحد القطرين.

كما كان داعمًا ومحبًا لـ«السادات» في بدايات حكمه، لكن بمجرد أن اتخذ قراره بعقد اتفاقية «كامب ديفيد» والذهاب إلى إسرائيل، تكون بينه وبين رأس النظام حاجز منيع، لدرجة دفعته لمقاطعة كل مؤسسات الدولة المصرية، حيث كان لا يدخل أى جهة حكومية، وفق ابن شقيقه.

وقال «وائل»: هناك من زعم بأنه لم يرتبط بصداقات مع أحد، ففى البداية كان الدكتور صبحى عبدالحكيم، أستاذ الجغرافيا ورئيس مجلس الشورى المصري، أحد أقرب الأصدقاء إليه، ثم في مرحلة تالية كان الكاتبان الكبيران أحمد بهاء الدين ومحمد حسنين هيكل هما المقربان إليه، لكن بسبب مقال كتبه بهاء دعا فيه جامعة القاهرة إلى زيادة راتب جمال حمدان ثار وقطع علاقته به، معتبرًا ذلك يمس كرامته.

وحاول «بهاء الدين» فى أكثر من مناسبة إعادة حبل الود بينهما لكنه رفض بشكل قاطع، واعتبره تكلم باسمه فيما لم يطلب منه الحديث، خاصة أن قضية المال عند جمال حمدان تعد موضوعًا ثانويًا، ففي حياته حصد أكثر من جائزة من داخل مصر وخارجها، ودائمًا ما كان يوزع القيمة المالية لتلك الجوائز على شقيقاته البنات وأولادهن.