رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكتب الخادعة.. «الدستور» تكشف أسرار «فقه السنة» لـ«السيد سابق» أخطر كتاب لإرهابيى «الإخوان وأخواتها»

فقه السنة
فقه السنة


هو واحد من أخطر الكتب التى يرجع إليها أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية وغيرها من تنظيمات الإسلام السياسى، وبين سطوره تعيش «التخريجات» و«المبررات» التى يستند إليها دعاة ومرتكبو العنف والإرهاب والتطرف، فقراءته- من وجهة نظر هؤلاء- كفيلة لتحوّل مُسلمًا لا يعرف من الدين إلا الوضوء وصيغة الأذان وعدد الصلوات إلى «فقيه» يحلل ويحرم على هواه.. فلك أن تتخيل بعدها خطورة ذلك.

المقصود هنا هو كتاب «فقه السنة»، الذى كتبه السيد سابق، أحد قيادات جماعة «الإخوان»، والذى يعتبر من أكثر الكتب رواجًا وانتشارًا بين أعضاء جماعات «الإسلام السياسى»، ولا تخلو غالبية المكتبات منه دون أى قيد أو منع، على الرغم من خطورته الكبيرة. عن أسرار هذا الكتاب وسبب خطورته الكبيرة تتحدث «الدستور» فيما يلى مع هانى عمارة، الباحث فى شئون جماعات «الإسلام السياسى»، المنشق عن جماعة الإخوان.

مؤلفه كان مرشحًا لخلافة البنا.. والجماعة تعتبره «أفضل مؤلَف فقهى»
استعرض «هانى عمارة» مجموعة من الحقائق وراء كتاب «فقه السنة» تكشف عن مدى الخطورة الكبيرة التى يحملها هذا المؤلَف.
وقال «عمارة» إن مقدمة الكتاب كتبها حسن البنا فى عام ١٩٤٦، وقت صدور الجزء الأول، وكان حينها مجرد كتاب صغير فيما يسمى «فقه العبادات»، مثل: الطهارة والزكاة والصلاة والصوم، ولم يكن بشكله المتعارف عليه حاليًا ويضم عدة أجزاء.
وأضاف: «هذه المقدمة كانت جزءًا من الدعاية للكتاب، واستغلها أعضاء الجماعة فى نشر الكتاب والترويج له، فى الوقت الذى قدّم الكتاب نفسه دعاية كبيرة جدًا لجماعة الإخوان ومؤسسها، حتى إن أى قارئ عادى عندما يقرأ المقدمة سيترسخ فى ذهنه أن البنا رجل عظيم هو وجماعته».
وكشف العضو السابق فى «الإخوان» عن أن مؤلف الكتاب «السيد سابق» كان من المرشحين لخلافة حسن البنا، وأطلق عليه لقب «مفتى الدماء»، لتورطه فى إصدار فتاوى مهدت لاغتيال رئيس وزراء مصر، محمود فهمى النقراشى، فى ٢٨ ديسمبر ١٩٤٨.
وأوضح أنه بعد وفاة حسن البنا حدثت خلافات قوية داخل جماعة الإخوان، فانشق «سابق» ومعه محمد الغزالى عن حسن الهضيبى، وأصبح هناك صراع قوى بين الجبهتين، وصل إلى حد محاولة جبهة «سابق» اقتحام المركز العام لجماعة الإخوان.
لذلك، فى فترة حكم الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر لم يُضر «سابق» و«الغزالى» أو يسجنا كغالبية أعضاء «الإخوان»، لأنهما كانا منشقين عن الجماعة حينها، ومن ضمن الجناح الذى أيد «عبدالناصر» ضد الجماعة، التى كان ينظر أعضاؤها لهما بأنهما «خائنان للدعوة».
وتولى السيد سابق وقتها العديد من الوظائف فى وزارة الأوقاف، لكن فى فترة السبعينيات عاد إلى جماعة الإخوان مرة أخرى، وتمت المصالحة بين الجانبين بعد التغاضى عن كل الخلافات القديمة، ليكمل فى هذه الفترة كتابه «فقه السنة» ويختتمه فى عام ١٩٧٢ على وجه التحديد.
وحسب «عمارة»، روّج «الإخوان» للكتاب باعتباره «أفضل كتاب فقهى معاصر»، لأنه «يعطى المعلومات المهمة فى الفقه دون أن يدخلك متاهات فى فروع وجدالات، ويوضح للقارئ الآراء الصحيحة والراجحة فى المسائل المختلفة»، وفق ما روجوا له وقتها.
وأشار إلى نقطة مهمة عن «سابق» و«الإخوان» بصفة عامة فى فترة السبعينيات هذه، قائلًا: «كانوا أقرب إلى السلفية، رافضين الفقه المذهبى الذى يُدرس فى الأزهر الشريف، لرغبتهم فى أن يأخذوا من كل مذهب ما يتفق مع آرائهم ويخدم أفكارهم ومصالحهم فقط».
وزاد فى الشرح: «السيد سابق مَثّل حلقة وسيطة بين الإخوان والسلفيين، لذلك كتابه يرضى عنه السلفيون أيضًا، لأنه ينصر فكرتهم، وهى ترك المذاهب وشيوخها، والاكتفاء بما جاء فى السنة نصًا».
وتابع: «السيد سابق أراد من خلال كتابه الترويج إلى أن الاختلافات الفقهية بين المذاهب هى السبب فى تأخر المسلمين والتعصب فيما بينهم، وأن كتابه يحيل كل مسألة لأدلتها ويأخذ بيد كل مسلم ويوضح له الصواب والخطأ».

وضع 4 قواعد للفقه تلغى القياس والاجتهاد وتروّج لـ«السمع والطاعة»

انتقل الباحث فى شئون جماعات الإسلام السياسى للحديث عن محتوى الكتاب، الذى روج لفكرة رئيسية، هى أن هناك ٤ «قواعد عامة» وضعها الإسلام للفقه وسيُسأل عنها كل المسلمين، مشددًا على أن «هذه القواعد ما هى إلا من وحى خيال وتأليف السيد سابق، وليست لها علاقة بعلم أصول الفقه الحقيق».
أولى هذه القواعد هى: «النهى عن البحث فيما لم يقع من الحوادث حتى يقع»، وتعنى أنه «يجب على المسلم ألا يسأل عن حكم إلا عند وقوع المسألة ذاتها»، استنادًا إلى الآية الكريمة: «يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْألُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤكُمْ»، وبالتالى لا ينبغى لأى فقيه الحديث والإفتاء بشأن أى مسألة افتراضية، الأمر الذى يغلق باب الاجتهاد نهائيًا.
القاعدة الثانية هى: «تجنب كثرة السؤال وعُضل المسائل»، مستدلًا على ذلك بحديث: «إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال»، وعلى الرغم من أن الحديث يقصد به الغيبة والنميمة، فسّره «سابق» بصورة خاطئة واستدل به فى غير موضوعه، لأن كثرة السؤال وعُضل المسائل شىء أساسى فى الفقه.
وتقوم القاعدة الثالثة على: «البعد عن الاختلاف والتفرق فى الدين»، واستدل عليها بآيات متعلقة بالاعتصام بالدين، على الرغم من أن التعددية وتنوع المذاهب من أهم مزايا الفقه الإسلامى.
وتمثل القاعدة الرابعة الأساس الذى بُنى عليه الكتاب، وهى: «رد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة»، وهو ما يعتبره «عمارة» خطأ كبيرًا، قائلًا: «أن نرجع أى خلاف إلى القرآن والسنة ونتجاهل كل المصادر الأخرى هو فكر السلفيين».
وأضاف: «لا يوجد شىء من الأساس اسمه (فقه السنة)، فهو يعتبر الفقه هو السنة، على الرغم من أنه مستقل عن علم الحديث، ومن ضمن مصادره وآلياته القياس والإجماع». وتساءل «عمارة»: «كيف يشدد مؤلف الكتاب على ضرورة الالتزام بالكتاب والسنة وهو يذكر فيه أحاديث ضعيفة، وأخرى نسبها لكتب ليست موجودة بها، ولم يوضح صحتها من ضعفها ولم يذكرها بنصها الدقيق». وأرجع هذا إلى أن السيد سابق لم يكن متمرسًا فى الفقه وعلوم السنة، وكان يعتمد على كتب الفقه المقارن التى بها المسائل وآراء المذاهب الأربعة فيها، ويأخذ منها المختصر، مضيفًا: «الكتاب ليست به تخريجات أصولية تدل على أن هذا الرجل متمكن أصولى». وواصل: «الكتاب فى نقله الآراء لم يُقدم جديدًا، واحتوى على نفس الآراء المتطرفة، مثل قتل المرتد ورجم الزانى، وغيرها من الفتاوى المتشددة ضد المرأة وغير المسلمين».



أباح ضرب السيدات وطالب بفرض زى على النساء
وصلنا فيما سبق إلى أن كتاب «فقه السنة» احتوى على نفس الآراء المتطرفة التى يؤمن بها وينتهجها أعضاء «الإخوان» ومن هم على شاكلتهم.. فما أبرز هذه الآراء الواردة فى الكتاب؟
البداية من الصفحة رقم ٦٠٤ من الكتاب- وفق «عمارة»- وهى من باب «النكاح»، ويقول فيه السيد سابق إن الزوجة ملزمة بأن تخدم زوجها، ومن تمتنع عن ذلك يتم ضربها، على الرغم من أن الجمهور يرى خدمة الزوجة لزوجها ليست واجبة وأنها غير ملزمة بذلك. وأضاف «سابق»، فى نفس الصفحة: «من حق الزوج منع زوجته من مغادرة المنزل»، ثم يضيف فى الصفحة «٦٠٩»: «من ضمن الفساد هو ذهاب المرأة إلى الملاهى والمسارح والسينما والملاعب والأندية، وهذه الأشياء تؤدى بها إلى الزنا».
وفى الصفحة «٦١٣» يرى أن «الدولة يجب أن تفرض على المرأة زيًا معينًا ملتزمًا بالضوابط الشرعية، وسن قانون يحمى الأخلاق والدين والآداب العامة، على أن يُعاقب من يخرج عليها بشدة، كما أن الدولة يجب أن تفرض الحجاب». ويتحدث «سابق» فى الصفحة رقم «٧٤٢» عن «حد الردة»، مشددًا على أن «المرتد يُقتل»، وأن «القوانين الوضعية كفر»، معتبرًا أن «ترك الحكم بالكتاب والسنة وتطبيق قوانين وضعية يعنى أنك مرتد». وفى الصفحة ٩٥٠ «باب التأجير» يرى أنه «يُحرم أن تؤجر مكانًا سيستخدمه المستأجر ككنيسة»، وهو ما يتناقض مع تأكيده فى أبواب أخرى أن «كنائسهم لا تُهدم». وخلص «عمارة» إلى أن كتاب «فقه السنة» فى منتهى الخطورة، من حيث نشر فكرة أن أى شخص بإمكانه أن يدرس ويفهم العلوم الشرعية، دون إدراك أن هناك مناهج للمبتدئين ثم تتدرج الدراسة من الأسهل إلى الأصعب. وأوضح: «أول شىء يدرسه الدارس هو كتاب مختصر فى فقه المذاهب، مثلما يحدث فى الأزهر، الذى يدرس طلابه مسائل مختصرة دون أدلة، ويفهمون أن هذا فقه مذاهب، على ألا يكونوا متعصبين لأى رأى مختلف، وبعد ذلك يدرسون أصول الفقه ويتعرفون على المسائل التى يقوم عليها الفقه الإسلامى، ثم يدرسون الحديث وكتاب الفقه الأوسع، وصولًا إلى مرحلة كتب الفقه المقارن».
وأضاف: «هذا تدرج طبيعى فى الأزهر، وبه يكون الخريج قد درس شريعة ويعرف مصادرها جيدًا، أما كتاب (فقه السنة) فهو ابتذال للأمر وخداع للناس بأنه يختصر كل هذه المراحل فى الكتاب، حتى إن بعض المرتزقة يعتقدون عندما يقرأون هذا الكتاب بأنهم أصبحوا دعاة ورجال دين، ويبدأون فى احتقار والتقليل من الدراسات الأكاديمية فى الفقه والأصول».
واختتم: «الكتاب استهدم هذه المنهجية كوسيلة لاستقطاب الكثيرين إلى الجماعات الإسلامية، من خلال إقناع غير الملتزمين دينيًا وأخلاقيًا بأنهم بمجرد قراءتهم هذا الكتاب سيصبحون على دراية بالفقه وأمور الدين، ومن ثم يستطيعون العمل فى الدعوة والخطابة».


أمين «رابطة العالم الإسلامى»: المتطرفون يشوّهون صورة المرأة بتفسير مضلل للدين
حذّر الدكتور محمد العيسى، الأمين العام لـ«رابطة العالم الإسلامى»، من أن الجماعات المتطرفة تحاول دائمًا تشويه صورة المرأة فى الإسلام، عن طريق التفسير المضلل للنصوص الدينية، مشددًا على ضرورة فهم هذه النصوص بشكل شامل وصحيح لعدم إخراجها من سياقها. وقال «العيسى»، فى تصريحات نقلتها صحف سعودية،: «المتطرفون يروّجون لمفاهيم خاطئة عن مكانة المرأة فى الإسلام، عن طريق التفسير الخاطئ لبعض آيات القرآن الكريم وإخراجها من سياقها، وعلى رأسها آية (وقرن فى بيوتكن)، التى تؤول خارج سياقها لمنع النساء من المشاركة فى الحياة العامة».
وبيّن أن هذه الآية نزلت فى زوجات الرسول، صلى الله عليه وسلم، وحملت، مثل آيات غيرها، مجموعة من الأحكام الخاصة بأمهات المؤمنين لا تسرى على المسلمات الأخريات.
وأضاف: «لقد أعطى الإسلام المرأة المسلمة مسئولية مالية مستقلة، لذا لها الحق فى التجارة والبيع والشراء والعمل فى الوظائف العامة، فكيف إذن يأمرها بالبقاء فى المنزل وعدم تركه؟ ومن ناحية أخرى، يأمرها القرآن بأن تجاهد مثل الرجل، والخطاب القرآنى موجّه للرجال والنساء على حد سواء، دون أى تمييز».
وأشار إلى أن المتطرفين، ومن بينهم عناصر «الإخوان»، يستشهدون بجزء آخر من آية مأخوذة من خارج سياقها لتعزيز الفرق بين المرأة والرجل، وهى آية فى سورة «آل عمران»، تقول: «وليس الذكر كالأنثى».
وشرح أن هذا الجزء من الآية يتعلق بدعاء زوجة عمران إلى الله، قائلة إنها تكرس ما فى بطنها بالكامل فى خدمة الله، والحقيقة أن زوجة عمران نذرت أن تعطى ما فى بطنها لخدمة الله، كما كانت العادة خلال هذه الفترة، ولكن عندما أنجبت زوجة عمران طفلة، قالت بحزن إن الذكر ليس مثل الأنثى.
وقال «العيسى» إن بعض المتطرفين يستشهدون أيضًا بحديث عن رسول الله يقول: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، من أجل أن يروّجوا لقمع المرأة ومنعها من تولى المناصب العامة، لكن الإمام مالك طعن فى صحة هذا الحديث. وختم بقوله: «هذه بعض أمثلة على سوء تفسير نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة لحرمان المرأة من حقوقها المشروعة ومنعها من المشاركة فى تنمية الوطن وعجلة رخائه، ونحن الآن نعيش فى عصر مجيد، يمكن للمرأة فيه تطوير إمكانياتها واستعادة كرامتها، مع تمكينها من الانطلاق إلى مساحة أوسع، للقضاء على الأيديولوجيات المتطرفة».