رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلسفة العلم وحقيقة الواقع




يظن البعض أن المعنى والمفهوم بين ما كان يعلّم ويدرس فى كل العالم هو أن الشمس هى التى تدور حول الأرض، وأن الأرض ثابتة، وظل الحوار الدائر: ما المتحرك: الأرض أم الشمس والقمر؟
وهنا كان النقاش حول الواقع، أنه رغم تقارب كليهما لكنهما لا يتساويان، فالواقع هو ما نعيشه ونلمسه، بينما الحقيقة هى فكرة قد تثبت صحتها، أما الاختراع هو أمر محسوس وملموس فى ذاته، والواقع ثابت لا تتغير طبيعته نفهمه فى واقعه.
كما أن الحقائق العلمية قابلة للتغيير فى الوقت المناسب، فكثير من الحقائق العلمية كانت غير مقبولة فى الماضى، ومن يخرج عليها قد ينال عقابًا قد يصل إلى درجة الموت.
أما عن الواقع فهو ثابت وغيره من العلوم والأفكار فهى قابلة للتغيير ولو تحمل أصحاب الفكرة عقوبة المجتمع تحت أى ستار حتى إسناد الخلاف إلى الدين.
لقد مر العالم بتجربة قاسية راح ضحيتها من آمنوا بالفكرة العلمية واتهموا بالخروج على الدين والعقيدة، ومنهم من كان يرى أن الكواكب والنجوم ثابتة. جاء الاكتشاف فى عام ١٥٤٣ بعد ظهور كتاب حول دوران الأجرام السماوية، فكانت ثورة ظنًا أن ما نادى به العالم بطليموس هو حقيقة لا مجال لغيرها حين كان ينادى بأن الأرض هى مركز الكون.
ومن جانب آخر كان العالم الإيطالى جاليليو هو الذى نادى بدوران الأرض حول الشمس، ومات جاليليو بعد اكتشاف أن الأرض تدور حول نفسها وبعد اكتشاف الأمريكتين، ولا ننسى أن جاليليو كان قد قدم للمحاكمة لأنه نادى بدوران الأرض حول الشمس، وأجبرته الكنيسة على التوبة بإنكار هذا الأمر.
ثم قام البحار البريطانى فرانسيس دريك برحلة حول الأرض فى عام ١٥٧٧ انتهت الرحلة عام ١٥٨٠، وكان ذلك بالطبع بعد إقرار كروية الأرض، لكنه لم يكن يعلم أن الأرض تدور حول نفسها أولًا.
وللحقيقة، فإن نظرية كروية الأرض ودورانها لم تكن مقبولة أو متصورة حتى النصف الثانى من القرن الثامن الميلادى والنصف الأول من القرن الهجرى، إذ كان من الصعوبة بل ومن المستحيل قبول نظرية دوران الأرض حتى كانت التجربة التى هزت العالم فكرًا وعلمًا عندما هبط الإنسان على سطح القمر ومن هناك شاهد الكرة الأرضية وسجل حركة دورانها.
لقد رأى من على المركبة الفضائية التى تسير بسرعة تفوق التصور وتدور حول الكرة الأرضية مرة فى كل تسعين دقيقة، ومن على سطح القمر وبأجهزة التصوير الدقيقة للغاية شاهد حركة دوران الأرض ومن مركبتهم نجحوا فى تصوير الأرض وهى فى حال دورانها.
نعم بفضل التقدم العلمى الذى حققه الإنسان فى القرن العشرين عرفنا أن كل نجم من النجوم هو أيضًا يدور حول نفسه.
وعندما اخترع جاليليو المنظار الفلكى استطاع رصد المنظومة الشمسية والأجرام التى تدور هى أيضًا حول نفسها، وبذلك كان من السهل تأكيد نظرية دوران الأرض حول نفسها عندما وضع الإنسان قدميه على سطح القمر، ومن هناك شاهد الكرة الأرضية وسجل حركتها، وأضيف من عندى وكما نشاهد نحن القمر فى حجمه الذى لا يتعدى طبقًا، هكذا رأى من على سطح القمر صورة سطحنا على أرضنا بكل قارات عالمنا وأنهاره وبحاره وجباله وصحاريه ومن أنفس البشر ما يقترب من ثمانية مليارات من رجال ونساء وأطفال.
يبقى السؤال: هل سيأتى اليوم الذى فيه يتسع عالمنا بضم الكرتين، الكرة العليا- أى القمر- والأرض، ويقسم تعداد الشعب ليصبح مناصفة بين الأرض والقمر؟
وفى الختام يحلو القول: سبحانك ربى خلقت الكون وكل ما فيه ومن حوله، لك وحدك العبادة والسجود فى كل عصر ومصر.