رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثقافتنا اليوم


يقاس تأثير بعض الدول فى محيطها الإقليمى بقوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية، لكن بالنسبة لبعض البلدان تعد القوة الثقافية، ومنها الثقافة والأدب والفنون والسينما، هى التى تُحدث التأثير الأقوى فى العالم الأوسع.

فى مطلع عام ٢٠١٨ قامت مؤسسة «يوث إس نيوز آند وورلد ريبورت» بقياس تأثير بعض الدول فى محيطها، وفقًا لعوامل مختلفة، من قبيل سمعتها كبلدان مرموقة، وعصرية، وراقية، وسعيدة، ومميزة ثقافيًا، من حيث الترفيه والمتعة، ووضعت عشر دول فى أوائل القائمة، جاءت أوروبا فى المركز الأول، بما فى ذلك إيطاليا وإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، كما ضمت القائمة أيضًا اليابان التى تتبوأ مرتبة عالية فى كونها مرموقة وعصرية، بالطبع لم تكن هناك أى دولة شرق أوسطية.

ولا شك أن الثقافة المصرية تأثرت كثيرًا بالأفكار الاستعمارية التى كان يمليها المحتل على الموظفين والمسئولين المصريين بضرورة الاهتمام بتعليم الطبقة الوسطى والعليا، والتغاضى عن الطبقات الدنيا، التى كانت تشكل الأغلبية الساحقة للسكان فى ذلك الوقت، وهو ما ظهر من خلال تفشى الأمية والجهل فى ربوع الشعب المصرى خارج العاصمة، وبروز ظاهرة الانفصال الثقافى بين الريف والمدن الصغرى من جانب، وبين القاهرة كعاصمة للنشاط الفكرى العام من جانب آخر.

كما ظهر التباين الشديد بين ثقافة الدولة وثقافة الناس، من خلال التطور الذى شهدته ثقافة الدولة فى أجهزة الإعلام، والتخلف الظاهر فى تصرفات الناس، ويرجع ذلك إلى انعدام التواصل بين مراكز الحركة الثقافية التى تربط بين العاصمة وبين الريف والمدن الصغرى، والتى تتمثل فى الإذاعة والصحافة ودور النشر والجامعة، إضافة إلى مصدر الانفصال التقليدى وهو انتشار الأمية.

الغريب أنه بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ بدا أن هناك نوعًا من التحسن فى الوضع الثقافى، وبرز الدور الثقافى على المستوى المحلى، ولكن هذا التحسن كان لأيديولوجية سياسية، سرعان ما بدأت فى التغير بعد وفاة مؤسس تلك الأيديولوجية فى مصر، وظهر اتجاه سياسى مغاير.

لأجل هذا لم تكن ملاحظات نواب البرلمان على أداء وزيرة الثقافة فى مصر مفاجئة أو غير متوقعة، بل كانت حتمية وضرورية لمواجهة التردى الثقافى الحاصل فى مصر منذ أكثر من أربعين عامًا وتراجع دورها الثقافى والريادى فى المنطقة.

مصر، التى كانت بؤرة الإشعاع الثقافى فى منطقة الشرق الأوسط منذ القرن الثامن عشر حتى مطلع القرن العشرين، تراجع دورها تحت وطأة تدهور وضعها الاقتصادى، نتيجة الحروب التى خاضتها منذ الستينيات، سواء كانت تلك الحروب ضرورية أو كانت للدفاع عن أراضيها واستردادها.

تضاءل الدور المصرى نتيجة غياب الاختيار الجيد للمسئولين عن الثقافة، ومعاملتهم كموظفين، وغاب عن ذهن الدولة أنهم موظفون ذو طبيعة خاصة، وأن مهمتهم من الصعب قياسها بالمعايير الحكومية فى قياس الأداء، وبالتالى تدهور الأداء الثقافى الحكومى، وأصبح روتينيًا، مثل كل الوظائف التى يحكمها قانون الموظفين.

ومما لا شك فيه أن مصر تمتلك الدعائم الرئيسية للريادة، وهى المؤسسات الثقافية العريقة، ولكنها لا تحسن استغلالها أو إدارتها.

فكما تخلصت الدولة من إدارتها لمشروعات القطاع العام، فإنها يجب أن تتخلص من مسئوليتها عن إدارة المؤسسات الثقافية أو تحويلها إلى مشروعات ذات طبيعة خاصة، وتحقق لها نوعًا من الاستقلال فى الإدارة، كما تدير الدول الكبرى أجهزة الإعلام والثقافة فيها.

وعلى سبيل المثال «المسرح، وسائل نشر وطبع الكتب»، فكان لا بد من تحويل تلك المؤسسات إلى مؤسسات إشعاعية مؤثرة تقوم بنشر الأفكار الإنسانية والمبادئ الإنسانية، وأن تعطى لها الحرية فى التعبير.

مصر تمتلك الدعائم الرئيسية للريادة وهى المؤسسات الثقافية العريقة ولكنها لا تحسن استغلالها أو إدارتها