رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكراه.. لماذا أطلق على زكي نجيب محمود لقب «فيلسوف الأدباء»؟

زكي نجيب محمود
زكي نجيب محمود

116 عاما مرت على ميلاد الفيلسوف والكاتب الأكاديمي زكي نجيب محمود، الذي ولد في 1 فبراير لعام 1905، بقرية ميت الخولي عبدالله، التابعة لمركز الزرقا بمحافظة دمياط.

استطاع زكي نجيب محمود أن يحتل مكانة كبيرة في الوسط الأدبي والثقافي والفكري، بجانب العديد من عمالقة الأدب أمثال عباس العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وغيرهم، فقد لعب دورا رائدا وحيويا لا يقل بأي حال من الأحوال عن أي دور قام بأدائه أعظم المفكرين بالأمة العربية، فكتاباته تعد تعبيرا عن منارة الفكر، عن الشعلة الخالدة، شعلة العقل الذي يعد أعظم الأشياء قيمة بين البشر.

وبحسب مقال نشر بمجلة "الهلال" تحت عنوان "الدكتور زكي نجيب محمود وتيار العصر والحضارة"، ذكر أن هذا كله لم يكن غريبا أن يلتف القراء حوله، أن تكون كتاباته وأحاديثه مثار مناقشات وتعليقات لا حصر لها، فهمي كتابات حية وليست ميتة، كتابات تعد معبرة عن تيار العصر، وعن جوهر الحضارة كما ينبغي أن تكون الحضارة، كتابات تعد فتحا عظيما لآلاف الأفكار والآراء والنظريات، كتابات صادرة عن عبقرية لا مثيل لها، وتعد ثمرة للعقل الثاقب، عقل زكي نجيب محفوظ، كما تعد كتاباته تمرة الاطلاع الواسع الغزير، ثمرة لاعتقاده بأن الفكر يجب أن يكون قضية الإنسان الرئيسية وجوهر حياته.

في دعوته التجديدية؛ كان الدكتور زكي نجيب محمود حريصا كل الحرص على أن يبين أهمية الاستفادة من أفكار الأمم الأخرى، أي الانفتاح على حضارة الغرب، وظهر ذلك جليا في كتبه الفلسفية أو من كتبه التي يغلب عليها أنها تعالج موضوعات أدبية، فقد ترك إرثا فكريا هائلا، فجميع كتبه نجد دعوته إلى الأخذ بأسباب العلم وأسباب الحضارة.

وتميز زكي نجيب محمود بحس نقدي غاية في الدقة والروعة، فهذا الحس أهم ما يعبر عن خصائص الموقف الفلسفي، وهو ما جعله مفكرا شامخا، مفكرا يحتل مكانة فريدة ميزته عن غيره من المفكرين، إذ استطاع أن يعلي كلمة العقل فوق كل كلمة، وأقام تجديده للفكر العربي على أساس نقدي دقيق.

في كتاب "معجم الأدباء" لياقوت الحموي، وصف أبا حيان التوحيدي بأنه فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة؛ لأنه كان أديبا موسوعيا يحاول مزج الفلسفة بالأدب، وأن يقدم خلاصة ذلك للناس ليكون قريبا من أفهامهم، وهذا ما ينطبق على زكي نجيب محمود فهو أحد أعلام النهضة الأدبية في مصر، كما نجح في تقديم أعسر الأفكار على الهضم العقلي للقارئ العربي في عبارات أدبية مشرقة، وفك أصعب مسائل الفلسفة وجعلها في متناول قارئ الصحيفة اليومية، واستطاع بكتاباته أن يخرج الفلسفة من بطون الكتب وأروقة المعاهد والجامعات لتؤدي دورها في الحياة.

المفكر الكبير محمود أمين العالم قال عنه في مقال له بمجلة "الهلال" جاء بعنوان "الدكتور زكي نجيب محمود ومنظومته الفلسفية المتطورة": إن المنظومة الفلسفية العامة للدكتور زكي نجيب محمود قد تطورت في الستينيات وحتى آخر كتبه "حصاد السنين" عبر خبراته الثقافية والاجتماعية المختلفة، بل خرجت في كثير من الأحيان عن مفاهيم الوضعية المنطقية التي كانت طاغية بوجه خاص في المرحلة السابقة على الستينيات، ولهذا ما أكثر ما نجده يتعامل مع مفهومي العقل والعلم بعيدا عن الحدود الإجرائية التقنية النفعية، وتبرز في هذين المفهومين أحيانا أعماق ودلالات تاريخية واجتماعية، ونلاحظ في كتاباته ذات الطابع الأدبي إضافة حقيقية إلى الأدب العربي، فضلا عن اشتباك أغلب مقالاته الأدبية مع مختلف القضايا الوطنية والاجتماعية والثقافية بروح العقلانية والدعوة الواعية العميقة إلى التغيير والإصلاح الشاملين على أساس من الحرية والعلم.