رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شريف صالح: ربما في المستقبل يعود الورق إلى الواجهة

شريف صالح
شريف صالح

قبل شهرين خصص الملحق الأدبي لصحيفة "لوفيجارو" ملفا تمثل في نشر نوعية من الكتب باتت تحظى باهتمام القراء مؤخرا، يتعلق الأمر بمخطوطات ومسودات بخط اليد، لدواوين شعرية وروايات شهيرة لكتّاب معروفين، تم طبعها في كتب كما وصلت مخطوطا للناشر؛ هكذا يمنح المخطوط المسودة فرصة للقارئ لولوج العالم الإبداعي للمؤلف في حميمياته من خلال مسوداته الأولى، من خلال تنقيحاته وملاحظاته، وخطه وإمضائه، وأحيانا الرسومات التي يضعها على الهوامش. الآن لم يعد متاحا لكتّاب معاصرين هذا النوع من النشر، لم يعد هناك أحد يكتب أعماله بخط اليد، لم تعد هناك مسودات.

الــ"الدستور" استطلعت آراء الكتاب والمبدعين حول الأمر٬ وهل يوافق الكاتب علي هذه التجربة أي نشر مسودات ومخطوطات أعماله في صورتها الأولي بخط اليد دون تنقيح أو تدخل؟ وهل مازل هناك من يكتب بخط اليد أم بغيره٬ وغيرها.

وعن الأمر قال القاص شريف صالح: أتصور أن هناك نوعين من المسودات، مسودات غير محددة بمثابة تدريبات للكاتب في رحلة نحت النص، ومسودات خاصة بمحرر دار النشر، بعد استلام نسخة الكاتب.

في عالمنا بالعربي، نحن لا نعرف النوع الثاني إلا نادرًا، ومعظم الناشرين يكتفون بملاحظات بسيطة قد لا تزيد علي تغيير العنوان.

أما النوع الأول، وبما أنني أنتمي إلى جيل عاش شبابه قبل ظهور الكمبيوتر، فكنا نكتب المخطوطات في دفاتر، أو على وجه الأوراق وترك الظهر أبيض كما هو. للأسف تخلصت من معظم أوراقي القديمة باستثناء القليل منها.

ومنذ بداية تعلمي على الكمبيوتر عام 2002 على ما أذكر، قررت أن أكتب عليه باليدين كأي محترف، استكمالًا لحلم لم يتحقق خاص بشراء آلة كاتبة والتدريب عليها، لأنني كنت أحب طقطقة الأصابع على حروفها، وأحب لحظة ولادة كل حرف بضربات متتالية.

لا يملك "كيبورد" الكمبيوتر هذا الطقس الفريد للآلة الكاتبة، لكنه ساعدني كثيرًا في الاحتفاظ ب "مسودات"، لكنها ليست طبعًا بخط اليد، ولا تتميز بالبصمة الخاصة ليدي.

تابع صالح: في الكتابة هناك مدرستان: مدرسة تؤمن بالعفوية والتدفق، وعظمة النسخة الأولى. وهذه لا أنتمي إليها. ومدرسة تظل تنحت نصها مسودة بعد مسودة بصبر مدهش. وهذا ما أفعله، أظل أراكم المسودات حتى لو بلغت الثلاثين، لأنها الطريقة الوحيدة التي أفهم بها النص وأعايش الشخصيات، وأتقمصها، وأعثر على حلول. وبسبب تعرض الأجهزة الإلكترونية لمشاكل قدرية مريبة، فقدت الكثير جدًا من المسودات، والمشاريع أيضًا.

لم يتبق سوى القليل منها الذي يحمل طبيعة مناقشتي مع النص، ومع كل جملة، وفقرة. تغيير البدايات والنهايات والعناوين. تصحيح الأخطاء اللغوية.

مر الآن حوالي عشرين عامًا على جلوسي وراء الكيبورد الذي يتنقل معي في حقيبتي بين المدن. بالتأكيد لدي حنين إلى الورقة البيضاء وحالة تأملها، وتلك العلاقة الحميمة جدًا والتأملية لكل كلمة، وشطبها بعنف، وتكوير الورقة في السلة المجاورة.

الآن تبدد كل هذا الطقس، فطبيعة الكيبورد متسارعة ولا تعطي مجالًا زمنيًا لتأمل كل كلمة. أيضًا هو جهاز حيادي بارد لا يمنح أية حميمية ولا يسجل بصمة خطك.

هذا لا يمنع أنه وفر لي السرعة في الإنجاز، وسهولة حفظ مسوداتي ونصوصي وأرشيفي، وتنظيم المشاريع في ملفات.

بمعنى أن لكلا الطريقتين مزايا لا يُستهان بها، وعمليًا اكتفيت بالطريقة الحديثة لأنها باتت جزءًا من لحظتي.

ومن يدري ربما في المستقبل يعود الورق إلى الواجهة، ويكتب كلماتنا تلقائيًا بمجرد أن ننظر إلى الورقة وقد تحولت إلى مرآة تعكس ما يدور في أذهاننا وقلوبنا.