رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الباحث الأمريكى مايكل روبين: أردوغان سيدفع ثمن أفعاله.. والكونجرس لن يتردد فى معاقبة تركيا

مايكل روبين
مايكل روبين



سنوات أربع بدأت من اليوم العشرين فى الشهر الجارى مع دخول الرئيس الأمريكى جو بايدن البيت الأبيض، وتنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، ينتظر فيها العالم ككل، والشرق الأوسط على وجه الخصوص، العديد من التغييرات، ويثار العديد من التساؤلات المُغلّفة بقدر غير قليل من القلق من عودة محتملة لسياسات الرئيس الأسبق «أوباما»، رغم المتغيرات الكبيرة التى طالت الشرق الأوسط خلال الأعوام الماضية.
العديد من الملفات الساخنة فى المنطقة تنتظر مصائر جديدة فى ظل إدارة بايدن، على رأسها الاتفاق النووى الإيرانى، الذى أبرمته إدارة الرئيس أوباما فى العام ٢٠١٥، وانسحبت منه إدارة ترامب بعد ثلاث سنوات، ليتصدر الآن جدول أعمال إدارة بايدن فيما يتعلق بالملفات الخارجية، وسط توقعات بسياسات أقل حدة فى التعامل مع إيران، وما قد تمثله تلك السياسات المرنة من خطر داهم على المنطقة. فضلًا عن تخوفات من دعم الإدارة الجديدة- التى يصفها البعض بأنها الولاية الثالثة لأوباما- تيار الإسلام السياسى، بما قد يمثله ذلك من زعزعة لأمن واستقرار المنطقة.
وفيما لم تتضح بعد ملامح استراتيجية بايدن إزاء ملفات وقضايا الشرق الأوسط، فإن ثمة مؤشرات يُمكن قراءتها من خلال ما صدر عنه وعن حملته من تصريحات خلال الانتخابات الأخيرة، فضلًا عن اختياراته للفريق المعاون بإدارته من التقدميين، التى تشى باستعارة إدارة بايدن أصابع إدارة الديمقراطيين السابقة بقيادة أوباما، واستنساخ متوقع لسياساتها، رغم المتغيرات السياسية والجيوسياسية التى شهدتها المنطقة.
انطلاقًا من تلك القضايا المُلحة، «الدستور» حاورت الباحث الأمريكى، فى معهد American Enterprise، مايكل روبين، حول الملفات المثارة حاليًا فى الشرق الأوسط فى ظل إدارة الرئيس بايدن، لا سيّما أن «روبين» عمل كمسئول سابق فى «البنتاجون»، كما أنه متخصص فى شئون الشرق الأوسط؛ إذ ألّف عددًا من الكتب، كما شارك فى تحرير البعض الآخر حول مناطق اهتمامه البحثى فى التاريخ الإيرانى والثقافة العربية والدراسات الكردية. ومن أبرز أعماله فيما يتعلق بالشرق الأوسط؛ كتابه «الركائز السبع: ما الذى يسبب عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط حقًا؟» الصادر فى العام ٢٠١٩، وهو كتاب شارك فى تأليفه وعمل على تحريره.
فى هذا الكتاب، يحاول روبين، رفقة بعض الخبراء الأمريكيين، الكشف عن أسباب عدم الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، بعيدًا عن المنطلقات الأمريكية التقليدية التى تُحلل أوضاع المنطقة، بناء على قضايا الإرهاب أو السلام العربى الإسرائيلى أو حقوق الإنسان، وذلك بالتطرق إلى بعض القضايا الداخلية التى تسبب تلك الحالة من عدم الاستقرار وتهدد المنطقة بالأساس قبل تهديدها الولايات المتحدة.
وفى كتابه «الرقص مع الشيطان: مخاطر إشراك الأنظمة المارقة»، الصادر فى العام ٢٠١٤، يرصد «روبين» ويحلل تاريخ الدبلوماسية الأمريكية فى تعاملها مع بعض الأنظمة، مثل إيران والعراق وليبيا وباكستان، للتعرف على أوجه خلل بعض الاستراتيجيات الأمريكية فى بعض المواقف. هذا فضلًا عن كتبه «انتفاضة كردستان» الصادر فى العام ٢٠١٦، و«إيران الخالدة: الاستمرارية والفوضى» عام ٢٠٠٥، و«المعارضة والإصلاح فى العالم العربى» عام ٢٠٠٨.
وإلى نص الحوار:

■ منذ عام تقريبًا، قمت بتحرير كتاب بعنوان «الركائز السبع: ما الذى يسبب عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط حقًا؟».. هل طرأت تغييرات على الرؤى المعروضة فى الكتاب خلال السنة المُنصرمة؟ وما المشكلات التى نوقشت فى الكتاب وما زالت حاضرة ومُلِحّة؟
- لا يزال ما طُرح فى الكتاب مُطابقًا لواقع الحال؛ فقد هدفنا من خلاله إلى استكشاف بعض القضايا التى لا علاقة لها بالولايات المتحدة أو بالسياسة الخارجية بشكل عام، تجنبًا للوقوع فى خطأ النظر إلى الشرق الأوسط عبر عدسة واشنطن. على سبيل المثال، ناقشنا القضايا المتعلقة بجهود أنظمة التعليم فى الدول العربية فى إعداد الجيل القادم من الطلاب، والديناميكيات الثقافية الجديدة التى جلبتها وسائل التواصل الاجتماعى، وكذلك الهياكل والثقافات الخاصة بالجيوش العربية، فضلًا عن الأسئلة المتعلقة بكيفية قيام الدول المختلفة بتأسيس شرعية الحكومة.
لا توجد صيغة سحرية لحل هذه المشكلات بالطبع، لكنّ جزءًا من هدفنا هو إقناع الأمريكيين من الحزبين بضرورة التوقف عن البحث عن حلول سحرية من خلال التعامل مع الشرق الأوسط، كما لو أن نموذجًا واحدًا للحكومة أو نوعًا من السياسة يناسب المنطقة بأكملها. بدلًا من ذلك، يجب أن يبدأوا فى الإصغاء أولًا، لأن المخاوف التى يُعبِّر عنها الناس فى الشرق الأوسط مختلفة تمامًا عن تلك التى تناقشها واشنطن.
■ وما تلك المخاوف التى تعتقد بأن الإدارة الأمريكية لا تدركها فى الشرق الأوسط؟
- إن عملية السلام فى الشرق الأوسط والعديد من تحديات السياسة الخارجية تصرفان الانتباه إلى حد كبير عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية التى تواجه معظم الحكومات. إذا كان هناك سلام واسع النطاق غدًا من المحيط الأطلسى إلى الخليج ومن البحر الأبيض المتوسط إلى خليج عدن، فستظل كل دولة فى مواجهة تحديات كبيرة ناجمة عن تغير الأجيال، وظهور أيديولوجيات جديدة، فضلًا عن الانشغال الحثيث بالبحث عن سبل يمكن من خلالها إعادة تشكيل اقتصادات متحجرة كى تلائم عالمًا جديدًا.
■ فى الكتاب ذاته، تطرّقت لمناقشة منابع التطرف فى الشرق الأوسط.. ما التحديات الجديدة فى هذا السياق برأيك؟
- أرى أن الكثير من المقاربات الأمريكية فى هذا الموضوع غير فعالة، كما أنها تشكّلت بسبب الجهل بالتاريخ الإسلامى. على سبيل المثال، يمكننا الحديث عن نجاح «برنامج المرشدات المغربى»، ليس فقط فى المغرب، ولكن أيضًا فى جميع أنحاء غرب إفريقيا. ومع إن الكثير من المسئولين الأمريكيين يميلون إلى تجاهل المغرب بحجة أنه هامشى للعالم العربى، فمن الناحية العقائدية، يُعد المذهب المالكى فى الفقه أفضل بكثير من حيث التطور، وله تاريخ أعمق وأكثر ثراءً من السلفية التى بزغت فى المملكة العربية السعودية.
فى الإطار ذاته، عندما أكون فى شمال إفريقيا أو المغرب العربى، أسمع كثيرًا عن تواصل الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى الهادئ مع بغداد أو الرياض أو الرباط فيما يخص القضايا المتعلقة بالوسطية الدينية. يتجاهل الأمريكيون المبادرات التى لا يشاركون فيها أو يقللون من أهميتها.. ستقود العنجهية الأمريكية إلى سقوطنا.
■ ما توقعاتك للدور الأمريكى خلال الفترة المقبلة فى مكافحة الإرهاب بالمنطقة؟ وهل من الممكن توقع انخراط مباشر لإدارة بايدن فى المناطق الملتهبة؟
- يجب أن يكون الدور الأمريكى بالشراكة مع الحكومات المحلية التى تواجه تحدى الإرهاب، عندما تتدخل الولايات المتحدة فى مكافحة الإرهاب بنفسها، فمن المهم أن تفعل ذلك بمشرط وليس بفأس.
هذا لا يعنى أننى ليبرالى ساذج لا يعتقد أن هناك دورًا للجيش، بعض الإرهابيين ينخرطون فى العمليات الإرهابية فقط من أجل المال، فإذا ذهب المال، يجدون الأعذار للعودة إلى ديارهم، رأيت هذا مؤخرًا فى مدينة النبطية بلبنان، على سبيل المثال، حينما تراجع الإرهابيون بعدما عجز حزب الله والممولون الإيرانيون عن دفع الرواتب، مع ذلك، سيكون هناك دائمًا نواة صلبة وراسخة لا يمكن معالجتها إلا عسكريًا.
■ ما الأخطاء التى ارتكبتها إدارة أوباما، التى تعتقد أن الرئيس بايدن سيسعى إلى تجنبها أو ينبغى عليه القيام بها؟ وهل دعم الإسلام السياسى من الأخطاء التى سيسعى بايدن إلى تجنبها برأيك؟ ولماذا؟
- لسوء الحظ، بينما يتحدث بايدن كالمعتدل، يشير بعض تعييناته المبكرة إلى أن التقدميين سيشكلون سياسته الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط. وهذا يعنى أن البيت الأبيض سيضفى الشرعية مرة أخرى على جماعة الإخوان والنظام الإيرانى، ولن يدرك أنه يخاطر فى الحالتين.
■ منذ ست سنوات صدر كتابك «الرقص مع الشيطان: مخاطر إشراك الأنظمة المارقة» ناقشت فيه الطرق التى حاولت بها الإدارات الأمريكية التعامل مع بعض الأنظمة.. فى ظل نُذر ومؤشرات العلاقة المتوترة بين بايدن وأردوغان، كيف يواجه بايدن التحركات التركية؟
- حصل أردوغان على تصريح مرور مجانى من ثلاثة رؤساء أمريكيين. لكن بينما يعتقد أردوغان أن بإمكانه تشكيل السياسة الأمريكية بسبب علاقاته الشخصية بالمكتب البيضاوى، فقد ولّت تلك الحقبة. سيدفع أردوغان الآن ثمن أفعاله وأفعال تركيا والاعتداءات الإقليمية.
فقدت تركيا تدريجيًا نفوذها فى الكونجرس الذى لن يتردد الآن فى معاقبتها بسبب مغازلتها روسيا، وعدوانها الإقليمى، وانتهاكاتها حقوق الإنسان، ولن يرغب بايدن فى التدخل مثلما كان ترامب يفعل. قد يختبر أردوغان بايدن فى وقت مبكر ويصل إلى قناعة بأنه فى ظل حكم بايدن، من غير المحتمل أن تقف الولايات المتحدة بجانبه إذا اختار خوض معارك مع قبرص أو اليونان أو مصر أو إسرائيل.
■ وبموازاة ذلك، ما الخيارات الأمريكية فى التعامل مع إيران ومشروعها النووى؟ وكيف ستؤثر تلك الخيارات على المنطقة العربية؟
- الخياران الرئيسيان هما «الضغط الأقصى» من جهة، أو «الانخراط المفرط» من جهة أخرى. يميل بايدن إلى احتواء إيران، ويؤمن فريقه بخرافة وجود اختلافات جوهرية بين النظام الإيرانى المتشدد ومن يسمون بالإصلاحيين. فى الواقع، الاختلافات الوحيدة فى التكتيكات وليس السياسة. ومن ثم يكمن الخطر فى أنه من خلال تخفيف العقوبات والتعاون مع إيران، سيسهم فريق بايدن فى ملء خزائن الحرس الثورى، مما سيمكن إيران من تعزيز تدخلها فى الدول العربية.
■ فى السياق نفسه، كيف ستتعامل الإدارة الأمريكية، فى ضوء ما تطرقت إليه، مع تصاعد النفوذين الروسى والصينى فى المنطقة؟
- هناك بعض المسائل التى يجب ألا نوليها اهتمامًا، على سبيل المثال، لماذا نرسل الكثير من الحماية للممرات البحرية فى الخليج العربى إذا كان معظم هذا النفط يذهب إلى الصين وآسيا الشرقية؟ هناك أيضًا بعض السذاجة: يعتقد الأمريكيون بغرور، فى مناقشاتنا مع دول المنطقة، أنه يمكننا التعامل مع الدول العربية بمعزل عن تأثير القوى الأخرى. ننسى أنه إذا ضغطنا على المملكة العربية السعودية كثيرًا فإن الرياض يمكنها ببساطة أن تتوجه نحو الصين.
وبالمثل، إذا لم نحترم عملية التوازن الدقيقة التى يحافظ عليها الرئيس السيسى فى مصر وهددنا بزعزعة استقرار القاهرة بسذاجتنا، فإن روسيا تنتظر الفرصة وعلى أهبة الاستعداد لتكون الشريك المفضل لمصر، حينما يأتى الوقت الذى ندرك فيه تهديد النفوذ الروسى والصينى، سيكون الأوان قد فات بالنسبة للولايات المتحدة.
■ إلى أى مدى يمكن للإدارة الأمريكية الجديدة الاستفادة من المتغيرات فى المنطقة مثل المصالحة الخليجية واتفاقات السلام العربية مع إسرائيل؟
- كما هو الحال دائمًا، سيعتمد الأمر على ما إذا كان فريق بايدن سيستمع إلى الناس فى المنطقة أم أنه سيظل فى عمى بسبب كبريائه الشخصى. ربما هم لا يودون الاعتراف بأن ترامب كان محقًا فى بعض القضايا، أو أن منح الفلسطينيين حق الاعتراض على المزيد من التطبيع الإقليمى كان سيئًا لجميع الأطراف. حقيقة الأمر هى أن السلام الإقليمى الواسع يجعل حل الدولتين أكثر ترجيحًا وليس أقل ترجيحًا.
■ على ذكر المصالحة الخليجية، كيف يمكن أن تؤثر تلك المصالحة على الإسلام السياسى فى المنطقة؟
- لدى شك فى أن قطر تعلمت الدرس. علينا أن نتذكر أن المقاطعة العربية لقطر فى ٢٠١٧ لم تكن هى المرة الأولى، ففى عام ٢٠١٤، وقّعت قطر على بيان الرياض، وحنثت بعد ذلك فى تعهدها بعدم دعم الحركات الإسلامية العنيفة، أظن أن قطر ستبدأ فى التهدئة، لكنها ستبدأ تدريجيًا فى التدخل، سواء بشكل مباشر أو عن طريق تمويل تركيا كـ«رأس حربة».
■ وما توقعاتك للعلاقات المصرية الأمريكية خلال رئاسة بايدن؟
- مصر مهمة جدًا لأمريكا، لكننى أشعر بالقلق من عجز بعض أولئك الذين صنعوا حياتهم المهنية فى فقاعة واشنطن عن فهم أهمية مصر فى الوقت الحالى، وفى المستقبل، كما أخشى أن يؤدى العداء الشخصى فى بعض الحالات إلى عدم قيام الولايات المتحدة بما يكفى لدعم مصر ومصالحها فى المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالبحر المتوسط وحوض نهر النيل.