رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صراعات أوروبية على اللقاحات!



المنافسات والمضاربات للاستحواذ على معدات الحماية الشخصية والأجهزة الطبية، التى خاضتها دول الاتحاد الأوروبى، ضد بعضها بعضًا، فور ظهور وباء «كورونا المستجد»، بدأت تتكرر بعد ظهور اللقاحات المضادة للفيروس، مع أن المفوضية الأوروبية وضعت خطة شراء جماعية، وافقت عليها الدول الأعضاء، وتعهدت بالالتزام بها وبألا تعقد أى صفقات ثنائية.
السباق المحموم من أجل التوصل إلى لقاح ينقذ البشرية من هذا الوباء، تبعه سباق أشد ضراوة بين الدول الغنية لتلقيح مواطنيها أولًا، بوسائل مشروعة أحيانًا، وغير مشروعة غالبًا، بينما تراهن الدول الفقيرة على مبادرة «كوفاكس»، التى تقودها منظمة الصحة العالمية، وتهدف إلى شراء اللقاحات وتوزيعها بعدالة على دول العالم المختلفة، بغض النظر عن وضعها الاقتصادى.
تعاقدت المفوضية الأوروبية مع ست شركات، ووافقت الوكالة الأوروبية للأدوية على استخدام لقاحات اثنتين منها: لقاح فايزر، الذى بدأت عدة دول فى استخدامه أواخر الشهر الماضى، ولقاح مودرنا، الذى بدأ استخدامه الأسبوع الماضى. ومن المفترض أن الـ٧٦٠ مليون جرعة التى تعاقد عليها الاتحاد من هذين اللقاحين تكفى لتلقيح ٨٠٪ من سكان الدول الأعضاء.
هذه النسبة قد تزيد طبعًا، لو وافقت الوكالة، فى ٢٩ يناير الجارى، على الطلب الذى تقدمت به شركة إسترازينيكا لاعتماد اللقاح الذى تنتجه بالتعاون مع جامعة أكسفورد. مع ملاحظة أن الشركة حصلت على دعم يتجاوز المليار دولار من هيئة البحث والتطوير الطبى الحيوى التابعة لوزارة الصحة الأمريكية، BARDA، من أجل تطوير، وإنتاج، وتسليم اللقاح.
الدوافع المالية منطقية طبعًا وطبيعية، وطبيعى ومنطقى أن تسعى الشركة، كما كل شركات الأدوية العملاقة، إلى تحقيق أرباح. ولعلك تتذكر أن وكالة «بلومبرج» كانت قد نقلت عن المدير التنفيذى لمجموعة «سانوفى» الفرنسية للصناعات الدوائية، أن أولوية الحصول على اللقاح، الذى تقوم بتطويره، ستكون للولايات المتحدة الأمريكية. وبعد حالة الاستياء التى أثارتها تلك التصريحات، عادت المجموعة، التى تتلقى دعمًا من الحكومة الفرنسية، خطوة إلى الوراء، وزعم رئيس مجلس إدارتها، أن تصريحات الرئيس التنفيذى تم تحريفها.
أضف إلى ذلك أن زيادة الطلب، مع قلة العرض، جعلت لقاحات كورونا تعادل «الذهب السائل»، حسب يورجن ستوك، أمين عام الإنتربول، ودفعت شبكات إجرامية عديدة، كانت خاملة، إلى استئناف نشاطها. وتأسيسًا على ذلك، أصدر الإنتربول، جهاز الشرطة الجنائية الدولية، بداية الشهر الماضى، نشرة برتقالية، دعا فيها أجهزة الشرطة فى الدول الـ١٩٤ الأعضاء إلى التنسيق مع المؤسسات الصحية وهيئات الرقابة على الأدوية، لضمان سلامة سلاسل التوريد ولمكافحة اللقاحات المغشوشة. كما حذرت وكالة الشرطة الأوروبية، يوروبول، من ظهور نسخ مزيفة وخطيرة من اللقاح. وفى ظل الكوارث الصحية والاقتصادية والمجتمعية، التى تشهدها دول الاتحاد، أكدت الوكالة أن المجرمين باتوا يستخدمون أساليب أكثر تطورًا فى عمليات الاحتيال.
الصراع، إذن، بين الولايات المتحدة وكل الدول الأوروبية، أو بين الطرفين وطرف ثالث. ومع ذلك كشف عدد من نواب البرلمان الأوروبى، أمس الأول، الأربعاء عن تعاقد دول أعضاء فى الاتحاد مع شركات أدوية، وعن مفاوضات تجريها دول أخرى. وأقر جينز سبان، وزير الصحة الألمانى، بأنه قام بالتوقيع على مذكرة تفاهم مع شركة فايزر لشراء ٣٠ مليون جرعة من اللقاح الذى تنتجه بالتعاون مع شركة «بيونتيك» الألمانية. كما أفادت وزارة الصحة الإيطالية بأن اللقاح، الذى يقوم بتطويره مستشفى «سبالّاتزانى»، وصل إلى المرحلة الأخيرة من التجارب السريرية، ثم أكدت أنها حال الموافقة على استخدامه، لن تقوم بتصديره قبل تغطية كل احتياجاتها.
ساندرا جالينا، مديرة الشئون الصحية بالمفوضية، نفت أمام البرلمان الأوروبى قيام الدول الأعضاء فى الاتحاد بتوقيع أى عقود ثنائية لشراء لقاحات. وأكدت جالينا، التى أشرفت على المفاوضات مع شركات الأدوية، أن «التضامن بين الدول الأعضاء هو حجر الزاوية الذى تقوم عليه استراتيجية التلقيح الأوروبية، وهو الذى سمح لنا بالحصول على كميات يستحيل أن تحصل عليها دولة بمفردها». غير أنها عادت وطالبت الحكومات باحترام الاتفاق والامتناع عن خرق الآلية المتفق عليها لشراء اللقاحات وتوزيعها، وحذرت من تقويض روح التعاون التى تقوم عليها استراتيجية اللقاحات الأوروبية التى أقرتها الدول الأعضاء بداية الصيف الماضى.
.. أخيرًا، وعلى الجانب الآخر، أو فى عالم آخر، أعرب إنريكى باريس، وزير الصحة التشيلى، عن أمله فى أن تكون الأمريكتان أكثر توحدًا تحت قيادة الرئيس الأمريكى القادم، جو بايدن، وألا تضطر دول أمريكا اللاتينية إلى خوض معارك للحصول على اللقاحات، كتلك التى خاضتها للحصول على أجهزة التنفس ومعدات الوقاية. وفات هذا الحالم أن الولايات المتحدة، أيًا كانت إدارتها، لن تتردد فى أكل كل دول العالم، لكى تكون وحدها على القمة دون شريك أو منافس.