رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل إلى الفرحين بإدارة بايدن


مازال البعض يعتقد أن تغيير النظام في مصر يتطلب تحركات مؤيدة من القوى الدولية الكبرى، وهو ما جعل البعض يبدي فرحًا وسرورًا مبالغ فيه بعد فوز الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، خاصة أن موقفه من مصر معروف وعبر عنه من خلال عدة تصريحات تضمنت انتقادات، وبالطبع، بدأت بعض مؤسسات المجتمع المدني وكذلك السياسيين في التهليل بالفوز من خلال مواقع السوشيال ميديا وبعض القنوات في الخارج، ظنا منهم أن المنقذ قد جاء وأن "ماما أمريكا" قد عادت لفرض شروطها على النظام المصري.

في الحقيقة أن هذا الكلام قد تجاوزه الزمن، وكل هذه التصورات تبقى مجرد فكرة في ذهن هؤلاء، دون إدراك للحقائق التاريخية والسياسية في المنطقة وفي القلب منها مصر، لأن الأمر برمته قد تغير خلال العشر سنوات الماضية، ولم يعد هناك أي نوع من القيد أو السيطرة الأمريكية التي يمكن فرضها على مصر.

وقراءة التاريخ دائما تجنبنا تكراره أو تكرار أخطاءه، لذلك من الضروري أن نقرأ التاريخ بداية من حكم جمال عبد الناصر وصولا إلى مبارك، وكيف كانت علاقة مصر بأمريكا ونعلم جميعا أنه فُرض علينا أنماطا من التعامل لم تكن مقبولة لكنها كانت ضرورة مرحلية مرتبطة بعدة أسباب، ربما أهمها أنه لم يكن هناك رئيسا منتخبا لمصر بشرعية شعبية حقيقية بل ظل بقاءهم في السلطة مرهون دومًا بمدى رضا القوى الدولية الكبرى وارتباط مصالحها بهم بصرف النظر عن حق الشعب في تقرير مصيره.

ولعل ارتباط تسليح مصر بقرارات حكام تلك الدول وفي مقدمتها أمريكا، التي كانت تملك في أوقات عديدة قرار حظر تصدير السلاح لنا، ومنع قطع غياره أو وقف صيانته، وهو الأمر الذي شرع الرئيس عبد الفتاح السيسي في تغييره من اليوم الأول من توليه حكم البلاد فنجح في إبرام اتفاقيات عسكرية استراتيجية تمثل تحالفات جديدة بعضها مع فرنسا والآخر مع روسيا وغيرهما، وبالتالي نجحت مصر في التخلص من التبعية فيما يتعلق بهذا الملف ونوعت مصادر تسليحها.

النقطة الثانية كانت تربط بمدى قدرة مصر على توفير اكتفاء ذاتي من السلع الأساسية وأبرزها القمح على سبيل المثال، وعدم الوقوف عاجزة أمام قرارات سياسية تملك قرار تجويع الشعب.

والأهم أن مصر نجحت في استعادة مكانتها كقوة فاعلة في محيطها الدولي والإقليمي من خلال تسجيل الحضور الإيجابي في الملفات الكبرى في المنطقة والوقوف بقوة ضد أطماع بعض الدول، كما نجحت بجدارة في حماية أراضيها من الإرهاب وكذلك الحفاظ على عمقها الاستراتيجي في ليبيا وكذلك حفظت مواردها في مياه شرق المتوسط تحت مظلة الشرعية الدولية.

اليوم ينير فوز بايدن بصيص من أمل في عقول هؤلاء أملا في أن يدعمهم الرئيس الديموقراطي لتنفيذ أجندات معينة وتعود ماكينة التمويلات تضخ من جديد، وكذلك الفوضى، لكن الواقع يقول، إن مصر التي كانت قبل 2011 ليست مصر اليوم، التي لديها رئيس منتخب من الشعب انتخابا نزيهًا نجح في تكسير التابوهات المعتادة للسياسة المصرية قادرة على صناعة تقارب إقليمي يحقق مصالح مشتركة.
وأهم ما نجح فيه الرئيس أنه جعل أمر المصريين في أيديهم وهم أصحاب القرار والكلمة العليا في الوطن وكذلك هم أصحاب الحق في حفظ سيادته فلم يعد الأمر مرهون برضاء قوة غربية أو شرقية ليستمر الرئيس في الحكم بل هو مدعوم بشعبه.

والأمر حين يعود للشعب فهو يوازن ويختار بين أفضل البدائل المطروحة أمامه والأمر الحقيقة ليس سرًا أو خفيا على أحد فالشعب المصري يرى أن الإنجاز الغير مسبوق للرئيس عبد الفتاح السيسي خارجيًا وإقليميًا وعسكريًا وأمنيًا وكذلك البناء اليومي لتحسين البنية التحتية والمدن والطرق والمزارع نجاحًا ملموسًا حقيقيًا ولكن بجانب كل هذه الإنجازات والحقائق يرى أيضا انغلاقا في أروقه الحياة السياسية وقضايا التعبير.

هذه هي خيارات الشعب المصري الآن هو يرى أن قوة الوطن واستقراره ونهوضه مقدم علي آنين بعض السياسيين والحزبيين في بطيء الإصلاح الديمقراطي، وكأن الشعب يبتغي وطن قوي متماسك قبل أن يبدأ في ممارسة لعبة السياسة بأبعادها ومحاسنها وسوءاتها.

ويتوجب على السياسيين إرضاء الشعب وطمأنته أنهم لن يتصارعوا للوصول للحكم ولو كان على جثه الوطن كما فعلوا عقب ثورة 25 يناير، عليهم أن يعتمدوا على دعم الشعب لهم وليس دعم بايدن وتأييده لهم، عليهم أن يطمئنوا الشعب أن جيش مصر ليس للمقامرة الأيدلوجية أو لانحياز طائفي، عليهم أن يدركوا أن الأمان الاقتصادي والعسكري يمهد الأرض لممارسة سياسية تسمح بالتداول وفق برامج وأفكار سياسة وليس تداول قائم على دعم خارجي أن نزاعات وثورات دون اعتبار للوضع الاقتصادي والأمني لمصر.