رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصرواليونان: الثقافة المشتركة


نعلم جميعًا أن الإسكندرية سُميَّت كذلك على اسم "الإسكندر الأكبر"، ومع ذلك لا يستهجن أحد هذا الوضع، أو يقول كيف نسمي العاصمة الثانية على اسم غازي للبلاد هو الإسكندر؟! بل أصبحت الإسكندرية بحق عروس البحر المتوسط، كما أصبحت الملكة كليوباترا رمزًا مصريًا خالصًا، رغم أصول أسلافها اليونانيين، لكنها في الحقيقة أصبحت جزءًا من تاريخ المرأة المصرية.
تذكرت كل ذلك وأنا أشارك في الأمسية الثقافية التي أقامها المجلس الأعلى للثقافة، وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية بالتعاون مع السفارة اليونانية في القاهرة، وكان من المثير أن يذكر السفير اليوناني أنه وُلِد في مصر في مدينة بورسعيد، وأن أباه كان يعمل في هيئة قناة السويس، وأنه سعيد بعودته من جديد إلى مصر، كما كان من المثير أيضًا أن يشير الدكتور "هشام عزمي" إلى أهمية السينما المصرية كمصدر للتعاون الثقافي المصري اليوناني، وأن تؤكد أستاذة السينما الدكتورة "سعاد شوقي" على أهمية تعرُف المشاهد المصري على السينما اليونانية القريبة من عالمه وحياته اليومية، إنها بحق سينما عالم البحر المتوسط.
واستعرض الباحث في السينما "يني ميلاخردينوس" دور اليونانيين في السينما المصرية، وكيف أن معظم دور السينما في مصر كانت مملوكة ليونايين مصريين، كما تحدث عن ستديو الأهرام والدور اليوناني فيه، وحتى عن بعض الاستديوهات السينمائية الصغيرة في وسط القاهرة، أيام عزّ وسط البلد، وكان المثير الحديث عن أفلام يونانية تم إنتاجها في مصر، فأصبحت من حيث شهادة ميلاد الفيلم مصرية، رغم أنها يونانية!
وألقت الدكتورة "رشا طموم" أضواءًا هامة على أشهر موزع موسيقي مصري يوناني، اشتهر من خلال وضع الموسيقى التصويرية للأفلام، الموسيقار "آندريه رايدر"، ولعل أشهر موسيقاه التصويرية كانت لفيلم دعاء الكروان الذي تدور أحداثه في قرية مصرية، ورغم ذلك وضع رايدر موسيقى تُشعِرك بأن مصري مائة بالمائة هو واضع هذه الموسيقى، ولذلك كرمته مصر ومنحته الجنسية المصرية نتيجة جهوده العظيمة في الموسيقى والسينما المصرية.
وقدم الدكتور "حمدي إبراهيم" استعراضًا هامًا لحركة الترجمة من اليونانية إلى المصرية مرورًا بجهود "طه حسين" ووصولاً إلى جهود أقسام اللغة اليونانية في الجامعات المصرية.
وبالنسبة ليّ كمؤرخ، كان من المثير أن ينشأ أحد أكبر الأدباء اليونانيين، وهو "تسيركاس"، على أرض مصر، بل ويشارك في الحزب الشيوعي اليوناني وهو مقيم في مصر، ويكتب رواية هامة عن كفاح المصريين منذ ثورة 1919 وحتى تأميم قناة السويس 1956، ولا يعود "تسيركاس" إلى اليونان إلا في أواخر أيامه.
هل أتحدث عن النادي اليوناني بشبرا، الذي تحول بعد ذلك إلى نادي إسكو؟ أم أتحدث عن أسماء المناطق الشوارع في الإسكندرية وفي شبرا، والتي ما زالت تحمل أسماء يونانية؟ إنه التاريخ المشترك، تاريخ الناس، تاريخ وثقافة البحر المتوسط، الذي لا بُد أن يبقى شريانًا للثقافة وللتبادل الحضاري.