رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشفافية.. الطريق لمستقبل أفضل



الشفافية لا تعرف المجاملة ولا تعرف التمييز بسبب اللون أو اللغة أو الانتماء لدين معين، أو المساكنة أو المجاورة ولا المصاهرة أو القرابة بأى درجة كانت، حتى فى داخل الأسرة الواحدة، ولضمان الشفافية تلزم المتابعة والرقابة الشديدة التى لا تعرف ما هو عكسها.
ولضمان دوام الشفافية كان لا بد من حكومة لا تعرف التهاون فى حقوق الآخرين من الشعب قبل المسئولين، حيث لا مجاملة أو محاباة ولا تهاون أو تراخٍ، وفى أثناء كتابة هذا المقال شدنى إعلان هذا نصه: «مكافأة قدرها ثلاثون ألف جنيه لمن يدلى بمعلومات عن قاتل كلبى».
أما الطبيب صاحب الإعلان فهو من منطقة بعيدة، وكان كلبه هو الصديق الوفى الذى اعتاد على مرافقته، بل ومرافقة المترددين على عيادته الطبية، فيتبعهم حتى وصولهم إلى بيوتهم ثم يعود إلى صاحبه، كما كان الكلب مسالمًا ودودًا لا ينبح ولا يسمع أحد صوته.
وقد حزن الطبيب على مقتل كلبه، هذا الصديق له ولأولاده وكل زبائنه والعارفين لهذا الكلب وصاحبه، فأعلن الطبيب عن أنه سيقدم مكافأة لمن يدل على قاتل كلبه هذا مقدارها ثلاثون ألف جنيه.
ويقول الطبيب إنه بعد إعلانه عن مقدار هذه المكافأة، تلقى بعض المعلومات، لكنها لم تكن دقيقة أو صحيحة حتى يعرف من هو قاتل كلبه الذى لم يؤذِ أحدًا طوال حياته، بل كان صديقًا وفيًا وخادمًا أمينًا يندر وجود مثال له.
أما السبب الصحيح لتقديم هذه الواقعة، والتى هى أقرب إلى الخيال، لكنها تشير إلى قيمة الشفافية والأمانة فى الكلمة وفى السلوك والمعاملة، ففى معنى الإنسانية تتضح مكانة الإنسان، حيث يعيش البشر ما يعرف بالسلوك الإنسانى الذى يقوم على معنى الروابط البشرية المستمدة من خالقها وحاميها والمعين لها.
لذلك كان قدر ومكانة الشفافية بين البشر، بل والترابط وتبادل المنافع ومقاومة الشرور والكوارث، ومن أهم ما يواجه البشرية جميعًا مع اختلاف لون بشرتنا أو تعدد لغاتنا تأتى جائحة كورونا، كأبسط الأمثلة وأكثرها عمومية، وأمامها تقف البشرية كلها فى شراكة واحدة، فالإصابات لم يسلم منها بلد أو شعب، فالفيروس الذى لا يُرى بالعين المجردة ضحاياه بالملايين، لا يفرق بين عامل أو عالم، مسن أو شاب يافع، نافع أو غير ذلك، ونسمع الآن عن إعلان وسيلة مقاومة هذا الوباء، لعلها تنهى هذه المأساة.
ومن المؤسف أن منطقتنا «الشرق أوسطية» تفتقر إلى حد كبير إلى دقة البيانات، أو منع وصولها أصلًا فى بعض المواقع التى تفتقر إلى الشفافية فى بعض الجهات، فى الوقت الذى يحتاج فيه كل ركن من أركان هذا العالم الذى نعيش فيه إلى دقة المعلومات، خاصة فيما يتعلق بصحة الإنسان ووسائل تعافيه وتشافيه، وكذا ضرورة صحة البيانات الخاصة بهذه الجائحة المرضية.
ولعل مصر بحجمها الكبير، ومواكبتها ثقافة العصر، تصبح المثل والقدوة والمعلم لجهات كثيرة حولها، فتاريخها وحاضرها يؤهلانها لقيادة المنطقة، وقد كانت وما زالت تتمتع بهذه الصفة التى عشناها وأجيال قبلنا، وهكذا لقبها الأجداد والأبناء والأحفاد «مصر أم الدنيا».
وعودة إلى الجائحة العالمية، لا سيما بين أبناء دول فقيرة فى كل ركن من أركان عالمنا حيث تدنى الاقتصاد، وبالتالى تدنى دخل الفرد، الأمر الذى لم يقتصر على دول العالم الثالث، بل وتأثر كثير من دول العالم الأول والثانى واقترب إلى العالم الثالث، وجاءت الجائحة الكارثية التى ارتفع فيها عدد المصابين والمتوفين ليصل إلى أرقام قياسية، الأمر الذى زاد البلاء واقترب من الفناء ليس فقط حياتيًا، بل وأيضًا معيشيًا وتعليميًا، فالمدارس أُغلقت، وحتى عندما اتبع كثير من الدول أسلوب التعليم عن بُعد، إلا أن ساعات الدرس تناقصت وفقدان الحضور الجسمانى أثر كثيرًا على المعلم والمتعلم.
وفى أرقام بالملايين وأمام هذه الجائحة تدنى الاقتصاد، وبالتالى تدنى نصيب الفرد من دخله بنسب تتراوح بين واحد وسبعين بالمائة حتى أربع عشرة فى المائة، وتأثر العالم كله ماديًا ومعنويًا وصحيًا وتعليميًا بسبب هذه الجائحة الكارثية.
ولو كان لنا أن نضيف أنه لو جاهر العالم بأول إصابة، منبهًا الدنيا كلها ما كنا وصلنا إلى ما فيه عالمنا اليوم، فافتقار الأمانة والصدق وتحمل المسئولية، قادنا، كل هذا، إلى ما فيه العالم اليوم، ومن أدرانا ما سيصل إليه، وهل العقار المشار إليه هذه الأيام سيحقق المراد، أم سيأخذ العالم إلى دائرة جديدة، يستمر فيها حصد الأرواح، أم أن العقار المشار إليه هو قارب النجاة الذى سيحمل العالم إلى شاطئ الأمان حتى يتوقف عداد الضحايا المفزع الذى لم يترك دولة أو دويلة أو قاطنى الجبال والكهوف حتى قاربنا نهاية المليون الثانى من ضحاياه؟