رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرب فى الظلام!


الحرب مستمرة بين قوات إقليم تيجراى والجيش الإثيوبى، ولا تزال وسائل الإعلام عاجزة عن التحقق من صحة ادعاءات الطرفين، بسبب انقطاع الاتصالات التليفونية وخدمة الإنترنت عن الإقليم. أما الشىء الوحيد المؤكد، فهو أن أبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، الحاصل على جائزة نوبل لـ«السلام»، لم يلتفت إلى كل نداءات الوساطة الإفريقية أو الدولية.
اليوم، الأربعاء، تنتهى الـ٧٢ ساعة، مهلة الاستسلام، التى منحها أبى أحمد للجبهة الشعبية لتحرير تيجراى، وهى المهلة، التى يرى دبرصيون جبراميكائيل، زعيم الجبهة، أنها كانت «ستارًا» حتى تتمكن القوات الحكومية من إعادة تجميع صفوفها بعد الهزائم التى لحقت بها، على ثلاث جبهات. وعبر حساب مجلس الأمن القومى الأمريكى، على «تويتر»، أعربت الولايات المتحدة عن دعمها لجهود الوساطة، التى يقودها رئيس جنوب إفريقيا، لإنهاء هذا الصراع المأساوى.
بعد اجتماع عقده مع الرئيسة الإثيوبية سهلورق زودى، الجمعة، نقلت وسائل إعلام عن سيريل رامافوزا، رئيس جنوب إفريقيا، رئيس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقى، أنه سيرسل مبعوثين لأديس أبابا، تنحصر مهمتهم فى إقناع كل أطراف الصراع بإنهاء الأعمال العدائية، وخلق ظروف من أجل حوار وطنى شامل، لحل كل القضايا التى أدت إلى الصراع، واستعادة السلام والاستقرار إلى إثيوبيا، وبالفعل، اختار رامافوزا ثلاثة رؤساء أفارقة سابقين، لكن فريق الحكومة الإثيوبية وصف الأخبار المتداولة، عن توسط المبعوثين بين الحكومة الاتحادية وبين ما وصفه بـ«العنصر الإجرامى فى الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى» بأنها أخبار وهمية.
رئيس الوزراء الإثيوبى رفض، كما أشرنا، كل نداءات الوساطة الإفريقية أو الدولية، بما فى ذلك وساطة مجموعة «إيجاد»، المعنية بحل النزاعات فى وسط وشرق القارة الإفريقية، التى يترأسها السودان، كما رفض قبول أى جهود تقوم بها الأمم المتحدة، ويراها تدخلًا فى شئون بلاده الداخلية. والجمعة، أكد أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، للصحفيين، أن السلطات الإثيوبية لم تقبل أى شكل من أشكال الوساطة.
ميدانيًا، لا أحد يعرف شيئًا عن شىء، إذ يزعم المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية أن «بداية النهاية أصبحت وشيكة»، ووضع أبى حمد قادة الجبهة، التى تحكم الإقليم الشمالى أمام خيارين: إلقاء السلاح، بحلول اليوم الأربعاء، أو مواجهة هجوم نهائى على مدينة «ميكيلى» عاصمة الإقليم. وبينما أعلنت الحكومة الاتحادية، أمس الأول الإثنين، أن قواتها أصبحت تطوق تلك المدينة، أكد زعيم جبهة تحرير تيجراى، عدم حدوث ذلك. وأعلنت قواته أمس، الثلاثاء، أنها ألحقت «دمارًا تامًا» بالفرقة ٢١ الآلية بالجيش، وذلك بعد يوم من إعلانها تدمير طائرة هليكوبتر ودبابة.
القصة باختصار، لمن لم يتابع المسلسل من أوله، هى أن «الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى» كانت تسيطر، على الائتلاف الحاكم، منذ سنة ١٩٩١، ثم تعرضت للتهميش والاضطهاد بعد تولى أبى أحمد، الذى ينتمى لعرقية الأورومو، الحكم فى أبريل ٢٠١٨، وراهنت على احتمال تغيير تلك الأوضاع فى الانتخابات التى كان مقررًا إجراؤها فى مايو الماضى، لكن بعد تأجيل إجراء الانتخابات وتمديد فترة البرلمان الفيدرالى والحكومة الحالية، أجرى الإقليم انتخابات، فى ٩ سبتمبر الماضى، لم تعترف بها الحكومة الإثيوبية، وفى الرابع من نوفمبر الجارى، شن الجيش الإثيوبى هجومًا عسكريًا على إقليم تيجراى بهدف الإطاحة بسلطات الإقليم.
من زاوية عملية أو واقعية، يمكنك تلخيص القصة واستخلاص نتائجها من تصريحات نقلتها وكالة «رويترز»، عن المستثمر المصرى علاء السقطى، الذى قام، مع بعض المستثمرين المصريين وشريك إثيوبى، سنة ٢٠١٥، بإنشاء مصنعين، فى تيجراى، أحدهما لتصنيع محولات الكهرباء، كانت شركة تابعة للجيش تتسلم كل إنتاجه.
مع تولى أبى أحمد السلطة، بدأ السقطى وشركاؤه يواجهون بعض المضايقات فى الإقامة وفى المعاملة بالمطار، وتوقفت الشركة التابعة للجيش عن استلام المحولات من مصنعهم، ومنذ بداية الحرب فى تيجراى، لم تعد هناك أى إمكانية للتواصل مع المصنعين، أو حتى مع شريكهم الإثيوبى، ولا يعرفون أى أخبار، عن الإقليم إلا من القنوات الفضائية. وعليه، قرروا سحب كل فريق العمل المصرى، من مهندسين وعمال وإغلاق المصنعين، ويبحثون، الآن، عن أى فرصة لبيعهما، ولم يعد لديهم أى استعداد للعودة مجددًا للاستثمار هناك. ويمكنك أن تضيف إلى ذلك إعلان المفوضية السامية للاجئين، التابعة للأم المتحدة، عن استعدادها لاستقبال ٢٠٠ ألف لاجئ قادمين من إثيوبيا إلى السودان، بعد وصول ٤٠ ألف لاجئ بالفعل.
الخراب، إذن، هو النهاية الطبيعية لتلك القصة، التى تجرى أحداثها فى الظلام. والغريب، أو المريب، أن مجلس الأمن عقد، أمس الثلاثاء، فى الظلام أيضًا، اجتماعًا مغلقًا، عبر الفيديو، هو الاجتماع الأول منذ بدأت تلك الحرب، وسبقه نقاش عابر، غير رسمى، بين أعضاء المجلس الـ١٥، منتصف الشهر الجارى، خلال غداء افتراضى استضافه أمين عام الأمم المتحدة!.