رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رُقيةُ الكشفِ عن الفيروس شهيد

جريدة الدستور



للكشفِ عن الفيروس، لا نحتاجُ إلى رُقيةٍ ما، فليسَ هو مختفيًّا فى رذاذِ الكُتلِ العَقديةِ السّائدة، وليسَ هو مضمرًا فى نسق المعارضةِ المتنحّية، هو واضحٌ مثل كاتبٍ مجهولٍ فى كتابِ الشّارعِ الجديد، هو واضحٌ بشدّةٍ فى قضيّةِ الخلقِ، فى ملابساتِ المسألةِ السُّمّيّةِ، فى سؤالِ المرسلِ المعاصرِ، ما الذى يجعلُ الفيروسَ سُمًّا؟ ربما نحتاج الآن إلى رُقيةٍ نَصيّةٍ فقط، رُقية بلهجةٍ موحّدةٍ مقرّبةٍ، بخطابٍ حجاجىّ مُتقن..
ففى كلّ جسمٍ لهُ آيةٌ تدلّ على أنّهُ واحدُ
للكشف عن الفيروس، لا نحتاجُ إلى قراءةٍ ما، فقد تعددت القراءاتُ، والموتُ واحدُ، ولن تُقبلَ قراءةُ من يقرأ باسم الكائن التّاجى الأخير، ولا باسمِ خالقهِ...
وقراءةُ الجيناتِ غامضةٌ..
وفرضُ وضوحها كالمستحيل.
ربما نحتاجُ إلى قراءةٍ بنائيةٍ فقط، فنحنُ فى الأصل لا نعرفُ مُنشئ الفيروس، ولا نعرفُ مكانَه بالتّحديد، أأليفٌ هو أم مُعادٍ؟ أمجازىٌّ هو أم هندسىٌّ حقيقىّ؟ ولا مكانَ أليف فى هذا العالم سوى رئةَ المتلقى المُصاب.
للكشفِ عن الفيروس، لا نحتاجُ إلى فحصِ هُويتهِ، هو معروفٌ، وموثّقٌ بسلالتهِ العريقةِ، بظهورهِ الدّائم فى مشجّراتِ العصورِ المتأخّرةِ، المشجراتُ التى تُحسنُها الآن تقنيةُ الحاسوب، ربما نحتاجُ إلى مشجّرةٍ واحدةٍ فقط، مشجّرة مجهولة النّاسخِ، نادرة الورقِ، والخطّ، والمِداد، صحيحةُ السّندِ، لتكونَ رُقيةً حداثويةً للفيروس، مشجّرة تخطّطُ سيرتَه المقدّرةَ، سيرتَه المكتوبةَ من قبلُ على شريط وراثى قصير، شريط يوزّعُ بعدالةٍ جينات الموتِ والحربِ والطّعنِ والهجرةِ والنّزوحِ والاختناق.
للكشفِ عن الفيروس، قررتُ أنْ أبحثَ عن رُقيةٍ فى سجلّاتِ المستشفى، فى ثَبْتِ الملوكِ المقتولينَ فى السّواد، فى ملفّات النّاجينَ من الحرب، فى يوميّات المدوّنينَ فى الباديةِ، فى حواراتِ الملاحِدةِ والمؤمنينَ على تَختٍ، فى مقهى بغدادى فى الشّواكةِ، فى الخطاباتِ المتبادلةِ بين السّاسةِ عبرَ الوسطاء، فى الوثائقِ المحفوظةِ فى مُتحفِ النّصوصِ، الوثائق التى لم يُفرجْ عنها.
وما كنتُ ملكًا ذاتَ يوم، غيرَ أنّى دخلتُ الحربَ، ومنحونى فى المستشفى العسكرى بعضَ قنانى الدّمِ المستوردِ، فتعافيت..
وحين كنتُ صبيًا، دوّنتُ القصيدةَ فى باديةِ السّماوةِ، ارتقيتُ المحلّ العالى، وقرأت..وحاورتُ الأصدقاءَ على تَختٍ، فى مقهى بغدادى فى شريعةِ خضر الياس، وراجعتُ المُتحفَ بحثًا عن صورةٍ لى، وأنا فى سجنِ الحاكميةِ، فى بغداد..
لكننى فى سِجلّ المستشفى الجمهورىّ فقط، وجدتُ اسمى..
خرجَ متعافى!
لكنّ الاسمَ العظيمَ لا يصلحُ رقيةً للفيروس!
للكشف عن الفيروس، قررتُ فحصَ هُويتى فى أقربِ مختبرٍ للسّرديات، فَحصوا نسبةَ الفحولةِ فى شَخصيّتى، حَلّلوا عيّنةً من الزّمنِ المترسّبِ فى ذاكرتى، صَوّروا فى ورقِ الأشعّةِ الكهوفَ الغائرةَ فى حوارى الداخلى، رسَموا مخططًا بيانيًا لسنواتِ الطّفولةِ، وأنا، فى شاهدٍ نحوىّ جاف، أبيعُ اللبنَ المذقَ للمتسرّحينَ من الحرب...
قال الناقدُ المناوبُ: ليسَ فى التّداعى الحرّ من أثرٍ ما للفيروس!
فى قسمِ النّصوصِ المشعّةِ أكملتُ فحصَ بصمتى القرائيّة، لا أثرَ للفيروسِ فى قراءتِكَ!
فى كتابِ الطّوارئ كانتْ نسبةُ الأكسجين عاليةً جدًا!
قالَ الشّرَطىّ فى بابِ المستشفى: لديك فى هذا النّصّ، كلمةٌ غريبةٌ أو خاطئةٌ أو خطأ طباعىّ! عليك أنْ تعيدَ الفحصَ، ريثما يحضرُ مَن يستلمُكَ!