رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قلق وترقب شديد.. أردوغان يجهز لما بعد فوز بايدن

أردوغان
أردوغان

بعد إعلان فوز جو بايدن بالانتخابات الأمريكية تردد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان فى إرسال برقية تهنئة للرئيس الأمريكى الجديد، وذلك خشية أن يثير هذا غضب حليفه الحالى دونالد ترامب الذى كان يقدم الدعم والعون الدائم لأردوغان فى كل الملفات المتعلقة بالتحرك والانتشار الإقليمى وعمليات تحريك المرتزقة والسلاح والمعدات والأفراد على مسارح العمليات المختلفة. بحسب ما نشرت "العربي الحديث".

"صفات مشتركة بين أردوغان وترامب"

وقالت "العربي الحديث" إن إردوغان وترامب يجمعهما العديد من الصفات المشتركة والمتشابهة التى دفعت فى اتجاه تجاوز الشكل التقليدى للعلاقة والتحالف بين البلدين؛ فهما إلى حٍد كبير يفضلان غير الرسمى على الرسمى فى إدارة األعمال، وكلاهما شخصية نرجسية تتخيل نفسها كقادة “متمردين” عازمين على تغيير النظام العالمى الحالى.

وإنهما يستمتعان بوضع خصومهما فى موقف دفاعى، من خالل مهاجمتهم باستمرار واتهامهم بارتكاب أخطاء غريبة، لتحقيق أهداف سياسية بذكاء. الفرق هو أن إردوغان قد يسجن أى شخص يكره، وال يستطيع ترمب فعل ذلك.

وبناء عليه يمكن تحديد شكل عام للعلاقة والملفات فى الآتي العالقة الثنائية بين واشنطن وأنقرة: بنظرة أولية لما يمكن أن يكون عليه مستقبل العلاقات بين واشنطن وأنقرة بعد فوز بايدن يتضح أن العالقات سوف تشهد تراجع في التفاهمات، وسوف تتجه لمزيد من التأزم خاصة فى ملف حقوق الإنسان وحرية الرأى والتعبير ووضع الأقليات وتحديدا الأكراد.

إذ أن رئاسة “بايدن” ستعنى ترسيخ الخطاب المعادي لتركيا على الساحة الأمريكية حال سيطر الحزب الديمقراطي على الكونجرس والبيت الأبيض على السواء.

يبدو “بايدن” أكثر ميالا ودع أما الأكراد في شمال سوريا، وأكثر تعاطفًا مع اليونان في شرق المتوسط، وأكثر اقتناعا بضرورة فرض عقوبات على تركيا.

وعلى الجانب الآخر، يبدو أن “بايدن”أكثر تنديدًا بالخطى غير الليبرالية والمناهضة للديمقراطية التي تسير عليها أنقرة، كانتهاكات حرية الصحافة، وقانون وسائل التواصل الإجتماعي

إلا أنه فى المقابل، لا يمكن افتراض تحول العلاقات بين واشنطن وأنقرة إلى حالة من العداء التام حال فوز “بايدن”

إذ سيظل يدرك كلا الطرفين أهمية علاقته بالآخر، وضرورة تعظيم التفاهمات والمصالح المشتركة.

وارتباطا بذلك، يمكن النظر إلى النبرة العدائية التي يتباها “بايدن” تجاه أنقرة في إطار كونها مجرد “خطاب انتخابي” يسعى من خالله إلى إحراج الإدارة الحالية، وكذا كسب المزيد من الأصوات الانتخابية.

ولعله من المنطقي أن نتوقع التغير في مواقف وسياسات “بايدن” حال وصوله لسدة الحكم، حيث ستفرض عليه المصالح الأمريكية تعاملا أكثر تعقًال مع دولة بأهمية تركيا.

وعليه، يمكن القول إن العالقات بين البلدين ستظل تسير وفق المنوال ذاته، الذي يحمل مزيج من التفاهمات والاختلافات، ولن تتطور باتجاه العداء، وذلك لعدد من الأسباب، أبرزها، الموقع الجيوسياسي لتركيا الذي يربط ثالث قارات، وتأثيراتها داخل أغلب الساحات المهمة بالشرق الأوسط، والبلقان، والقوقاز، والبحر الأسود، وآسيا الوسطى.

فضلًاعن كونها فاعل رئيس في معظم قضايا الشرق الأوسط، سواء في العراق، وإيران، ولبنان، والقضية الفلسطينية، وسوريا، وليبيا، وشرق المتوسط.

إضافة إلى دورها كــ”موازن استراتيجي” لمواجهة الدور المتزايد الذي يسعى خصوم واشنطن للعبه ال سيما روسيا والصين.

علاوة على كونها القناة المناسبة لتحقيق التقارب في الرؤى بين واشنطن وطهران، ال سيما مع تزايد رغبة “بايدن” في اتباع نهًجا أكثر تعقًال وبراجماتية مع طهران، والعودة إلى الاتفاق النووي.

وأخيًرا، تبدو أنقرة البوابة الأنسب والأقرب للتواصل مع اإلسالم السياسي حال استطاع إعادة بناء قوته من جديد بطريقة تجعل منه رقم مهم في معادلة المنطقة.

ويعمل نظام إردوغان حاليا على إيجاد صيغ سياسية وإعلامية وصحفية للخروج من مأزق المواقف المعلنة التى اتخذها بايدن من تركيا أثناء حملته الانتخابية حيث أعتمد الرئيس المنتخب لهجة معارضة جديدة.

وتعمقت الضغينة عندما ظهر مقطع فيديو لبايدن يقول لصحيفة نيويورك تايمز فى مقابلة أجريت فى يناير الماضى أنه سيدعم المعارضة التركية لهزيمة إردوغان فى الانتخابات، وانتقده باعتباره مستبدًا.

وقال عنه صراحة فى 19 أكتوبر 2019″:تركيا هى المشكلة الحقيقية، وسأجرى محادثات جادة مع إردوغان إغلاق أبوابها وإخباره بأنه سيدفع ثمنًا باهظًا لما فعله”.

وأضاف: “على عكس الرئيس ترامب، أعرف ما يلزم للتفاوض مع إردوغان، وإذا أصبحت رئيسًا، فسأجعله يدفع ثمنًا باهظًا لما فعله”. يؤكد المراقبين أن بايدن سيكون رئيسا مختلًفا تمًاما حيث إنه رجل مؤسسى؛ ولن يكون إردوغان قادًرا على التحايل على بيروقراطية المؤسسات الأمريكية ودوائر المساعدين والمستشارين والذهاب مباشرة إلى بايدن، ولن يفكر الرئيس الأمريكى الجديد فى عقد صفقات جانبية بمفرده أو بمعزل عن المؤسسات التى تتحفظ على مجمل سياسات أردوغان.

فضلًا عن أن بايدن وأردوغان على دراية ببعضهما البعض منذ عهد بايدن كنائب للرئيس باراك أوباما. لقد كان أعلى مسؤول أمريكى يزور تركيا فى أعقاب الانقلاب الفاشل عام 2016 في البالد، وألقى خطًابا عاطفيا لتأكيد الدعم الأمريكى لتركيا. وكان بايدن هو الشخص الذى يتولى ملف العلاقات مع إردوغان، خاصة فى العامين الأخيرين من إدارة أوباما، بسبب تدهور العالقات بين أوباما وإردوغان.

فساد بنك خلق:

تدخل ترامب فى عدد من القضايا منعا للملاحقة القضائية لنظام إردوغان وكان أبرز تلك القضايا ملف بنك خلق التركى التى أثارتها صحيفة نيويورك تايمز فى 30 أكتوبر الماضى وتتعلق بتحقيق جنائى مع البنك الذى يشتبه فى انتهاكه قانون العقوبات الأمريكية عن طريق تحويل مليارات من الذهب والنقود إلى إيران ويتورط فيها مسئولين مقربين من إردوغان وأفراد من عائلته مثل صهره بيرات البيرق الذى أقيل األسبوع الماضى وكان يشغل منصب وزير المالية، وكذلك محافظ البنك المركزى التركى.

وسيعمل إردوغان كى لا يتم فتح الملف من قبل إدارة بايدن وأن لا يستغل كورقة ضغط عليه مقابل صفقة يتم الإتفاق عليها وسيكون هذا الأمر إختبار أول ومباشر ومؤشر لنوايا بايدن ورجاله؛ وهو ما يجب أن تركز عليه جماعات الضغط الإعلامية المناوئة لنظام إردوغان فى واشنطن.

أزمة 400-S
ربما يكون التحدى الأكثر إلحًاحا الذى ينتظر إردوغان مع إدارة بايدن هو الخلاف الذى يبدو أنه ال يوجد حل فورى له، وهو قرار تركيا شراء ونشر نظام 400-S الروسى المضاد للطائرات، والذى زعم أنه يهدد الطائرات المقاتلة الأمريكية الأكثر حداثة ومتعددة الأغراض 35-F.من المهم فهم هذه الأزمة ألنها رمز لحالة العالقات الحالية بين أنقرة وواشنطن.

فقد حذرت الولايات المتحدة تركيا مرًارا وتكرًارا من عواقب وخيمة إذا مضت قدما فى شراء 400-S.ومع ذلك حاول ترمب ورجاله أن تكون أزمة صواريخ 400-S ليست المشكلة الأكثر إلحاحا، بشرط ألا ينشرها الأتراك. لكن الأمر يبدو غير واقعى بعد أن دفعت تركيا ما يقرب من 5.2 مليار دولار للروس، واستثمر إردوغان الكثير من الهيبة فى استحواذها، فإن إردوغان ليس لديه مخرج حتى الآن يحفظ ماء الوجه، خاصة أنه لا يمكنه إعادتها، فموسكو ليست أمازون.

ولكن المؤكد أنه حتى لو بقيت الصواريخ غير منتشرة فى تركيا، فإن الولايات المتحدة لن تؤيد عودة أنقرة إلى برنامج 35-F.والمرجح أن هيئة الأركان التركية ستعمل على تبديد مخاوف أمريكا بشأن توافق منظومة 3 “400-S “مع مقاتلات “Lightning 35-F،“وفق ما صرح به وزير الدفاع التركى الاثنين الماضى.

اعتمادًا على أن بعض أعضاء حلف الناتو لديهم منظومات “300-S “داخل نطاق الحلف ستستخدم تركيا منظومة “400-S “بنفس الضوابط”. ليبيا: بالنسبة للملف الليبى الذى يمس الأمن القومى المصرى بشكل مباشر، سيحاول إردوغان أن يقنع إدارة بايدن بما أقنع به إدارة ترامب بأن هناك خدمة للمصلحة الأمريكية المباشرة بوقف التمدد الروسى؛ ومن المؤكد الدور التركي فى ليبيا سيتجه للمناورة من جديد أمام إدارة الرئيس بايدن؛ حتى يستعرض ما لديه من أوراق لعب، وينتظر بعد ذلك الموقف الأمريكي منه. وفي كل الأحوال ستحاول أنقرة توظيف الملف الليبى لإثبات تلاقي مصالحها مع مصالح الإدارة الأمريكية، بشكل مباشر أو غير مباشر.

كما نشرت "العربي الحديث" أبرز التحركات التركية فى ليبيا حال فوز "بايدن"

اقتصاديا:

ستكثف الشركات التركية نشاطها بعمليات إعادة الإعمار، وستعتمده أنقرة مدخًال لنفوذها بالمرحلة المقبلة، وستحاول تعزيزه بمجموعة من الاتفاقيات الرسمية وبروتوكولات التعاون؛ لإلزام الحكومة الانتقالية بالتعاطى معها وفًقا لما ترتأيه، ولتحافظ على قدر ضخم من الأرباح االقتصادية والمالية عبر هذا الملف

سياسيا:
ستحاول أنقرة إظهار تأثير شبكة تحالفاتها بالمنطقة الغربية، وبالخصوص جماعة الإخوان المسلمين، كمحدد رئيسى حاكم لنجاح التسوية أو العودة للتصعيد. ولذلكُ يتوقع أن تدفع تركيا حلفاؤها لتعطيل العمل بأية مخرجات تمس جوهر نفوذها، عسكرى أو اقتصادى أو سياسى، بل ستحاول تحفيز تلك المجموعات للتقدم بالمشاورات والمفاوضات الجارية لتحقيق أحد أمرين: الأول تفويت الفرصة على تحقيق اختراق الأزمة دون رغبتها، وشق الصف أو اسقاط المفاوضات إذا ما حدث ذلك. والثاني؛ جنى نفوذ إضافى عبر التوغل فى االجسام المتفاوضة، والسيطرة على قراراتها واتجاهاتها أو تعطيل عملها

أمنيا

سيكون الإنخراط العسكرى التركى مرتكًزا على أنشطة التدريب والتعاون الأمني، وفًقا للاتفاقيات التي تم توقيعها مع حكومة الوفاق، وستسعى لدمج قطر في ذلك المسار؛ لخفض المعارضة التي قد يوجهها “بايدن” وإدارته لمثل هذه الأنشطة، وإظهار أن الاتفاقيات الموقعة ليست حكًرا عليها بل هناك دوًال أخرى تتجه لذات النهج. إال أن ورقة نقل المرتزقة ستظل عامل اختبارى لموقف بايدن من سلوك أردوغان، الذي ربما يخفض من عمليات تسليح المليشيات ونقل العناصر الإرهابية لبعض الوقت، ولكن سيكون الموقف الأمريكي وفعاليته محدًدا هًاما باستمرار أو إنهاء توظيف تركيا لهذه الورقة.


العلاقة مع روسيا:
في ظل ما أبداه بايدن من تحفز برز خلال حملته الانتخابية حيال علاقات بلاده مع روسيا، وفى ظل ما أبداه أي ًضا من موقف معاٍد للنظام التركى، فمن المتوقع أن يرتكن النظام التركى فى علاقاته مع روسيا للحذر إلى حد كبير وذلك خالل الشهور الأولى من حكم بايدن.

بمعنى آخر، قد يفضل الجانب التركى الحفاظ على مسار علاقات البلدين الثنائية السياسية واالقتصادية، من دون أن يكون لذلك تأثير متعارض، أو أن تتحدى تركيا فى إطارها المصالح الأمريكية. يعلم النظام التركي جي ًدا أهمية موقع بالده الجيوسياسي بالنسبة للولايات المتحدة بشكل عام، ولبايدن على وجه التحديد السيما في ظل ما يصبو إليه الأخير من هدف “توسيع وتعزيز حلف شمال الأطلسي” في مواجهة روسيا، الأمر الذي يمهد الحًقا لخلق أرضية مشتركة تسمح بالتحرك والمناورة بالنسبة للنظام التركي إزاء كًال من الولايات المتحدة وروسيا، السيما في ظل ما يبديه الجانب الأمريكي الديمقراطي من استعداد فى حال الوصول إلى السلطة لفرض العقوبات على تركيا نتيجة تدهور أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو نتيجة شراء واختبار منظومة إس 400.

شرق المتوسط:
سوف تخضع العالقة لعدد من المحددات والتحديات: الأول؛ الحفاظ على الهيمنة والقيادة الأمريكية وعليه يتوقع ٔان تبذلٕادارة بايدين جهود كبيرة في هذا الصدد نظًرا لما تمثله منطقة المتوسط من أهمية متصاعدة بفعل العوامل الجيو اقتصادية للمنطقة وموقعها الاستراتيجي، خاصة في ظل تنامى الاهتمام والنفوذ الدولي بالمنطقة عبر الرغبة الفرنسية في قيادة المتوسط، وهو ما ظهرت ملامحه مٔوخًرا من خالل الدور الفرنسي على الساحة اللبنانية، أو عبر الانخراط العسكري ونشر معدات عسكرية وإجراء مناورات في منطقة شرق المتوسط، او عبر النفوذ الروسي المتصاعد من خلال الانتشار العسكرى فى قاعدتي طرطوس وحميميم او عبر الأسطول الروسى فى البحر الأسود، وعليه لن تترك الولايات المتحدة هذه المنطقة دون قيادة فاعلة.

في ما يتعلق بضمان أمن الطاقة، ستعمل تركيا على الحفاظ على مصالحها خاصة في ظل ما تتمتع به المنطقة من وفرة كبيرة وغني بالثروات الهيدروكربونية التي تقدر بنحو 340 تريليون قدم مكعب، فضال عن مصالح شركاتها العاملة فى مجال التنقيب وفي مقدمتها شركة شيفرون بعد استحواذها على حقوق شركة نوبل إنرجي بنحو 40٪ في حقل ليفياثيان، 25٪ في حقل تمارا و25٪ في افروديت بقبرص.

الانتشار العسكرى:

بناء على كل ما سبق سيتحدد فى الوقت القريب خريطة الانتشار العسكرى التركية فإن هناك ثمة تغييرات محتملة فى مجمل مسارات التحرك التركى فيما يخص الانتشار فى خمسة اتجاهات استراتيجية تنتشر فيها القوات المسلحة التركية زهى: غرب ليبيا – شرق المتوسط – شمال سوريا – شمال العراق – اذربيجان واقليم قره باغ. ويمكن ابراز هذه التغييرات المحتملة كالآتى:

محددات التغيير
هناك عدة محددات للتغيير المحتمل في مسارات التحرك التركي، أبرزها حرص إدارة بايدن على إعادة الارتباط الاستراتيجي بأوروبا ) الاتحاد الأوروبي – الناتو)، حيث احتل هذا المبدأ جزءا كبيرا من الحملة الانتخابية لبايدن، إذ أعلن فى أكثر من ظهور انتخابى أن حلف الناتو سيكون أول جهة سيتصل بها بايدن حال فوزه بالرئاسة. فيما بدا تصحيحا للمسار الذى انتهجه سلفه دونالد ترامب فى التعاطى مع أوروبا وحثها على رفع نفقاتها الدفاعية وإلا ستسحب الولايات المتحدة قواتها تدريجيًا، ما قد يضعف استجابة الحلف الكلية للتهديدات النمطية – غير النمطية الروسية والصينية.