رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احتفالات «مولد النبى» فى مصر.. بدأها الفاطميون وأهملها العثمانيون واستغلها الفرنسيون

جريدة الدستور

يحرص المصريون على الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، بعادات وتقاليد مختلفة عن أى بلد إسلامى أخر، بدأت منذ عهد الفاطميين واستمرت على مدى العصور، وصولًا إلى عصرنا الحديث، وذلك للتعبير عن الحب والتقدير لنبي الرحمة محمد (عليه الصلاة والسلام).

وفي هذا الإطار، قالت الأثرية نادية عبد الفتاح، المتخصصة في الآثار الإسلامية، إن الفاطميين احتفلوا بذكرى المولد النبوي الشريف يوم 12 من ربيع الأول، حيث رأى المعز لدين الله أن أقرب الأسباب للوصول إلى أغراضه لاستمالة المصريين، هو الاتجاه إلى الأمور التي تتصل بالمظهر الديني، لذلك قرر إقامة مواسم حافلة وبدأها بالاحتفال بالمولد النبوي الشريف.

وأضافت أن عادات الاحتفال بالمولد النبوي كانت تبدأ بتفريق صوان من النحاس وعليها أنواع مختلفة من الحلوى الجافة والتي يستخدم في صنعها 20 قنطارًا من السكر، وتتم تعبئتها في 800 صينية، وذلك على أصحاب الرتب، وأولها قاضي القضاة ثم داعي الدعاة، والقراء بالحضرة، والخطباء، بالإضافة إلى المتصدرين بالجوامع في القاهرة.

وأكدت عبد الفتاح أن الاحتفال بالمولد النبوي كان يتميز بكثرة توزيع الصدقات والأطعمة والحلوى، وكانت تقدر بستة آلاف درهم، موضحة أن الاحتفال الرسمي بالمولد يبدأ بعد صلاة الظهر من يوم 12 ربيع الأول، ليخرج قاضي القضاة بصحبة رجال الدولة والمكلفين بحمل صواني الحلوى، ويتجهون جميعًا نحو جامع الأزهر، ليستمع القاضي للقرآن الكريم حتى يتم ختم المصحف الشريف ثم يعود الموكب إلى القصر.

وأشارت إلى أن المصادر التاريخية لا تمدنا بمعلومات كافية عن الاحتفالات الشعبية لهذه المناسبة الدينية، إلا أنه من المعتقد أن العامة كانوا يحتفلون بهذه المناسبة بالخروج إلى الجوامع والاحتشاد لمشاهدة موكب قاضي القضاة وحول القصر لمشاهدة الخليفة عند ظهوره، كما أنهم كانوا يحتفلون في دورهم بإعداد الأطعمة الفاخرة وأصناف الحلوى.

وكشفت الأثرية نادية عبدالفتاح عن أن (سوق الحلاويي) في العصر الفاطمي كان يحتوى في المواسم والأعياد على أصناف الحلوى المختلفة من السكر والتي تأخذ أشكالًا مختلفة، مثل (الخيول والضباع والقطط وغيرها).

وبالنسبة للاحتفال بالمولد في العصر الأيوبي، لفتت إلى أن فكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف كانت قد صارت من الأمور التي ألفتها الأمة ودخلت في تقاليدها المهمة، وجرت منها مجرى العقائد الواجبة، لذلك لم تشدد الدولة الأيوبية في إلغاء هذا الاحتفال، حيث لم يدخل من ضمن ما أُلغي من المواسم والأعياد الفاطمية.

وفي العصر المملوكي البحري، أوضحت عبدالفتاح أن مظاهر الاحتفال بالمولد جاءت حسب مقتضيات الأحوال السياسية، وكان الاحتفال في حوش القلعة الكبير، أما بالنسبة للمصريين فقد كانوا على ما هم عليه من إقامة الزينات والعناية بالاحتفال بالمولد.

وبالنسبة للعصر المملوكي الجركسي، فبينت أن مؤسس الدولة الجركسية الملك الظاهر برقوق، اهتم بإحياء ذكرى المولد النبوي، فأمر بإقامة معالم الحفاوة وإجراء المراسم، مما شجع عامة الناس على الاحتفال بما يتفق مع جلال هذه الذكرى من دفع صدقات وتوزيع الخُلع (عباءات) إلى كبار رجال الدولة.

وقالت الأثرية نادية عبدالفتاح إنه في عهد ابنه فرج بن برقوق لم يسر على نهج والده، فأهمل الاحتفال بالذكرى الكريمة، ولكن عندما تولى السلطان جُقمق عرش السلطنة المصرية عام 842هـ1438م، اهتم بإحياء الذكرى وعني بها عناية بالغة من إقامة الزينات والولائم للفقراء وتوزيع الملابس عليهم.

وأضافت أنه في عهد السلطان الأشرف قايتباي بالغ في الاحتفال بما يليق بالذكرى العطرة، حيث أفتن في الزينات وصنع سرادقًا خاصًا بالاحتفال (خيمة) قام بصنعه أمهر الحرفيين المصريين، وكانت تنصب في حوش قلعة الجبل، وذكر المؤرخون أن السلطان الأشرف أنفق على هذه الخيمة حوالي 36 ألف دينار.

وتابعت عبد الفتاح أن العادة جرت في عهد السلطان الأشرف قايتباي بأن يحتفل بليالي المولد النبوي ابتداء من اليوم الأول من شهر ربيع الأول وأن يكون الإحتفال عامًا في سائر بلاد مصر، وفي الليلة الختامية تتضاعف الجهود بعمل الزينات وإقامة الولائم وترتفع فيها الأصوات بالأدعية والأناشيد.

وأوضحت أنه عقب احتلال السلطان سليم الأول مصر، قام وطلع إلى قلعة الجبل وقام ببيع (خيمة المولد) إلى المغاربة بـ400 دينار فقط، فقطعوها وباعوها للناس كستائر وسفر، وبيعت بأبخس الأثمان، ولم يعرف قيمتها سليم الأول، والتي قال عنها المؤرخون (إنها كانت من جملة عجائب الدنيا ولم يُعمل مثلها في العالم).

وكشفت عبدالفتاح عن أنه بعد أن استقر سليم الأول في مصر وحل شهر ربيع الأول أمر بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي، على ما جرت به العادة ولكن لم يشعر به أحد من الناس وأبطل ما كان يتم عمله ليلة المولد من اجتمال العلماء والقضاة الأربعة، كما أُبطلت الأسمطة التي كانت تمد في ذلك اليوم، وألغى ما كان يعطى للقراء والوعاظ والفقراء من خلع وما إلى ذلك من هدايا.

وأشارت إلى وصف المؤرخين لهذه الفترة، حيث قالوا: "إن الأمة المصرية كانت في مأتم شامل وحزن عام لم تراها في تاريخ مصر، وقيل إنها شاهدت عهودا حاكلة وحوادث المغول والصليبيين ولكن لم يشعروا من ذلك كله بما شعرت به من هذه المحنة".

وقالت الأثرية نادية عبد الفتاح إنه بعد أن تقلد خير بك الحكم حاول إحياء الاحتفال بالمولد النبوي من إقامة زينات ومعالم الاحتفال، ولكن لم ينهض له الناس النهوض المعتاد، وظل الولاة العثمانيون على مصر بعد خير بك يقومون بمراسم الاحتفال بين العناية والتقصير حسب الظروف والأحوال حتى نهاية الاحتلال العثماني.

وأضافت أن المؤرخ الجبرتي قال إن المصريين في تلك الفترة، كانوا يقومون بطبخ الأرز باللبن والزردة (أرز بالعسل الأبيض ومزين بالزعفران) ويملئون القصع لتوزيعها على المحتاجين، وكان يجتمع في البيوت الكثير من الفقراء ليوزعوا عليهم الخبز مع اللبن والزدة ويأكلوا حتى يشبعوا، بالإضافة إلى عمل كعك محشو بالسكر والعجمية والشريك للمدافن والترب.

وعن مراسم الاحتفال بالمولد النبوي أيام الاحتلال الفرنسي لمصر، قالت إن نابليون بونابرت كان يعلم أن المولد يوم يدخل البهجة في نفوس المصريين ولكي يرضي عواطفهم لاستمالتهم، قام بتجديد ذكرى الأعياد والمواسم.

وأضافت أنه وفقا للجبرتي، "سأل نابليون أحد الشيوخ، يدعى خليل البكري، عن تعطيل الاحتفال وذلك بسبب توقف الأحوال فلم يقبل نابليون وأعطى له 300 ريال فرنسي وأمر بتعليق الزينات والقناديل، واجتمع الفرنسيون يوم المولد ولعبوا في الميادين وضربوا طبولهم وأرسل" الطبلخانة" الكبيرة لبيت الشيخ البكري ليستمر الضرب بالطبول، وكان ذلك في بركة الأزبكية، كما قاموا بإطلاق صواريخ في الهواء ".

وفي عهد محمد علي باشا، أكدت الأثرية نادية عبد الفتاح أنه اعتنى بمراسم الاحتفال بذكرى المولد النبوي، وكان يتم تزيين المدينة وبولاق ومصر القديمة، والسهر كان ثلاثة أيام بلياليها، وفي عام 1834م وصف العالم الإنجليزي" إدوارد وليم لين" في كتابه "أحوال المصريين الحديثين وعاداتهم" أنه رأى الاحتفال ببركة الأزبكية لمساحتها الواسعة، حيث كانت تقام فيها شوادر كثيرة للدراويش لعمل حلقات ذكر، وكانت هذه الشوادر مزينة بأشكال شبه الأزهار أو أسود أو هيئات أخرى أو مزينة بكلمات مثل لفظ الجلالة أو اسم النبي أو التوحيد أو كلمات مأثورة، وفي النهار يتسلى الناس في الساحة الكبرى بالاستماع إلى الشعراء ورواة قصة أبوزيد.