رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إمارة النصب».. الحقوق المنقوصة في الدستور القطري

تميم بن حمد
تميم بن حمد

خصص المشرع الباب الثالث من الوثيقة المسماة «الدستور الدائم لدولة قطر» للحقوق والواجبات العامة، لكن في حقيقة الأمر فشلت هذه الوثيقة أن تشمل حتى حقوق الإنسان الأساسية، فتغاضت عن كثير من الحقوق، حتى الحقوق التي تضمنتها الوثيقة، في ظاهرها نصت على الحفاظ على حق المواطن في الحرية الشخصية وعلى حمايته من الحبس التعسفي وعلى احترام حريته في التنقل، إلا أنها في واقع الأمر تُجهض هذه الحقوق عبر إضافة عبارة «إلا وفقٌا لأحكام القانون» في نهاية عدد من المواد المهمة مما فتح الباب على مصراعيه للسلطة الحاكمة لإهدار هذه الحقوق، وتقييدها لدرجة تصل إلى تعطيلها بشكل تام، كحق تكوين الجمعيات والتجمعات وحرية الصحافة والرأي والتعبير.

ووفقا لدراسة الهيئة العامة للاستعلامات فإن هذه بعض الحقوق التي تم النص عليها صراحة، لكن الدستور انتقص من مضمونها بشكل يؤدي إلى تقييدها وتجميدها، وبعض الحقوق الأخرى التي أغفل «الدستور» النص عليها صراحة.

الحقوق التي لم ينص عليها الدستور نهائيًا:

١- لم ينص الدستور القطري على حق الإضراب السلمي.
٢- لم ينص الدستور القطري على حرية التنقل والإقامة والهجرة، ولم يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين.
٣-لم ينص الدستور القطري على حق إنشاء النقابات المهنية أو العمالية.
٤- لم ينص الدستور القطري على حق تكوين الأحزاب السياسية.
٥- لم يحظر الدستور العبودية والاسترقاق والقهر والاستغلال القسري للإنسان.
٦-لم يجرم الدستور الاعتداء على الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون.


حقوق نص عليها الدستور لكنها لم تطبق
١- حظر الدستور القطري في المادة (35) التمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين، وأغفلت المادة النص على عدم التمييز على اساس العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي أو لأي سبب آخر.
٢- منع الدستور في المادة (36) القاء القبض على أي شخص إلا وفق أحكام القانون. وكان من باب أولى أن ينص الدستور على عدم جواز احتجاز أي انسان إلا بأمر قضائي مسبب" بدلا من عبارة " إلا وفق احكام القانون"، لان هذا النص يفتح الباب أمام شرعنة الاعتقال الإداري دون العرض على جهات التحقيق، كما أن المادة لم تحدد مدة محددة تلزم الجهة التي تقبض أو تحتجز الاشخاص بضرورة عرضه أمام جهات التحقيق خلال مدة محددة.
وهذا ما حدث بالفعل، حيث نصت المادة (7) من القانون رقم (5) لسنة 2003 الخاص بإنشاء جهاز أمن الدولة على أن استثناء من أحكام قانون الإجراءات الجنائية، تكون مدة احتجاز من يسند إليه ارتكاب فعل من الأفعال المتعلقة بالجرائم التي تدخل في اختصاصات الجهاز (30) يومًا على الأكثر قبل عرضه على النيابة العامة، ولرئيس الجهاز إذا اقتضت الضرورة ذلك، أن يأمر بمنعه من مغادرة البلاد مدة لا تزيد على (30) يومًا، يجوز تمديدها بناءً على أمر من النائب العام لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة".
أي نص القانون على امكانية أحتجاز شخص قبل عرضه على النيابة لمدة (30) يوما كاملة.
٣- نصت المادة (41) من الدستور على أن الجنسية القطرية وأحكامها يحددها القانون، دون أن تنص المادة على من له الحق في اكتساب الجنسية. ولم يمنح القانون الجنسية لمن يولد من أم قطرية إلا بذات الشروط التي يمكن أن تمنح الجنسية لكل مقيم على أرض قطر من غير القطريين دون أي ميزة لولادته من أم قطرية وفي ذلك إخلال كبير بمبدأ المساوة بين الجنسين.
٤- نصت المادة (44) من الدستور على أن حق المواطنين في التجمع مكفول وفقا لأحكام القانون. بدل أن يتم النص على أن هذا الحق يتم بالإخطار، دون إحالة الأمر برمته إلى القانون، الذي صدر بعد ذلك بأحكام تعسفية تمنع من التجمع.
٥- نصت المادة (45) من الدستور على أن حرية تكوين الجمعيات مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، الذي صدر بعد ذلك بأحكام تعسفية تمنع من تكوين الجمعيات.
٦- نصت المادة (48) من الدستور على أن حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للقانون. ولا يختلف الوضع كثيرًا في هذه المادة عن المادتين السابقتين، حيث أن الدستور جاء بعبارة واحدة لحرية الصحافة، ولكن تاريخيًا، أصدرت السلطات القطرية قانون في عام 1979 يقيد هذا الحق، ويبيح هذا القانون حبس الصحفيين، وإغلاق المؤسسات.
٧- المادة (57) من الدستور فرضت على المواطن والزائر احترام الآداب العامة، ومراعاة التقاليد الوطنية والأعراف المستقرة، دون تقديم أي تعريف واضح لهذه المصطلحات الفضفاضة، التي قد تحمل أكثر من ألف معني، وبالتالي تسمح هذه المادة المعيبة للمشرع أن يسن قوانين وعقوبات وفقًا لأهوائه في الإطار الذي توفره هذه المادة.
٨- المادة (58) من الدستور القطري الخاصة باللجوء، لا تعطي أي ضمانات لطالبي اللجوء ولا توفر إليهم الحماية في مخالفة صريحة لاتفاقية 1951 الخاصة بحقوق اللاجئين وللأعراف الدولية المتفق عليها في هذا الصدد. وعدم توقيع قطر على اتفاقية 1951 لا يبرر عدم التزامها بالعرف الدولي الذي يشكل في حد ذاته أحد المصادر الأساسية للقانون الدولي. وبالتالي النص الدستوري الخاص باللجوء في الدستور القطري لا يلزم السلطة الحاكمة بتوفير الضمانات اللازمة لحماية طالبي اللجوء.

حكم استبدادي
الباب الرابع من الدستور القطري لا يتعدى كونه مجموعة من النصوص التي تسمح للأمير والأسرة الحاكمة بالحكم المطلق، وهذه بعض ملامحه.
1. عدم الفصل بين السلطات
في الدول الحديثة الديمقراطية، يوجد فصل بين السلطات الثلاث " التنفيذية والتشريعية والقضائية"، وهذا ما نصت عليه المادة (60) من الدستور، إلا أنه في الواقع كل السلطات تخضع للأمير، ولم تعرف المادة (60) الفصل بين السلطات، فالأمير وهو رأس الدولة وعلى رأس كل السلطات، التنفيذية والقضائية والتشريعية، فهو الذي يعين مجلس الوزراء، ويعين جميع أعضاء المجلس التشريعي حتى الآن بالمخالفة للدستور القطري، الذي اشترط انتخاب الثلثين إلا أن الدولة لم تشهد أي انتخابات حتى الآن. أما بالنسبة للقضاء في قطر فالأمير هو من يتحكم فيه أيضًا، حيث أنه يملك سلطة تعيين رئيس محكمة التمييز، الذي يتولى أيضًا رئيس مجلس القضاء الأعلى، دون النص على ضوابط محددة لتعيينه، ودون توصية من مجلس القضاء.
بعد العرض السابق لطريقة تعيين أعضاء الحكومة ومجلس الشورى والقضاء، يتضح أن الأمير يتمتع بسيطرة مطلقة على السلطات الثلاث، بما يخل بمبدأ الفصل بين السلطات المتعارف عليه في جميع أنحاء العالم.

2. سلطات مطلقة للأمير

إبرام الاتفاقيات
أعطت المادة (68) للأمير الحق في إبرام الاتفاقيات الدولية، ولم يلزمه إلا أن يُبلغها لمجلس الشورى مشفوعة بما يناسب من البيان، ويُعد ذلك اعتداءً صريحًا على حق السلطة التشريعية الأصيل في التصديق على معاهدات، ولم يستثن من هذا إلا معاهدات الصلح والمعاهدات المتعلقة بحقوق السيادة وإقليم الدولة، حيث اشترط الدستور لنفاذها أن تصدر بقانون، أي يُتبع في إصدارها ذات الإجراءات التي تصدر بها القوانين، وفي واقع الأمر مثل هذه الاتفاقيات المصيرية في الكثير من الدول الأخرى، يجب أن يتم عرضها للاستفتاء الشعبي بنص الدساتير في بعض الأحيان.
تجاوز الدستور في هذه المادة أيضًا جميع الأعراف الدولية، حيث سمحت هذه المادة في فقرتها الأخيرة أن تتضمن المعاهدة أو الاتفاقية شروطا سرية.

فرض الأحكام العرفية
تضمنت المادة (69) الخاصة بإعلان الأحكام العرفية عوارًا كبيرًا، حيث منحت الأمير سلطة إعلان الأحكام العرفية فقط بالإرادة المنفردة له. ولم تفرض على الأمير الحصول على موافقة مجلس الشورى إلا لتمديد فترة سريان الأحكام العرفية فقط، كما لم تتضمن المادة أي إطار زمني محدد لإعلان الأحكام العرفية، أطلقت سلطة الأمير في إعلان الأحكام العرفية دون الرجوع للبرلمان وتحديد مُدتها كما يشاء.

إعلان حالة الحرب
تنص المادة (71) من الدستور على أن " يصدر بإعلان الحرب الدفاعية أمر أميري".
أي تعطي هذه المادة الأمير الحق في إعلان الحرب دون الحصول على موافقة مجلس الشورى، او حتى إخطاره وبذلك قد يُلقي الحاكم ببلاده إلى أتون الحرب وأهوالها، دون الحصول على إذن أو حتى رأي السلطة الوحيدة المفترض أنها المُنتخبة في البلاد.

سلطة مطلقة في تعيين الوزراء
اعطت المواد (72) و(73) الأمير الحق المطلق في تعيين الوزراء ورئيس الوزراء دون الحاجة للحصول على ثقة مجلس الشورى.