رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشعر الإسرائيلى.. من الزهو فى 67 لخيبة الأمل فى 73

حرب أكتوبر
حرب أكتوبر

عبر الشعر الصهيوني عن الحرب من خلال الشعراء الذين شاركوا في ميادين القتال فكانت باعثًا لكتابة قائدهم، وأيضًا بعد الحرب وكيف عبر الشعر في دولة الكيان الصهيوني عن الانهزام والأرواح المبددة وغيرها.

الشعر العبري ما بين 67 وحرب 73

عبر الشعراء الإسرائيليين عن تلك الخيبة الكبيرة للأمل في شعرهم بعد حرب أكتوبر، وهناك بعض القصائد التي وصفت الحرب وكانت للمجندين الشعراء، وهناك من حاول أن يستشرف مسقبل لا تبدو ملامحة جلية، والكثير مما اتخذه الشعراء من قصائدهم مساحة للبوح والصراخ.

وكان أول شاعر هو أوري تسفي جرينبرج 1896- 1981، والذي نشر قصيدة له في صحيفة "هايسخيل" هانيعلام ميكول راعيون، وبالعربية "العقل الخاوي من الفكرة" يقول فيها.

إذا ما تقدمت قوات معادية ولو لمتر واحد
عبر خط الماء إلى سيناء مرة أخرى
صوب الصحراء
فسيحمر لون الرمال هناك
وكذا لون الثلج
على جبل الشيخ
وسيتلألأ على رأس العرب تاج
كان مخصصا لنا

ومن الذين كتبوا الشعر قبل حرب أكتوبر محاولا النفخ في بوق التنبيه للإسرائيليين كان الشاعر حاييم جوري.

وجوري كان عضوا في "سرايا الصاعقة" أو ما اصطلح عليه باسم "البالماح"، في الفترة من 1942، وحتى 1947، وسافر إلى المجر كمبعوث لكي يساعد في تهريب اليهود إلى فلسطين، كما شارك في حرب 48، ضمن لواء النقب والذي احتل مدينة ام رشراش، وحظى ديوانه الأول زهور النار 1949 وخاصة قصائده عن حرب 1948 بشهرة واسعة، وكانت وما تزال تتلى في المراسم التأبينية لقتلى الحرب، كذلك لا تخلو منها أيه مختارات شعرية أو كتاب مدرسي.

وهناك قصيدة كتبها جوري عام 1969، وتنبأ فيها بحرب أكتوبر أو بالأحرى ماذا سيفعل المصريون إن عبروا القناة، يقول جوري في قصيدته.

رجاء
سامحوني وأحذيتكم الكبيرة في حالة سكون
على تلك الرمال
واصفحوا في صمت عني
أيها الرفاق
يا رفاق الظلام
ها أنا ذا أقف وأشاهد وجوهكم من علٍ
في هدوء صاخب
وعبر مسافة تتلاشى
وبصحبتي نفسي التي صارت غيمتي
رجاء
سامحوني وأحذيتكم الكبيرة في حالة سكون
على تلك الرمال
يا رفاق الظلام
جعلت نفسي رقية
لففت التمائم
تدرجت في مراتب الصلاة
لكني لست النبي اليشع
وليس عندي ما أقوله
عن هذه الرمال
ها أنا ذا أقف في وجه ريح غريبة
تحت سماء الجنوب التي اعتادت ذلك
فوق أرض تصرخ
ونفسي منزعجة
أشاهدكم من عل
إلى أن يحل الظلام
إلى أن يأمرونني بترككم والتوجه غربا
بينما يدي تقترب فتكتوي ثم تتراجع

وهناك قصيدة أخرى لحاييم كتبها أثناء تعبئته للحرب مع زملائه وقبل أكتوبر أيضًا، وفيها يصف صراخ الأرض في صور رمزية تفيد عدم الأمان حتى مع انتصار الجانب الإسرائيلي وتؤكد أن هذا الانتصار ما هو إلا جولة في حرب طويلة، حيث يقول فبها:

هانذا أقف في وجه ريح غريبة
تحت سماء الجنوب التي اعتادت ذلك
فوق أرض تصرخ
ونفسي منزعجة
أشاهدكم من علٍ إلى أن يحل الظلام
إلى أن يأمرونني بترككم والتوجه غربا
بينما يدي تقترب فتكتوي ثم تتراجع..

يشرح جوري بأن المتحدثين يرون الموت الخيار الأخير، لكنه ليس بالضرورة نهاية الأمر، وكلمة يا رفاق هي في الأصل تمنح الأمر ذلك البعد الحميمي كأن كل إسرائيلي هو رفيق، فتجهيل الأسماء كان يعني أن الأمر للكل، وفي جزء آخر من القصيدة يخاطب جوري الموتى كأنهم أحياء يسمعونه، في دلالة واضحة على أن الحرب القادمة ستكون لكل إسرائيلي قديم وجديد، وأنهم سيقفون في وجه العرب الذي يبغون طردهم من أرض ميعادهم.

القصائد بعد حرب أكتوبر

كان الشاعر "مائير شيلاف" من الذين تطالعهم صور الحرب وبصورة خاصة فيما بعد حرب الاستنزاف وحرب 67، فكان حينما يتصفح الجرائد يرى الصور ونزيف الدم، من الاهل والأقارب والأحبة، وقد عبر بصدق عن الازمة حينما قال في قصيدة له:

ليس هناك موطئ لقدم في هذه البلاد
أغلى عندي من جثة الفتى المتعفنة

أما الشاعر أمير جيلبوع، فقد التحق بالفيلق اليهودي عام 1942، وخدم في كل من مصر وشمال أفريقيا ومالطا، وشارك في تهريب اليهود إلى فلسطين خلال الهجرات غير الشرعية وشارك في العمليات العسكرية في حرب 1948، وعمل في دار نشر "مسادا" بتل أبيب ما يقرب من عشرين عاما، وحاز جائزة إسرائيل عام 1982، جمعت أشعاره في مجلدين وصدرت عن دار نشر "هاكيبوتس هاميزحاد" عام 1987.

وفي قصائده وضع جيلبوع العالم كله في مواجهة اليهود، باعتبار أن ما حدث كان عبارة عن حرب إبادة، وجيلبوع لم يكن الوحيد الذي يعتقد أن العالم بأكمله ضد اليهود فقد شاعت هذه النغمة الدعائية في وسائل الإعلام اليهودية لفترة كبيرة.

يقول جيلبوع في قصيدته "هاهم الأغيار"
هاهم الأغيار قد تجمعوا
جاءوا ووقفوا على أعتابك
يضمرون مكيدة بحساب زمني دقيق
مقسم إلى لحظات
عندما تحين الساعة
سيتوقون لرؤيتك تسلمين الروح
وفي الفضاء
سترتسم علامات تبدو لهم
وكأنها تبعث ذكرى من صفحة ذنوبهم وحلفهم
سيجعل من دمائك مطرًا غزيرًا
يروي عطش أرواحهم
اللعنة
تلك هي عشيرتهم
وعشيرتهم تناصب عشيرتك العداء
فاحترسي من الساعة الملعونة

أما الشاعرة "إستير راب" فلم يصدر لها سوى ثلاث مجموعات شعرية في حياتها، وبعد وفاتها قام ابن أخيها "إيهود بن عيزير"، بتجميع ونشر كل قصائدها في مجلد وأعمالها النثرية في مجلد آخر، وسيرتها الذاتية في مجلد ثالث، وتعد من رواد حركة التجديد في الشعر العبري، منذ أن صدر ديوانها الأول عام 1930، وكانت "استير" قد قضت فترة في القاهرة من "1921 1925"، في حلوان وكتبت عن المدينتين وكتبت عدة قصائد عن حرب أكتوبر لم ترسل سوى بعضها للنشر وهذه القصيدة نشرت بعد وفاتها، تقول فيها:

إلهي
لقد عاقبتني عقابا شديدا
في هذا الشتاء
وزعزعت الأشجار البرية
من جذورها
عاقبتني بحفاء أقدام الأولاد
على ثلوج جبل الشيخ
في البرد والرطوبة
بتجعد جلد وجوههم
بينما لبن أمهاتهم لا يزال
على شفاههم المشقوقة
والقبعة الأولى
مطبوعة كختم
عليها